التقى الرئيس الفرنسي ساركوزي بالرئيس الروسي بوتين في موسكو في 10و11/10/2007 وقد اعتبرت قمة في منتهى الأهمية للدور الذي يمكن أن تلعبه فرنساوروسيا في السياسة الدولية إذا ما تعاونتا واتفقتا على العمل معاً، طبعا لا أحد توقع ان تسفر القمة عن اتفاق استراتيجي بين بوتين وساركوزي، ولكن أشار التوقع الأرجح الى ان يقطعا شوطا في تعزيز نقاط الالتقاء التي ركز الطرف الروسي عليها، وهي اقتصادية وذلك من أجل ارساء قاعدة للتفاهم حول القضايا الخلافية الأخرى، طبعا الموضوع الاقتصادي يحظى بأهمية كبيرة بالنسبة الى الطرفين ولكنه لا يرقى الى التحكم في العلاقة، فالقضايا الاستراتيجية ذات الطابع الدولي والأوروبي والسياسي والعسكري تظل لها الأولوية، لأنها إذا ما حلت يطلق العنان للموضوع الاقتصادي ولكن إذا تعثرت وتأزمت فلابد من أن يتعثر ويتأزم الاقتصاد وغير الاقتصاد.
بيد أن الخلافية التي برزت حتى على المستوى الاقتصادي فقد تمثلت في رد بوتين على طلب ساركوزي حين أبدى رغبته في المشاركة الفرنسية في شركات الغاز الروسية، موافقا شريطة التعامل بالندية وبالمثل، أي السماح للاستثمارات الروسية بالدخول في عالم الشركات النفطية الأوروبية، طبعا هذه النقطة لم تحل تماما، لأن الدول الغربية تعودت أن تتعامل مع روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، على أساس طريق باتجاه واحد وليس باتجاهين، ومن هنا فإن انتقال بوتين بالاستراتيجية الروسية، حتى من الناحية الاقتصادية، الى مرحلة التعامل بالندية وبالمثل ليس بالأمر الذي يمكن ان يهضم أوروبيا بسهولة ناهيك عن أن تهضمه الإدارة الأمريكية التي ترقب باهتمام شديد ما يجري في لقاء بوتين - ساركوزي.
القضية الاستراتيجية الأولى بنظر موسكو تجسدت في الموقف في قضية كوسوفو واستقلالها، وقد حاول ساركوزي زحزحة روسيا عن استخدام الفيتو إذا رجح قرار يؤيد الاستقلال في مجلس الأمن. الذين علقوا على نتائج القمة بالنسبة إلى هذه القضية اعتبروا ان الزعيمين تبادلا وجهات النظر من دون اقتراب أحدهما من الآخر، فبالنسبة الى بوتين أسند ظهره الى الحائط، بقوة، رافضا استقلال كوسوفو، فالتراجع المطلوب كان من جانب ساركوزي وهو لم يحصل وان كان حصوله لاحقاً ليس مستبعدا، لأن استقلال كوسوفو يستخدم لأغراض الصراع الغربي مع روسيا.
القضية الثانية تتعلق بالخلاف الروسي-الغربي في موضوع العقوبات على إيران، فالسياسة الفرنسية أظهرت في عهد ساركوزي من خلال كوشنير وزير الخارجية تشددا الى حد الايحاء الى ايران بأن الحرب في انتظارها إذا لم تتوقف عن التخصيب نهائيا، أما بوتين فقط حافظ على موقفه السابق الذي لا يرى سببا مقنعا لتشديد العقوبات على إيران لاسيما بعد الاتفاق الذي عقدته مع الوكالة الدولية للطاقة النووية.
اعتبر بعض المعلقين ان الرئيسين تقاربا جزئيا من الموضوع من خلال تراجع روسي جزئي لم يصل الى حد المطلوب فرنسيا وهو أمر قابل للتجاوز إذا ما قدم الغرب لروسيا تنازلا بحجم أكبر في قضية أخرى تهمها استراتيجيا، وقد حدث مثل هذا في مرحلة فرض العقوبات الأولى على ايران، وان لم يعترف الطرفان بأن ثمة صفقة مقابل صفقة الموافقة الروسية والصينية على العقوبات، عقدت حتى مرر قرار مجلس الأمن السابق.
الوضع الراهن أصبح أشد تعقيدا، مما كان عليه في السنوات الست الماضية في ما يتعلق بالعلاقات الروسية-الأمريكية، والروسية-الأوروبية، فقد كانت أمريكا مركزة على تمرير استراتيجية في البلاد العربية والإسلامية، وهو ما جعلها تتراجع عن عدد من القضايا لروسيا والصين مقابل قرارات ضد ايران ولبنان والعراق والسودان وفلسطين «الرباعية والحصار»، تصدر عن مجلس الأمن أو قمة الدول الثماني.
ولكن بعد أن فشلت استراتيجية إقامة «الشرق الأوسط الكبير» وبعد ان استعادت روسيا دولتها القوية وأصبحت تطالب بالشراكة مع الغرب في الشأن الدولي ولاسيما عدم سكوتها بعد الآن على انتهاك مجالات أمنها القومي في أوروبا وآسيا ارتفع التناقض الى مستوى أعلى وقد يتحول مع الإدارة الأمريكيةالجديدة سواء كانت ديمقراطية أم جمهورية الى الأولوية ولهذا فإن المقابل المطلوب تقديمه لروسيا لم يعد هيناً.
ومع ذلك تظل الأولوية في المرحلة الراهنة، فرنسيا تعطى للضغط على ايران لوقف التخصيب كليا، أما أمريكا فتريد من العقوبات تهيئة المناخ السياسي للحرب، وهذا ما يفسر التقارب الجزئي بين بوتين وساركوزي في الموضوع الإيراني. والخلاصة، بالرغم من ان القمة الروسية-الفرنسية لم تحقق اتفاقا استراتيجيا بين بوتين وساركوزي ولكنها عززت علاقات الصداقة بينهما وخطى بها خطوة إلى الأمام.