المشروع لم يتطرق إلى بنود أضاعت حقوق الدولة وسهلت نهب الثروات فى الداخل والخارج «حيتان التعدين» يحتكرون تصاريح البحث ويتاجرون بها من الباطن بطرق رسمية وغير رسمية تبعية التعدين لقطاع البترول أمر لا مثيل له فى العالم أدخله العهد البائد لتسهيل «النهب» المشروع يتضمن شروطا مجحفة ستُطبق على المستثمر المحلى فقط حصة الدولة غير منصفة لأن قيمة الجنيه سنة 1956 أصبحت توازى ألف جنيه حاليا حذر خبير التعدين العالمى حمدى سيف النصر من أن مشروع «قانون الثروة المعدنية» الجديد يُتيح لرجال الأعمال «تجريف» مزيد من ثروات الشعب، مشيرا إلى أن «المشروع لم يتطرق إلى بنود عانينا منها فى الماضى، وأخرى أضاعت حقوق الدولة وسهلت نهب الثروات فى الداخل والخارج». وأشار سيف النصر إلى أن «حيتان التعدين» يحتكرون تصاريح البحث ويتاجرون بها «من الباطن» بطرق رسمية وغير رسمية؛ الأمر الذى يسهّل نهب حقوق الدولة بشكل لا مثيل له، لافتا إلى أن تبعية التعدين لقطاع البترول أمر لا مثيل له فى العالم، أدخله العهد البائد لتسهيل «النهب». * كيف ترى مشروع قانون الثروة المعدنية الجديد؟ ** اطلعت على المشروع الذى يوضع فى عهد «الثورة والتحديث»، فى ضوء القوانين المناظرة بدول العالم وفى ضوء غيابنا عن التقدم العالمى لعقود خلال «العهد البائد» فى مجال دراسات التعدين، خاصة «المكودة» منها التى هى شرط دولى للاستغلال التعدينى الآمن الممول بنكيا. وتبين لى أن هذا المشروع لم يتطرق إلى بنود عانينا منها فى الماضى، وبنود أضاعت عددا من حقوق الدولة ونهب الثروات فى الداخل والخارج وتضخم ثروات غير مبرر لرجال الأعمال بسبب نهب مزيد من ثروات الشعب، وبنود تفتح للأجانب باب نهب مزيد من الثروات المصرية دونما استفادة تذكر للدولة. وفى المقابل، فإن فيه بنودا لا تتيح للمستثمر المصرى ما يتاح للمستثمر الأجنبى، على الرغم من أن المستثمر المحلى يستغل معظم الخامات داخل البلاد. * وهل لديكم ملاحظات لتدارك أخطاء مشروع القانون؟ ** بالطبع، أولا أن هذا القانون يكرس تبعية قطاع التعدين والمساحة الجيولوجية والمناجم والمحاجر لوزارة البترول، وهو أمر انتهى منه العالم منذ قرون إلى حتمية الفصل التام بين التعدين والبترول؛ لأسباب أصبحت معروفة ومستقرة دوليا. وعلاوة على ذلك فالبترول يصنف دوليا على أنه جزء أساسى من قطاع الطاقة، أما التعدين فإما مستقل أو مصنف ضمن قطاع الصناعة، كما أن الأفراد العاديين يستطيعون استكشاف ثروة معدنية واستغلالها، وهو أمر لا يحدث بالنسبة إلى البترول الذى يحتاج إلى قدرات علمية وتكنولوجية ومالية عالية. وتبعية التعدين لقطاع البترول أمر لا مثيل له فى العالم، أدخله العهد البائد لتسهيل التعاقد على منجم «السكرى» وفبركة شركات وهمية لا تمارس التعدين ونهب مناطق الذهب المستكشفة سابقا وتكريس توزيعها للنهب من قبل الأجانب، اقتداء باتفاقية منجم السكرى. ومن الغريب أن يستمر هذا الوضع الشاذ عالميا بعد الثورة بتضليل من بقايا النظام السابق. ثأنيا- أن هذا القانون يكرس ضم قطاعات التعدين فى هيئة واحدة هى «هيئة الثروة المعدنية». وهذا الوضع كان أيضا من أسباب انهيار قطاع التعدين فى مصر؛ ففى العالم كله يجرى الفصل بين كيانات التعدين؛ فإن الكيان البحثى هو المساحة الجيولوجية المصرية، وكيان التعاقد والاستغلال كان ما تسمى «مصلحة المناجم والمحاجر». وتسبب ضمهما بانصراف أفراد الكيان البحثى إلى إصدار التراخيص والتعاقدات؛ ما أدى إلى تخلفه عن الكيانات المناظرة فى العالم. * يرى البعض أن فى مشروع القانون أخطاء فنية.. فما قولكم؟ ** هذا صحيح؛ فمشروع القانون وقع فى أخطاء فادحة، منها أنه بخلاف كل دول العالم، لم ينص فى أى جزء من مشروع القانون على شرط دولى مهم جدا، هو أن يقتصر استغلال الثروات المعدنية على المشروعات التى تثبت دراساتها أنها ذات جدوى اقتصادية. وهذا الشرط أساسى؛ لأن الدولة تجنى من التعدين عائدات أخرى غير «الإتاوة»، مثل ضرائب الأرباح والمبيعات، وتقاضى العمال أرباحا سنوية، والرسوم الحكومية ذات العلاقة، كما أن الثروة المعدنية إذا كانت غير اقتصادية فإن العالم قد اتفق على تركها لكى تستغل عندما ترتفع أسعارها وتصبح مربحة، عملا بمبدأ دولى اسمه «الحفاظ على ثروات الأجيال». ولم ينص المشروع على ضرورة أن تشمل اتفاقيات الاستغلال التعدينى شرط قبول مبدأ إعادة التفاوض على هذه الاتفاقيات، وهو مبدأ دولى فى التعدين معمول به منذ زمن بعيد لتدارك أى تلاعب بشروط التعاقد يظهر بعد تنفيذ الاتفاقيات، كما لا بد أن يشمل المشروع أو اللائحة آليات إعادة التفاوض مع عدم وقف الإنتاج، ويبين حالات وقف الإنتاج لمصلحة الطرفين. وهذا مبدأ عانينا منه طويلا وتسبب بخسائر فادحة للدولة. كما لم ينص مشروع القانون على أن يتولى الكيان البحثى (المساحة الجيولوجية المصرية) مسئولية مراجعة الدراسات والبحوث الاستكشافية التى يجريها الغير؛ لأنه إذا قام المستثمر بالبحث فلا بد من مراجعته عموما من قبل الكيان البحثى لا التعاقدى؛ لتلافى التعاقد على دراسات الاستكشاف والجدوى الفاشلة أو الملفقة التى تؤدى إلى خسائر هائلة للدولة. ومن الغريب أن مشروع القانون لم يتضمن شروطا لتعظيم المستثمر القيمة المضافة (تصنيع الخامات) ولو من قبل الشروط التفضيلية، وكذا تقديم المشروع مكاسب أو منافع للمجتمع المدنى، وهو من الشروط الحديثة فى التعدين؛ لكى ينال المشروع ترحيب الأهالى والسكان المحيطين به، ناهيك عن أنه لم ينص على ضرورة قبول المستثمر الرقابة الكاملة على الإنتاج، ووجود مندوب دائم للدولة فى موقع الاستغلال ومعالجة الخامات، وألا تخرج من خلال بوابة المنجم أى شحنات إلا بتوقيع مندوب الدولة، كما لم ينص على مبدأ الشفافية والشروط الجزائية لضمان حصول الدولة على كامل مستحقاتها وتوقيع عقوبات رادعة على المخالفين. * وماذا عن حق الدولة؟ ** ينص مشروع القانون على حصول الدولة على «إتاوة» لا تقل عن 10% من مبيعات المشروع، بالإضافة إلى قيمة إيجارية سنوية عن مساحة منطقة المشروع، وهو شرط غاية فى الغرابة لا تعممه الدول على كل أنواع التعدين، لم يتضمنه المرجع الدولى، ويهدد بالقضاء على جميع المشروعات التعدينية التى تقدر ربحيتها بنحو 20% أو أقل. وهذا يدل على أن القانون لم يسترشد فيه بقيم هذه الإتاوة؛ لا فى دول العالم ولا فى المراجع الدولية التى تقسم النشاط التعدينى إلى خمس مجموعات، كما وضعت فئات لقيمة الإتاوة لكل مجموعة، وكذا تراوح قيمتها بين حد أعلى وحد أدنى، وللدول أن تأخذ بما يناسبها بين الحدين وفقا لدرجة تشجيعها الاستثمار التعدينى. من المعلوم أن للدولة الحق فى فرض ضريبة للأرباح الطائلة على المشروعات التى تحقق ربحا يتعدى حدا معينا تحدده الدولة فى قوانينها، كما تحدد نسبة الدولة فى هذه الأرباح، ويعطى أمثلة استرشادية وشروطا جزائية. وهذا البند لم ينص عليه فى مشروع القانون، وهو يمنع أى نهب لثروات البلاد. * وما تفسيرك لعدم توازن قيمة «الإتاوة» فى مشروع القانون؟ ** يبدو أن السبب فى عدم التوازن فى قيمة الإتاوة فى مشروع القانون الجديد، يرجع إلى ما عانته مصر من تدنى قيمتها فى القانون السابق؛ لأنها فقدت قيمتها المالية بمرور الزمن بعد صدوره فى الخمسينيات، كما يرجع إلى عدم علمهم باللوائح الدولية الاسترشادية ذات العلاقة، فلجئوا إلى شرط فرض إتاوة عامة لا تقل عن 10% وتعميمها. ورغم أن هناك حالات تستدعى فرض إتاوة أكثر من 10%، فإن هناك خامات عديدة لا تتحمل أكثر من 4%، وإلا ستحقق خسائر؛ ما سيحد كثيرا من النشاط التعدينى وما يترتب عليه من صناعات. ومن الغريب أن هذه الشروط المجحفة سوف تنطبق على المستثمر المحلى فقط. أما المستثمر الأجنبى فسوف تعقد معه اتفاقيات بشروط خاصة، ولن يتأثر بها. ولمنع تكرار ما حدث فى اتفاقيات مجحفة سابقة -وأحيانا مذلة، ومنها اتفاقية منجم السكرى- فلا بد من شمول المشروع الجديد شروطا ملزمة تتقيد بها اتفاقيات التعدين الجديدة. وهناك شرط غريب لترخيص البحث، هو تحديد مساحة قصوى 16 كيلومترا مربعا للبحث، وهو شرط لم يضع فى الاعتبار طبيعة البحث عن خامات نادرة الوجود تحتاج إلى استكشاف جوى ومساحات واسعة للبحث عنها، لكن هناك خامات عديدة يمكن أن تتواءم مع هذا الشرط؛ لذلك لا بد من إعادة النظر فى صياغته. ولم يتضمن مشروع القانون شيئا عن قيام المساحة الجيولوجية المصرية بالدراسات الجيولوجية التطبيقية ذات الطبيعة المشتركة مع قطاعات أخرى فى الدولة، كما لم يتضمن تنظيم التراخيص الخاصة لهذه الدراسات من قبل الغير. وهذه الدراسات تشمل جوانب عديدة؛ منها دراسات الطاقة الجوفية الحرارية والعيون الحارة، والدراسات «الجيوتقنية» لمواقع الإنشاءات والسدود والجسور والمجتمعات العمرانية، ودراسات استكشاف الآثار، والدراسات البيئية ومدافن النفايات المدنية، وتلوث المياه الجوفية والسياحة الجيولوجية وغيرها. * وكيف ترى الشروط الأخرى؟ ** هناك شرط غريب آخر لمنح تصاريح البحث، هو أن يكون سبق قيد المتقدم للترخيص ضمن سجل للمقيدين المصرح لهم بالبحث، من بين شروطه الملاءة المالية وشروط أخرى لقصر منح التصاريح لكبار رجال الأعمال وحيتان التعدين. ولقد أسفر هذا فى السابق عن احتكار فئة معينة تصاريح البحث؛ ما فتح الباب لاحتكارهم هذه التصاريح وربما الاتجار بها من الباطن، سواء بطرق رسمية أو غير رسمية. وقد يمثل ذلك قيدا على جيولوجيين أو مهندسى تعدين قد يكونون مجموعات من الخريجين مؤهلين للبحث عن ثروات البلاد. وأسوة بالمتبع دوليا، ولضمان جدية البحث، يُلزم المتقدم بإجراء بخطوات بحث محددة على مدى مدة التصريح تضعها المساحة الجيولوجية المصرية (رحمة الله عليها)، وتكون العبرة بإجراء الدراسات، وتراقب الالتزام بها خلال فترة الترخيص مع سحب الترخيص من غير الملتزمين. والمثير أن مشروع القانون استثنى المستثمر الأجنبى من الشروط المجحفة السابقة، ولم يضع شروطا لعقد الاتفاقيات مع المستثمرين الأجانب تلتزم بها لجان التفاوض؛ حتى لا تُنهب الثروات المصرية، وحتى تتفق مع اللوائح الاسترشادية الدولية. * كيف تحصل الدولة إذن على حقوقها؟ ** إذا كان هدف مشروع الثروة المعدنية الجديد هو حصول الدولة على نصيب منصف من استغلال ثروتها، بعدما أصبحت القيم التى حددت فى القانون القديم متدنية فى الوقت الحالى؛ فإننى على قناعة تامة بأن حصة الدولة غير منصفة؛ لأن قيمة الجنيه المصرى سنة 1956 أصبحت توازى ألف جنيه حاليا، ونتج من ذلك أن ظهر مغامرون من الخارج وحيتان الداخل ووسطاء يجنون أرباحا طائلة وتضخمت ثرواتهم تضخما مستفزا، فضلا عن ظهور وسطاء يتلاعبون لنهب الثروة المعدنية دون مقابل تقريبا. ولعلاج ذلك، فإن الأمر بسيط جدا، هو تحديث قيم عائدات الدولة وتعديلها بحيث يحصل الشعب على عائدات منصفة من ثروته المعدنية. وهذا التعديل لا يشمل سوى فقرات محدودة فى القانون القديم. وهو أمر لازم الحدوث وتأخر كثيرا فى العهد السابق؛ حتى يتمكن هؤلاء من نهب الثروات المصرية.