د. خالد عودة: الحل الوحيد لمنع غرق الدلتا.. ويحقق تريليونًا و200 مليون جنيه لمصر نموذجى للخروج إلى الصحراء وتوطين 4 ملايين مواطن واستصلاح مليونى فدان يخلق مناطق سياحية جديدة ومزارع سمكية على ضفاف البحيرة الصناعية مشروع القطارة هو منخفض عظيم يقع فى الصحراء الغربية لمصر، ويعتبر ثالث منخفضات العالم مساحة. والمشروع تتلخص فكرته فى إمكانية توليد الكهرباء عن طريق شق مجرى يوصل مياه البحر الأبيض المتوسط بالمنخفض. ويمتد منخفض القطارة من الشرق إلى الغرب،و يقترب طرفه الشرقى من البحر الأبيض المتوسط عند منطقة العلمين، ومساحته نحو 20 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ طوله نحو 298 كيلومترا وعرضه 80 كيلومترا عند أوسع منطقة فيه. وأقصى انخفاض له تحت سطح البحر يبلغ 134 مترا. ويبدأ المنخفض من جنوب العلمين على مسافة 31 كيلومترا تقريبا. ويستهدف مشروع منخفض القطارة شق قناة أو أكثر تصل مياه البحر الأبيض المتوسط بحافة المنخفض، وإقامة محطة توربينية أو محطات لاستغلال تساقط المياه إلى المنخفض لتوليد طاقة كهربائية اقتصادية، خاصة بعد الارتفاع الهائل فى أسعار البترول ومشتقاته، ووصول سعر البرميل إلى أكثر من 110 دولارات، ولا ينتج منها أضرار ولا تلوث للبيئة، كما يمكن تكثيف المياه المتبخرة أو جزء منها، وكذلك تحلية هذه المياه واستخدامها فى الزراعة المنظمة، وإقامة مجتمع متكامل فى خمس مساحة مصر. ويطالب الخبراء المهتمون بالفكرة بسرعة تنفيذ هذا المشروع؛ لأنه مشروع نموذجى للخروج إلى الصحراء، وبتوفير الإمكانات اللازمة؛ لأن من مزاياه أيضا توطين أكثر من 4 ملايين مواطن مصرى، واستصلاح واستزراع مليونى فدان جديدة، ويقصدون تحديدا خط مياه لبدء مشروعات التنمية والتعمير فى هذا المشروع، مطالبين بإزالة المعوقات التى تمنع إقامة المشروع، مثل مشكلة الألغام التى تعرقل مشروعات التنمية فى تلك المنطقة. ويؤكد الدكتور خالد عبد القادر عودة، أن تنفيذ مشروع منخفض القطارة سوف يحقق لمصر عائدا لا يقل عن تريليون و200 مليار جنيه، دون التفريط فى متر من الأرض؛ إذ سيُطرح من خلال الصكوك الإسلامية، كما أنه يمكن الاستفادة من المياه التى تهدد بغرق الدلتا فى إنشاء أكبر بحيرة فى العالم. وأضاف أن مشروع المنخفض هو الحل الوحيد لمنع غرق ما يقرب من 33% من الشريط الساحلى ومن الدلتا ، موضحا أن المشروع أعيد تقويمه بعد اكتشافهم أن هناك واحات ومنخفضات وهضابا يمكن توصيل هذه المياه إليها وزراعتها، ويمكن على مدار 50 عاما أن تتكون أكبر بحيرة فى العالم يستفاد منها فى توليد الكهرباء وإنتاج الأسماك والجمبرى. والإنتاج سوف يكفى مصر ويمكن تصدير جزء كبير منه. «وقد أيد هذه الرؤية فريق بحثى ألمانى سبق أن توصل إلى هذه النتائج، وقد قدمت كل النتائج إلى وزير الزراعة الأسبق د. أيمن فريد أبو حديد، ووجدت منه تحمسا للمشروع، لكن -مع الأسف- فى تصاعد وتيرة الأحداث السياسية لم ير المشروع النور حتى الآن». و من جانبه، يقول د. عصام سلامة أستاذ هندسة الكهرباء بكلية الهندسة جامعة المنوفية: «منذ 90 سنة وعلماء الدنيا كلها يحلمون بمشروع منخفض القطارة. وقد بدأ المشوار فى عام 1916 البروفيسور هانز بنك أستاذ الجغرافيا فى جامعة برلين. فكرة المشروع تتلخص فى شقين: الأول تحويل مجرى النيل ليصب فى منخفض القطارة بدلا من فقد المياه التى تصب فى البحر، فتُستصلح الأراضى على جانبى القناة لزراعتها بالمحاصيل الاستراتيجية، والفائض منه يصب فى بحيرة كبرى يصب فيها أيضا مجرى مائى بطول 75 كيلومترا تندفع فيه مياه البحر المتوسط إلى المنخفض الهائل الذى يصل عمقه إلى 145 مترا تحت سطح البحر، فتتكون بحيرة صناعية تزيد مساحتها عن 12 ألف كيلومتر. طاقة كهربائية رخيصة وأضاف د. عصام: «ومن شدة اندفاع المياه، يمكن توليد طاقة كهربائية رخيصة تصل إلى 2500 كيلو وات/ساعة سنويا توفر 1500 مليون دولار ثمن توليدها بالمازوت، كما أن للمشروع مزايا وفوائد أخرى؛ هى أن البحيرة سيحدث بها بخر كبير للماء، وسينتج منه مطر يمكن استغلاله فى زراعة ملايين الأفدنة. ويوضح د. ناصر عبد الكريم أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة طنطا، فوائد اقتصادية أخرى للمشروع قائلاً: «ويمكن الحصول على كميات كبيرة من الثروة السمكية، وكذلك الملح من البحيرة، كما أن التخطيط يشمل ميناء يخفف الضغط عن ميناء الإسكندرية، بجانب المشروعات السياحية، وتسكين ملايين المصريين القادمين من وادى النيل الضيق، وخلق فرص عمل لهم، علاوة على الكم الهائل من الكهرباء الذى يمكن إنتاجه من هذا المشروع الذى سيساهم فى توفير مزيد من الطاقة، وخفض ثمن الكهرباء. وهذا المشروع هو مشروع سياحى ضخم، يمكن أن يفضى إلى تنمية وتعمير منطقة مهملة تماما هى منطقة شمال غرب مصر، وإقامة جنة بها تتوسط الصحراء الشمالية الغربية. ومنخفض القطارة سيتحول إلى بحيرة كبيرة يمكن استغلالها للرياضة المائية وسباقات الزوارق وغيرها من الأنشطة السياحية المرتبطة بالبحيرات. وستُبنى مدن كبيرة ساحلية حول ساحلها. تتكون كلها من (شاليهات) من دور واحد مبنية بأسلوب بناء متطور يستلهم مصر الفرعونية والبطلمية، مع توافر مناطق زراعية شاسعة حول المبانى والقرى، وحزام من أشجار الغابات بكثافة 10 كيلومترات حول هذه المدن، ثم منطقة زراعية بكثافة خمسة كيلومترات تحيط بالغابات من الخارج، بالإضافة إلى ثلاثة مطارات صغيرة، وشريط للقطار وطريق برى محيط بالمدن وشواطئ البحيرة، مؤكدا أن التخطيط بهذا الشكل سيجذب السائح الأوروبى والأمريكى؛ إذ ستتوافر له فى رحلة واحدة ومكان واحد إمكانات الاستمتاع برياضة مائية ومنطقة غابات ومساكن راقية على مسافات متباعدة لا تقل عن كيلومترين، مع فنادق ضخمة مكونة من (شاليهات) صغيرة، وأبنية ذات دور واحد، مع إمكانية تنمية المنطقة محمية طبيعية تضم عددا كبيرا من الطيور؛ حيث تُنمّى ملجأ للطيور المهاجرة والمستوطنة. غابات صناعية وسياحية و يضيف د. ناصر: «يمكن تحويل المنطقة الصحراوية حول المشروع الى منطقة غابات، ومد مواسير للرى لمناطق زراعية شاسعة، كما أن البحيرة ستسهم فى تكوين مناطق سياحية وتعمير مدن كبرى». وعن تكاليف المشروع يقول د. عبد الكريم: «قُدّرت تكاليف المشروع عام 1959 بنحو 4 مليارات و657 مليون دولار، منها 800 مليون دولار لشق القناة بالتفجيرات النووية السلمية، وهى الطريقة الرخيصة والنظيفة والمناسبة والمثالية وقدروا الفترة اللازمة لتنفيذ المشروع فى 15 سنة، لكن المشروع لاقى اعتراضات وعراقيل من أمريكا؛ إذ رفضت أن تستخدم مصر الطاقة النووية استخداما سلميا، خوفا من أن تنقلب فى ظروف التوتر الحادة مع إسرائيل إلى استخدم عسكرى، وأجبرت ألمانياالغربية التى اتفقت مع مصر على البدء فى تنفيذ المشروع على التسويف؛ ما عطّل المشروع سنوات طوالا. لكن المشروع العملاق عاد فى عهد الرئيس الأسبق أنور السادات ووضعته وزارة الكهرباء على رأس سياستها. وفى 25 يوليو 1973 قرر مجلس الوزراء اعتبار المشروع مشروعا قوميا يستحق الأولوية، ووُقّعت اتفاقية مالية وفنية مع حكومة ألمانياالغربية لدراسة المشروع. وقدم بنك التعمير فى بون 11.3 مليون مارك منحة لتمويل الدراسات النهائية. وفى عام 1975 شُكلّت لجنة عليا للمشروع من 12 عضوا نصفهم من المصريين، لكن المشروع توقف بعدما رفع بيت الخبرة الألمانى تكلفة الدراسات على غير الحقيقة». ويقول الدكتور عبد الحميد العكاوى أستاذ الكهرباء بجامعة الإسكندرية: «كانت الدراسات المطلوبة عن التفجيرات النووية وتأثيرها فى الزلازل، وعن المياه الجوفية والمناخ والبيئة، وضمان استمرار توليد الطاقة بجانب التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسكانية المتوقعة. فى ذلك الوقت وصل وفد من هيئة الطاقة النووية فى فيينا، وشاهد موقع المشروع على الطبيعة، وشعر بجدية مصر فى تنفيذه، لكن كان من أعضائه مَن قدم تقريرا إلى المخابرات الأمريكية عن خطورة امتلاك مصر تكنولوجيا نووية تفجر بها المجرى المائى الذى سيوصل البحر المتوسط بالمنخفض». إحياء المشروع وتابع د. العكاوى: «منذ قرابة عام، تجددت المطالب بالبدء فى إعادة التخطيط وتنفيذ المشروع، فتقدم المستشار فتحى رجب وكيل اللجنة التشريعية فى مجلس الشورى السابق بطلب مناقشة حول مشروع منخفض القطارة، مؤكدا أن مصر تعانى فقرا فى الطاقة البترولية سيتحول إلى مجاعة خلال سنوات ليست بعيدة، وأن المشروع سيفتح لنا منجما من الطاقة الكهربائية الرخيصة والنظيفة، كما أنه سيستوعب أعددا كبيرا من العاطلين الذين ضاقت بهم سبل الرزق التقليدية، لكن طلب المناقشة أُجّل لأنه دخل فى دائرة المحرمات والممنوعات حسب أسلوب النظام السابق، كما أن الصراع بدأ بين أكثر من وزارة حول المشروع؛ فوزارة السياحة تريد الأرض لبناء كتل من الأسمنت والخرسانة المسلحة تسميها مشروعات سياحية، ووزارة البترول تريد تعطيل المشروع بحجة أن الأرض هناك تبشّر بوجود بترول، مع أن المشروع لا يمنع البحث عن البترول، بل على العكس؛ يضاعف فرص اكتشافه، كما جاء فى الدراسات الأولية، ووزارة الكهرباء تخشى الانتقال من محطات المازوت والغاز الطبيعى إلى المحطات غير التقليدية التى لا تتمتع بالخبرات الكافية فى تشغيلها وصيانتها وإدارتها، كما اعترضت ليبيا لخوفها من احتمال حمل الرياح الغبار الذرى الناتج من التفجيرات فيصل إليها، لكن ذلك يمكن التغلب عليه بعد أن تطورت تكنولوجيا شق القنوات بالطرق التقليدية، وتقدمت شركة سويدية بمشروع إلى وزارة الكهرباء بأجهزة ميكانيكية كانت حديثة عام 1970». ويؤكد د. عبد الحميد أن جميع المعوقات التى تعرقل المشروع يمكن إزالتها، مثل مشكلة الألغام (المتروكة فى منطقة العلمين منذ الحرب العالمية الثانية)؛ إذ يمكن استكمال إزالة الألغام والأجسام القابلة للانفجار من باقى الصحراء الغربية، كما أن الجيولوجيا الصخرية (حجر جيرى فى الأغلب) للمنطقة يجعل شق القناة مكلفا للغاية، لكن يمكن التغلب عليها بالطريقة التى تقدمت بها الشركة السويدية أو عن طريق القنابل النووية الصغيرة.