تتشعب قضايا الفساد في الاردن وتتشابك لتلتقي في نقطة واحدة, تجمع خيوط الفساد و تحتكرها. فالاردن لم يكن يوما غريبا عن الفساد, فهو ظاهرة صاحبت الدولة وامتدت جذورها في هذا البلد الصغير بامتداد تاريخ دولته ونشأتها في اوائل عشرينيات القرن المنصرم, ومرّ الفساد بعدة مراحل اثّرت على حياة المواطن الاردني بأشكال مختلفة وبدرجات متفاوتة. منذ عام 1999 اصبح الفساد ظاهرة منظمة تعمل بطريقة المافيات وربما ترتبط بها ايضا, وزاد تأثيره على حياة المواطن ليمس جميع جوانبها اليومية ومتطلباته الاساسية, وتحولت منظومة الفساد التاريخية الى منظومة " حكم" تعمل تحت غطاء القانون والتشريعات, ورافقها تحول الارقام من ملايين الدنانير الى مليارات. وامتد الفساد افقيا وعاموديا في جسد هذه الدولة الفتيّة. بدأ حكم الفساد في الاردن بأنشاء مؤسسات وشركات لتفرّخ شركات جديدة وتشكل ما يشبه الشبكة العنكبوتية, ربما تظهر للناظر بأنها عشوائية وغير متواصلة او مرتبطة ببعضها البعض ومحض صدف, ولكنها في حقيقتها ترتبط ببعضها ارتباط الفرع بالجذع اتصل في النهاية الى مركزها وبؤرتها وجذورها. وحتى ندرك هذه الشبكة علينا تفكيكها اولا, وننظر الى جزئياتها تحت المجهر ومن ثم ننتقل الى شبكة التواصل وارتباطات الجزئيات برأس الفساد. ولنصل لهذه النتيجة سنبدأ بتفكيك شبكة الفساد من خلال البحث في جزئياتها وسنبدأ بشركة بترول العقبة والشخصية الغامضة الدكتور مارك فولشين " قضية الساعة" وبعدها نعود الى البدايات ونفكك باقي الجزئيات وارتباطها ببعضها البعض وسنخص في هذا البحث عشرة شركات كلها مرتبطة بفولشين, من تجارة البترول الى تجارة الاسلحة والمعدات وقطع الغيار لاسلحتنا في الجيش العربي, الى قطع السيارات .... الخ. انشئت شركة بترول العقبة في 26/6/2005 وسجلت تحت الرقم 10319 وجرى تعديلها في 26/4/2011 حسب وثيقة التسجيل ( الصورة رقم 1).كما نرى من وثيقة التسجيل فأن اهداف الشركة واغراضها هي تجارة النفط الخام واستيراده وتجارة واستيراد مشتقات النفط, رغم ان هذه الاغراض هي محصورة بمصفاة البترول الاردنية المساهمة العامة حسب اتفاقية امتيازها والتي تنتهي في عام 2017, وكيف سمح لهذه الشركة بممارسة هذا النشاط رغم عقد الامتياز المذكور. للاجابة فكما هو معروف ان الحكومة هي التي تستورد البترول ومشتقاته عند الحاجة لتعود لبيعها الى مصفاة البترول وذلك بسبب ان الكثير من اتفاقيات استيراد البترول هي بأسعار تفضيلية من دول شقيقة, ولتفادي موضوع السعر فان الحكومة تستورده وتبيعه للمصفاة حسب السعر المتداول ويدخل الفرق " للخزينة" كمساعدات مالية " هذا في الوضع المثالي دون فساد او سرقة", وهنا فأن مصفاة البترول لا تعتبر نفسها متضررة من شركة " بترول العقبة" فلا فرق لديها. الان الحكومة منحت شركة بترول العقبة حق استيراد البترول, وتقوم هي بدورها بشراء البترول من شركة بترول العقبة حسب السعر الذي تحدده الاخيرة, وتقوم الحكومة بدفع " الدعم المفترض" وبيع البترول ومشتقاته الى مصفاة البترول بالسعر المتداول " اقل من سعر الشراء من شركة بترول العقبة". وبهذا يكون الدعم قد تحول من دعم للمواطن الى ارباح لشركة بترول العقبة ومالكيها. من يملك شركة بترول العقبة؟http://www.albiladnews.com/images/stories/voloshin%202.jpg تظهر وثائق التسجيل ان الشركة مملوكة بالتناصف ما بين شركة مارفول مانجمنت و صندوق المشاريع التنموية والاستثمارية الخاصة بالقوات المسلحة, ولكن حق الادارة يعود لممثلي شركة مارفول حصريا , وهذا يظهر ايضا من وثيقة التسجيل واعضاء مجلس الادارة " مارك فولوشين و سيمون فولوشين (زوجة مارك) ومايكل جران." وهؤلاء هم من يملك حق التوقيع وعقد الاتفاقيات حصريا, فلو قرروا مثلا ان يتعاقدوا مع شركة اخرى لنقل البترول مثلا حتى ولو بأسعار خيالية وادت الى الخسارات المالية لهذه الشركة , فلهم الحق في ذلك.... سنعود للشركات الاخرى التي يمتلكها هؤلاء الاشخاص وتتعاقد مع شركة بترول العقبة لاحقا . وقبل ان ننتقل الى مزيد من التفاصيل علينا ان نتعرف على شخصية السيد مارك فولشين مارك فولشين ولد في الاتحاد السوفيتي عام 1945 ودرس طب الاسنان في جامعة هانوفر وتخرج منها عام 1974, بدأت شهرته بعد ان انشأ شركة استثمارية بأسم " مارفول مانيجمنت " عام 1980 في لوس انجيلوس وبعدها افتتح عيادة اسنان عام 1980 وما زال يحتفظ بها لغاية الان, وعيادة اخرى بأسم " فاميلي دينتال كلينيك". وانتقل في عام 1986 الى جنوب افريقيا وقام بشراء مزارع لعنب النبيذ . في 15/1/ 2001 قام صحفي بأسم بول كيرك بكتابة تقرير في صحيفة " ميل اند جارديان" حول تجارة السلاح غير المشروع في جنوب افريقيا بعد تحقيق دام لاكثر من سنة, يقول فيه بأن فولوشين ارتبط بعلاقة صداقة مع "جو ماديس " وزير الدفاع الجنوب افريقي, ووزير الخارجية " الفريد نازو" في نظامى التمييز العنصري انذاك, ومن خلالهما حصل " فولوشين" على عقود تسليح غير مشروعة ومخالفة لقرار حظر بيع الاسلحة لجنوب افريقيا في قرار مجلس الامن رقم 418. حيث قام بالتواسط في بيع " محركات للميغ 29" وحصل خلالها على 80 مليون دولار عمولة رغم ان الصفقة لم تتم واعيدت المحركات الى روسيا. بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في غام 1991 , نشطت تجارة السلاح غير المشروع والمصنع سوفيتيا, فكانت الفوضى في الدولة المنهارة هي التي تحكم, ونشطت المافيات فيها. فولشين وجد فرصته الذهبية في سقوط الدولة الروسية ليصبح من كبار تجار الاسلحة في العالم, وحينها تعرف الى تاجر السلاح " ساركيز سوغانيليان" اللبناني الاصل والامريكي الجنسية " عميل لدى المخابرات المركزية الامريكية سابقا" ( سنأتي الى ذكره في حلقة اخرى), و ليونيد ميني وفيكتور باوت والسوري منذر القصار ولويل بيرجمان ( جميعهم من تجار الاسلحة الدوليين). اصبح فولشين من المؤثرين في دولة جنوب افريقيا واحد رموزها الذين يتحكمون في سياستها, واصبحت شركة " مارفول مانيجمنت" شركة جنوب افريقية تمارس نشاطاتها بها وتحت قوانينها . تعرف الملك عبدالله الثاني على السيد " فولشين" من خلال صديقان هما " ساركيز سوغاليان" والسيد شيلدون اديلسون" ( مستثمر في مجال الكازينوهات – سننشر قصته مع كازينو البخر الميت في حلقة قادمة)وتوطدت علاقتهما في عام 2005 عندما زار العاهل الاردني مزارع فولشين " لتذوق النبيذ مع زوجته وابنه حسين" . ( الصورة رقم 2) وهنا بدأت علاقة فولشين بالاستثمارات في الاردن من خلال عدة شركات ( سنأتي على ذكر كل منها لاحقا), ومنها شركة بترول العقبة التي اشئت عام 2005 كما ذكرنا. عودة الى شركة بترول العقبة. منذ عام 2005 اصبحت شركة بترول العقبة هي الوكيل الوحيد لاستيراد البترول في الاردن حصريا, وايضا المشتقات النفطية الجاهزة والمكررة) حيث ان انتاج شركة مصفاة البترول تستخدم 75% بترول خام و 25% تستورد مشتقات نفطية. ولان التعاقد يتم من خلال الحكومة الاردنية فان شركة بترول العقبة اصبحت المسيطر الوحيد على قطاع النفط في الاردن وتتحكم بأسعاره. تم انشاء شركة اخرى للنقل بأسم شركة بترول العقبة لتوزيع المنتجات النفطية , ودخل فولشين بها كشريك من ضمن مجموعة من المستثمرين الاردنيين, في عام 2006 مسجلة تحت الرقم 222 (الصورة رقم 3), ولاختلاف فولشين مع باقي الشركاء " حسب مقابلة لصحيفة الغد الاردنية مع فولشين في 5/5/2011" قام فولشين بتصفية هذه الشركة عام 2008 وحصول شركة بترول العقبة على جميع امتيازاتها وعقودها. ( التصفية تمت بطرق " قانوية" شكلا , بقرار من محكمة بداية عمان رقم 4143/2008). امتيازات شركة بترول العقبة لم تتوقف عند استيراد البترول والمشتقات النفطية وتوزيعها فقط, بل تعدتها لتصل الى حق حصري بالتنقيب واستخراج الصخر الزيتي من خلال شركة جديدة تم اشاؤها في 23/11/2009 تحت اسم شركة بترول العقبة للصخر الزيتي تحمل الرقم 688 وتعطيها الحق بأجراء عمليات تنقيب عن الخامات الطبيعية " غاز, نحاس , حديد, ذهب, فضة" والصخر الزيتي, توليد وانتاج الطاقة الكهربائية .... الخ كما هو واضح من اغراضها عند التسجيل ( الصورة رقم 4). هل انتهى الامر هنا؟؟ طبعا لا. وحتى يسيطر " فولشين" على قطاع النفط والطاقة في الاردن فلا بد من السيطرة على ميناء النفط, ولهذا الغرض انشأ فولشين شركة جديدة تحت اسم " شركة بترول العقبة لادارة وتشغيل ميناء النفط" تحمل الرقم 653 في 8/7/2009 ( الصورة رقم 5), وحصلت على حق حصري لادارة الميناء, الذي قامت الحكومة الاردنية بالاعلان عن عزمها على انشائه بكلفة تقارب 400 مليون دينار. اذا الحكومة الاردنية ستنشئ هذا الميناء " كما هو معلن" من جيب المواطن الاردني لتديره شركة بترول العقبة.... هذا ما يبدو بالظاهر . فأذا كانت فعلا الحكومة الاردنية هي التي انشأت وتعزم على توسعة ميناء النفط, فما هو تفسير الاعلان الذي تقوم به شركة يترول العقبة والسيد فولشين بأستدراج استثمارات اجنبية بقيمة 320 مليون باوند بريطاني ( 512 مليون دولار 363.5 مليون دينار) لنفس الغاية . ام هي عملية نصب على الخزينة الاردنية؟ ( الصورة رقم 6) وقبل ان نختم هذه الحلقة لنتذكر كلام رئيس الوزراء الاردني بأن الحكومة قامت بدعم المحروقات في الاردن لهذا العام 2012 تجاوز المليار دينار, واذا كانت اسعار المحروقات في الاردن تتجاوز اسعارها العالمية بعد الدعم, فهل كان هذا الدعم يذهب كارباح لشركة بترول العقبة التي يمتلكها فولشون...؟؟ نلتقي في حلقة قادمة لنكمل الحديث عن هذه الشركة ومجموعة الشركات الاخرى التي يمتلكها " فولشين" وشركائه..... الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة