هكذا حسبتها الجمعية التأسيسية- كما يقول الخواجات- "فيفتى فيفتى" أو كما يقول أولاد البلد "نصف هنا ونصف هناك"، وكثيرا ما ألجأ- شخصيا- إلى حل "الفيفتى فيفتى" عندما نصل إلى "حارة سد" ولا أجد مخرجا فى فض اشتباك بين اثنين من المتنازعين "نصف هنا ونصف هناك" فيقبل الاثنان بالحل الوسط- حتى وإن ظلم أحدهما!!!- لتستمر الحياة ونستثمر وقتنا فى البناء بدلا من النزاع. ولكن أمور السياسة ومستقبل الأمة لا يصلح معها هذا المنهج منهج "النص نص" فالأمر أخطر من هذا بكثير. فى باب نظام الحكم أرادوه نظاما مختلطا بين الرئاسى والبرلمانى باقتسام السلطات بين الرئيس والحكومة، وحسبت الحسبة فى المقال السابق ووجدت أن صلاحيات رئيس الجمهورية تراجعت لحساب صلاحيات رئيس الحكومة والحكومة وإن ظلت الكفة فى جانبه؛ أى أن نظام الحكم نظام مختلط أقرب للرئاسى "رئاسى برلمانى - رئاسمانى"، ولكن الجمعية حسبتها بطريقة أخرى فرأت أن نظام الحكم نظام مختلط أقرب للبرلمانى "برلمانى رئاسى - برلماسى"، ولأنه أقرب للبرلمانى- كما حسبتها الجمعية- فلا داعى لنائب الرئيس كما هو الحال فى الدول البرلمانية. ولكن ماذا عن نائب الرئيس الحالى؟ أليس بحاجة إلى مادة انتقالية؟ لا داعى للمادة الانتقالية فهو منصب شرفى فليستمر دون النص عليه فى الدستور، وهو أمر لعمرى عجيب!!! أن يوجد نائب للرئيس بدون نص فى الدستور وبدون صلاحيات، مجرد نائب رئيس- منحة من الحاكم- مثله مثل مساعد الرئيس ومستشار الرئيس. لعلى أخطأت الحساب فلنعِد الحسبة: فى المقال السابق قمت بدراسة إحصائية بمقارنة عدد صلاحيات رئيس الجمهورية فى دستور 71 فى الأبواب التى أخذناها فى الاعتبار (رئيس الدولة - السلطة التشريعية مجلس الشعب - الحكومة - الإدارة المحلية) ووجدت أنها 35 صلاحية تراجعت إلى 22 صلاحية فى مسودة الدستور الجديد، فى حين لم تتغير صلاحيات الحكومة كثيرا؛ إذ كانت 16 صلاحية فى دستور 71 وأصبحت 17 صلاحية فى مسودة الدستور الجديد فى الأبواب السابق الإشارة إليها. أى أن صلاحيات الرئيس التى كانت أكثر من ضعف صلاحيات الحكومة تراجعت إلى مرة وربع عدد صلاحيات الحكومة. والعبرة بالقطع ليست فى العدد، ومن هنا فقد لجأت إلى التحليل الوصفى وانتهيت إلى أن تعديلات الدستور قلصت دون شك من صلاحيات الرئيس مع بقاء النظام السياسى أقرب للرئاسى منه للبرلمانى، وأشرت إلى أنه توجه محمود يضمن الاستقرار لمصر فى ظل التحديات الخارجية وربما الداخلية التى يحركها ضدنا الحلف الصهيونى الأمريكى، وهذه التحديات لا يمكن مواجهتها برئيس ضعيف- خيال مآتة- فى ظل النظام البرلمانى، واستشهدت بالأنظمة البرلمانية غير المستقرة فى لبنان والعراق وأيضا فى الكيان الصهيونى. هكذا حسبتها. إلا أن متحدثى الجمعية التأسيسية- وهم كثر- صرحوا لوسائل الإعلام أن نظام الحكم الجديد أقرب للبرلمانى منه للرئاسى، ومن هنا إذا صحت حسبتهم فإنه لا داعى لمنصب نائب الرئيس. ***** نصف رئيس.. نصف حكومة دعنا من التحليل الكمّى ولنعد للتحليل الكيفى، ما زال مع الرئيس العديد من الصلاحيات: 134- رئيس السلطة التنفيذية ويرعى الحدود بين السلطات. 145- يسمى رئيس الجمهورية رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة... يعين رئيس الجمهورية رئيسا آخر للوزراء ويكلفه بتشكيل حكومة جديدة، تعرض برنامجها على مجلس النواب، فإذا رفض هذا البرنامج يشكل المجلس الحكومة الجديدة ويقبل برنامجها فإن لم يتم ذلك خلال ثلاثين يوما على الأكثر، يحل رئيس الجمهورية مجلس النواب. 146- يلقى رئيس الجمهورية بيانا حول السياسة العامة للدولة... ويجوز له عند الاقتضاء إلقاء بيانات أخرى أو توجيه رسائل إلى أى من المجلسين. 147- يصدر رئيس الجمهورية القوانين خلال خمسة عشر يوما من تاريخ إرسالها إليه.. وله أن يعترض عليها خلال هذه المدة. 148- لرئيس الجمهورية أن يدعو الناخبين للاستفتاء فى المسائل المهمة التى تتصل بمصالح الدولة العليا. 149 - يعين رئيس الجمهورية الموظفين العسكريين ويعزلهم، ويعين الممثلين السياسيين للدولة ويعتمد الممثلين السياسيين للدول والهيئات الأجنبية. 150- يعلن رئيس الجمهورية بعد موافقة الحكومة حالة الطوارئ على الوجه الذى ينظمه القانون. ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية. 151- لرئيس الجمهورية العفو عن العقوبة أو تخفيفها. 152- رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويعلن الحرب بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطنى وموافقة مجلس النواب. 153- يمثل رئيس الجمهورية الدولة فى علاقاتها الدولية ويبرم المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة الحكومة. 156- يضع رئيس الجمهورية السياسة العامة للدولة، ويشرف على تنفيذها، بالاشتراك مع الحكومة 157- يجوز لرئيس الجمهورية أن يفوض أيّا من اختصاصاته إلى رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء أو المحافظين. 170- يؤدى رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة قبل مباشرة مهام مناصبهم أمام رئيس الجمهورية اليمين الآتية:..... 174- لرئيس الجمهورية ولمجلس النواب وللنائب العام اتهام رئيس الوزراء أو أى من أعضاء الحكومة، فيما يقع منهم من جرائم أثناء تأدية أعمال المنصب أو بسببه. 130- لرئيس الجمهورية تعيين ربع أعضاء مجلس الشيوخ من أصحاب الكفاءات العلمية والفنية. 91- مقر البرلمان، بمجلسيه فى عاصمة الدولة، ويجوز لأى منهما... أن يعقد جلساته فى مقر آخر أو مدينة أخرى بناء على طلب رئيس الجمهورية أو ثلث عدد أعضاء المجلس. 94- جلسات البرلمان علنية، ويجوز انعقاد أى من مجلسيه فى جلسة سرية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرين من أعضائه على الأقل... 95- يدعو رئيس الجمهورية البرلمان للانعقاد للدور العادى السنوى قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر... ويفض رئيس الجمهورية دورته العادية... 96- يجوز انعقاد أىّ من مجلسى البرلمان فى اجتماع غير عادى، لنظر أمر عاجل، بناء على دعوة من رئيس الجمهورية أو الحكومة أو طلب موقع من عشر أعضاء المجلس على الأقل. 99- لرئيس الجمهورية، ولمجلس الوزراء، ولكل عضو من أعضاء البرلمان اقتراح مشروعات القوانين. 102- يبلغ البرلمان رئيس الجمهورية بكل مشروع قانون أقرّه، فإذا اعترض عليه رئيس الجمهورية رده إلى البرلمان خلال ثلاثين يوما من تاريخ الإبلاغ... أى أن رئيس الجمهورية ما زالت معه صلاحيات واسعة، فماذا عن الحكومة؟ 141- إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لسلطاته حل محله رئيس الوزراء، وإذا خلا هذا المنصب..... 160- تتكون الحكومة من رئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم. ويشرف رئيس الوزراء على أعمالها ويوجهها فى اختصاصاته ويكون مسئولا عن الأمن الداخلى. 162- يجوز لأى من أعضاء الحكومة إلقاء بيان أمام مجلسى النواب أو الشيوخ أو إحدى لجانهما عن موضوع يدخل فى اختصاص أى منهما. 164- يعين رئيس الوزراء الموظفين المدنيين، ويعزلهم. 165- يصدر رئيس الوزراء اللوائح اللازمة لتنفيذ القوانين، بما ليس فيه تعطيل أو تعديل أو إعفاء من تنفيذها، وله أن يفوض غيره فى إصدارها. 166- يصدر رئيس الوزراء اللوائح اللازمة لإنشاء المرافق والمصالح العامة وتنظيمها. 167- يصدر رئيس الوزراء لوائح الضبط. 171- تختص الحكومة بما يلى: 1-وضع السياسة العامة للدولة والإشراف على تنفيذها... . 2توجيه أعمال الوزارات والجهات التابعة لها والهيئات والمؤسسات... ومتابعتها . 3إصدار القرارات الإدارية والتنفيذية وفقا للقوانين.. والقرارات، ومراقبة تنفيذها . 4إعداد مشروعات القوانين والقرارات . 5إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة . 6إعداد مشروع الخطط (الخطة) العامة للدولة . 7عقد القروض ومنحها. 8- ملاحظة تنفيذ القوانين. 9- المحافظة على أمن الوطن وحماية حقوق المواطنين ومصالح الدولة 172- يتولى الوزير رسم السياسة العامة لوزارته ومتابعة تنفيذها والتوجيه والرقابة فى إطار السياسة العامة المعتمدة للدولة. 196- ينشأ مجلس الدفاع الوطنى ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته. 94- جلسات البرلمان علنية، ويجوز انعقاد أى من مجلسيه فى جلسة سرية بناء على طلب رئيس الجمهورية أو الحكومة أو رئيس المجلس أو عشرين من أعضائه على الأقل... 99- لرئيس الجمهورية، ولمجلس الوزراء، ولكل عضو من أعضاء البرلمان اقتراح مشروعات القوانين. مما سبق يتضح أن القسمة تكاد تكون مناصفة وإن مالت الكفة باتجاه رئيس الجمهورية الذى يسمى رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة، ويقبل استقالته، ويحل مجلس النواب، ويصدر القوانين ويعترض عليها، ويدعو البرلمان للانعقاد ويفض دورته، ويدعو الناخبين للاستفتاء ويعلن حالة الطوارئ، ويرأس مجلس الدفاع الوطنى والقوات المسلحة ويعين الموظفين العسكريين ويعزلهم. أى أن نظام الحكم نظام مختلط أقرب للرئاسى "رئاسمانى"، فى الوقت الذى ترى فيه الجمعية أن نظام الحكم أقرب للبرلمانى "برلماسى". ***** برلمان نصف نواب نصف شيوخ فى مقال سابق كتبنا عن "مجلس الشورى ونسبة العمال والفلاحين بين الإبقاء والإلغاء" انتقدنا فيه توجه "الجمعية التأسيسية للدستور" للأخذ بنظام برلمانى يتكون من غرفتين: مجلس النواب بديلاً عن مجلسى الشعب الذى يختص بالسلطة التشريعية والرقابة على أعمال الحكومة وإقرار الموازنة العامة، ومجلس الشيوخ بديلا عن مجلس الشورى، ويشارك فى أعمال السلطة التشريعية ويكون معاونا لمجلس "النواب" ومكملا له على ألا يكون معطلا لتمرير القوانين، وعلى أن يعطى للشيوخ صلاحيات الرقابة الإدارية وتعيين كبار الموظفين، وألا تكون له سلطة رقابية. لقد تبنى أعضاء الجمعية توجه نظام حكم مختلط أقرب ما يكون للنظام الفرنسى، إلا أن مناقشاتهم أوضحت أن ما يصلح لفرنسا لا يصلح لنا بكامله لذا يلزم الاجتهاد لتحديد صلاحيات كل من رئيس الدولة ورئيس الحكومة بعيدا عن الدستور الفرنسى، فلماذا إذن التمسك بنظام الغرفتين نقلا عن الدستور الفرنسى. خاصة وأن الدول الإفريقية التى نقلت عن الدستور الفرنسى والتى اعتمدت نظام الغرفتين تخلت تباعا عن المجلس الثانى، وكانت السنغال آخرها. لقد آن الأوان لإلغاء مجلس الشورى بدلا من ترميم قانونه وصلاحياته، ولقد عبر الشعب عن رأيه وقال كلمته فى الانتخابات الأخيرة لمجلس الشورى والتى لم يشارك بها أكثر من 10.00 %. ودعونا نتطرق- مرة أخرى- إلى الأسباب التى تدفعنا للمطالبة بإلغاء مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ فى ثوبه الجديد: •إن غرفة البرلمان الثانية تشكل عبئا ماليا دون مبرر فى وقت تحتاج فيه مصر إلى ترشيد الإنفاق لسد عجز الموازنة وتدبير الأموال اللازمة لمشروعات التنمية والخدمات، كما أن إلغاءه سيوفر تكلفة الانتخابات البرلمانية الخاصة به. •إن بقاء مجلس الشورى يعتبر من قبيل الإهدار فى الطاقات البشرية التى نحن فى أمسّ الحاجة لعقولها وسواعدها. •إن بقاء مجلس الشورى- الشيوخ- يهدر الوقت؛ إذ يجعل العملية التشريعية بطيئة ومعقدة، كما أن تجزئة السلطة التشريعية أو تكرارها بين غرفتين يحدث صدام بينهم فى حالة الاختلاف والذى قد يؤدى إلى أزمة تشريعية فى الوقت الذى نحتاج فيه إلى ممارسة تشريعية سريعة تستجيب لحاجات التنمية الملحة والعاجلة. تنص المادة (107) على: "لا يجوز لأى من مجلسى البرلمان تقرير مشروع قانون إلا بعد أخذ الرأى عليه مادة مادة، ولكل مجلس حق التعديل والتجزئة فى المواد، وفيما يعرض من التعديلات. وكل مشروع قانون يقرره أحد المجلسين يبعث به إلى المجلس الآخر، ولا يكون قانونا إلا إذا قرره المجلسان". وزيادة فى التعطيل تنص المادة (108) على: "إذا قام خلاف تشريعى بين مجلسى البرلمان، تشكل لجنة مشتركة من عشرين عضوا يختار نصفهم كل مجلس بناء على ترشيح لجنته العامة؛ وذلك لاقتراح نصوص للمواد محل الخلاف. وتعرض هذه المقترحات على كل من المجلسين، فإذا لم يوافق أحدهما عليها، يجتمع المجلسان برئاسة رئيس مجلس الشيوخ فى مؤتمر عام، بحضور الأغلبية المطلقة لمجموع أعضاء المجلسين، ويصدر القرار بأغلبية الأعضاء الحاضرين. ويكون التصويت دون مناقشة"، وأمام هذه الإجراءات العقيمة ستتعطل القوانين وستكل وتتعب من التنقل بين الغرفتين المتجاورتين وسينشب الخلاف بين المجلسين، وربما ينشأ ألتراس النواب وألتراس الشيوخ، وكلما زاد الخلاف كثرت الاجتماعات وزادت التكاليف وزاد إهدار الوقت وزادت متاعب الشعب الذى ينتظر القوانين التى تيسّر حياته ومعيشته. هذا ما حذرنا منه ويستمر التحذير ولكن الجمعية مستمرة ولا تعبأ بأى حوار مجتمعى مكتفية منه بالاسم الذى سمت به إحدى لجانها. •لقد حرص النظام البائد على بقاء مجلس الشورى ليعطيه مساحة كبيرة لترضية بعض أعضاء حزبه وبعض رجاله الذين يتركون مواقعهم المهمة فى السلطة التنفيذية وهو نفس ما تتجه إليه الجمعية التأسيسية الآن بضم رؤساء الجمهورية السابقين لمجلس الشورى مدى الحياة!!!!. لقد أسقطنا رأس النظام السابق وعلينا هدم كل ممارساته السيئة، ومن هذه الممارسات ما كانت تسترضى بعض رجاله وتستأنس رؤساء الأحزاب المعارضة بضمها لمجلس الشورى. •كما أن دور مجلس الشورى كان له أثره السلبى فى استقلال الصحف القومية ويمكن الاكتفاء هنا بالمجلس الأعلى للصحافة مع إعادة النظر فى آلية تشكيله. •وفى مجال البحوث والدراسات فإن المجالس القوميه المتخصصة يمكن أن تستمر لتقوم بهذا الدور وبكفاءة أعلى من مجلس الشيوخ، ومن ثم فإن إلغاء مجلس الشورى (الشيوخ) لن يترك فراغا كبيرا. كما أن دعم هذه المجالس القومية المتخصصة وفتح قنوات اتصال بينها وبين مجلس الشعب سيساعد مجلس الشعب على أداء دوره التشريعى بمرجعية علمية تعود بالنفع فى بناء الوطن. السادة الأعزاء: لا نملك ترف إنشاء برلمان من غرفتين، وبدلا من "برلمان: نصف نواب نصف شيوخ"، وبدلا من تعطيل القوانين وتكبيلها وقيام الحروب الأهلية- أقصد البرلمانية- بين الغرفتين نطالب بإلغاء مجلس الشورى والتوصية بزيادة عدد نواب مجلس الشعب حتى يكون أكثر تمثيلا للشعب. ويقترح البعض أن يكون جزءا من هذه الزيادة لأعضاء منتخبين من النقابات المهنية والعمالية بنسبة لا تخل من الطبيعة السياسية للمجلس. والحمد لله من قبل ومن بعد الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة