رئيس جامعة الأزهر بأسيوط يجتمع بعمداء الكليات لمتابعة العملية التعليمية (صور)    رئيس الجامعة ومحافظ المنيا يتفقدان أعمال تطوير فندق الجامعة دعما للحركة السياحية    سياسيون: الحوار الوطني يعزز وحدة الصف ومواجهة التحديات الأمنية الإقليمية    بحضور وزير التعليم.. قرارات اجتماع المجلس الأعلى للجامعات بالعاصمة الإدارية    رئيس جامعة الزقازيق يتفقد سير العملية التعليمية بالجامعة الأهلية    هيئة الاستثمار تناقش التعديلات المقترحة على اتفاقية التجارة مع دول الكوميسا    محافظ القاهرة يعقد اجتماعًا لمتابعة ملف التصالح على مخالفات البناء    وزيرة البيئة: مصر كان لها دور كبير في الملف محليًا وإقليميًا ودوليًا    الإدارية العليا: وجوب قطع المرافق في البناء المخالف والتحفظ على الأدوات    المصرية لصناعة الرخام: المجمعات الصناعية بالمحافظات تساهم في الاستغلال الأمثل للخامات الطبيعية    وزير المالية: زيادة مساهمة دور القطاع الخاص يتصدر أولويات الإصلاح المالى والاقتصادى    الكنيست يصادق على ضم جدعون ساعر لحكومة نتنياهو    كم بلغت حصيلة ضحايا غارات إسرائيل على جنوب وشرق لبنان؟    إيران تعلن رغبتها في تعزيز العلاقات مع روسيا بشكل جدي    كريم رمزي: عمر مرموش قادر على أن يكون الأغلى في تاريخ مصر    عاجل:- بنيامين نتنياهو يحرض الشعب الإيراني ويهاجم قيادته: "إسرائيل تقف إلى جانبكم"    شهية «جوميز» مفتوحة في الزمالك و«الجزيري» يجدد و«كوستا» يوقع و«بيكهام» يقترب    زغلول صيام يكتب: كل يوم حكاية مع وزير شباب ورياضة.. المهندس خالد عبد العزيز (4)    محافظ القاهرة يشهد احتفالية مرور 10 أعوام على إنشاء أندية السكان    كرة نسائية - وادي دجلة يدعم صفوف فريق السيدات ب 5 صفقات جديدة    مصرع شاب وإصابة آخر في انقلاب سيارة ثلاجة بطريق الأقصر    جمارك مطار الغردقة الدولي تضبط محاولة تهريب عدد من الهواتف المحمولة وأجهزة التابلت    غدا.. انخفاض طفيف بالحرارة وفرص أمطار ببعض المناطق والعظمى بالقاهرة 30 درجة    مصرع شخص دهسته سيارة أثناء عبوره الطريق بمدينة نصر    وصول مؤمن زكريا إلى مقر النيابة لسماع أقواله فى اختلاق واقعة السحر    الخميس.. فرقة المسرح المصري تقدم عروضها بنقابة الصحفيين    تفاصيل فعاليات مهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية.. تنطلق غدا    وزارة الثقافة تعلن فتح باب التقديم لجائزة الدولة للمبدع الصغير غدا    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    فلسطين.. العنوان الأبرز فى جوائز هيكل للصحافة    إطلاق جائزة خالد خليفة للرواية    فحص 1299 مواطنًا خلال قافلة طبية مجانية بقرية الخوالد في كفر الشيخ    صحة المنوفية: الانتهاء من فحص 13434 طالب في اليوم الثاني لمبادرة الأنيميا    لا تهمل صحتك.. عادات يومية تمنع الإصابة بالنوبات القلبية    حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 95 مليونا و681 ألف خدمة مجانية خلال 60 يوما    وكيل شعبة الكهرباء يحذر: 5 أجهزة في بيتك الأكثر استهلاكا    تسييم شماسا جديدا في مطرانية القدس الأنچليكانية الأسقفية    القنوات الناقلة لمباراة النصر والريان في دوري أبطال آسيا 2024-2025 اليوم    معهد البحوث: الإكزيما تصيب من 15 إلى 20% من الأطفال عالميا    جالانت: الجيش سيستخدم كل قدراته العسكرية في مناورة برية وهدفنا إعادة سكان شمال غزة لمنازلهم    ريفر بليت يسقط على أرضه أمام تاليريس كوردوبا    وزير الإسكان يتفقد سير العمل بمحطة تنقية مياه الشرب بمدينة أسوان الجديدة    الشرطة اليونانية تعثر على جثتين في غابة بالقرب من مدينة كورينث    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    بعد واقعة مؤمن زكريا.. داعية: لا تجعلوا السحر شماعة.. ولا أحد يستطيع معرفة المتسبب فيه    «المالية»: إطلاق مبادرات لدعم النشاط الاقتصادي وتيسيرات لتحفيز الاستثمار    فريق هاريس يتودد للجمهوريين لكسب تأييدهم للمرشحة الديمقراطية بانتخابات أمريكا    ضبط 1100 كرتونة تمور منتهية الصلاحية بأسواق البحيرة    نتائج جهود الأجهزة الأمنية بالقاهرة لمكافحة جرائم السرقات    ضبط شخص متهم بالترويج لممارسة السحر على الفيسبوك بالإسكندرية    نائب الأمين العام لحزب الله يعزي المرشد الإيراني برحيل "نصر الله"    احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر، فتح المتاحف والمسارح والسيرك القومي مجانًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 30-9-2024 في محافظة قنا    أمين الفتوى: كل قطرة ماء نسرف فيها سنحاسب عليها    بعد خسارة السوبر الأفريقي.. الأهلي يُعيد فتح ملف الصفقات الجديدة قبل غلق باب القيد المحلي    «الإفتاء» توضح حكم تناول مأكولات أو مشروبات بعد الوضوء.. هل يبطلها؟ (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعوة الباحثين والمثقّفين إلى الاستفادة من خبرات الآخرين ..مشروع نقل أحدث مؤلّفات المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت إلى اللّغة العربيّة
نشر في الشعب يوم 23 - 07 - 2012

أيّها القارئ الكريم، هل تعرف عددَ السّنين، بل عدد القرونِ الّتي صارت تفصلنا عن حضارة العصر؟ لقد اختلف الباحثون في تقديرها. بعضهم قال خمس مئة سنة، وبعضهم قال وأكّد أنّها ألف سنة أو يزيد. يقينًا هذه معلومات صادمة لأيّ إنسان مصريّ، عربيّ، مسلم، لديه مشاعر قويّة بالانتماء، وأحاسيس جيّاشة بحبّ الأوطان. لكن هذا هو الحال، للأسف.أتذكّر مثلًا أنّني قابلت منذ سنوات طويلة أحد المصريّين في أوروبّا. قال إنّه أستاذ جامعيّ. لكنّي صدمت من مستواه العلميّ الرّكيك، وأخلاقه الدّنيئة جدًّا. تواصلتُ بعدها معه بالمراسلة. وكنتُ وقتها مازلتُ أدرسُ في إحدى الجامعات الأوروبيّة. فلمّا صارحته برأيي في مستواه، وبأنّه «مثل الأعور في مملكة العميان»، استشاط غضبًا منّى، وبعث لي برسالة مملوءة بالشّتائم والسّباب!! ولا عجب في ذلك. لكن العجب العجاب هو أنّ هذا الشّخص الوضيع اختاره المخلوع لاحقًا ليصير وزيرًا!! ولمّا أنّه يجيد النّفاق جدًّا، فهو مازال متشبّثًا بمنصبه. فهي لا تفرق معه، سواء أكان الحاكم فاسدًا، أو غير فاسد، من الإخوان، أو من الصّهاينة، أو من العسكر. هو يجيد التّلوّن، والتّعامل مع الجميع، لدرجة أنّني أتخيّله أيضًا وزيرًا من وزراء نتنياهو. كلّما تفكّرت، وتأمّلت في الشّخصيّات الّتي خدمت في عصر المخلوع، تعجبّت أنّه لم يأت بشخصيّة واحدة محترمة!! بالطّبع أنا أعتذر عن كلامي هذا الّذي قد يُثير حفيظة البعض ضدّي!! لكنّي، واللّهِ، لا أقصد الإهانة أبدًا، بل إنّي راجعت بنود «الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان»، واستشرتُ بعض المحامين قبل أن أكتب هذا الكلام!! فحرّيّة التّعبير منصوص عليها في هذا الإعلان، وأنا بالطّبع أمارس هذا الحقّ، بدون إهانة، وبدون سباب، حاشا اللّه.مستويات النّاس في مصر في الحضيض، يا عالم. خريجو الجامعات، وحملة الشّهادات العليا، والدّكتوراة، لا يتعدّى مستواهم في الغالب مستويات طلبة المدارس الثّانويّة في الدّول المتقدّمة. حدثت تطوّرات خطيرة خلال العقود السّتّة الماضيّة في مصر. التّعليم انهار، الثّقافة تبخّرت، الكتاب توارى، الشّعب أصبح عاجزًا - بسبب الفقر، والمرض - عن القراءة والتّحصيل، ناهيك عن الفهم والاستيعاب والتّفاعل والإبداع. في عهد المخلوع خدعونا وقالوا لنا إنّ هناك مشروعات قوميّة للتّرجمة. لكنّي، استحلفك باللّه، أيّها القارئ الكريم: أبلغني، وأعلمني، ما قيمة الكتب الّتي نترجمها، إذا جعلناها في وادٍ، وجعلنا التّعليم في وادٍ آخر؟ أيصحّ ويعقل أن يقضي الباحث من عمره سنوات طويلة، لنقل كتاب من الكتب عن لغة من اللّغات الحيّة، ليقوموا بعد ذلك بطبع ألف نسخة منه فقط؟ ولا عجب، في ذلك مادام لدينا عسكر ، لا يهمّهم من قريب أو بعيد إصلاح منظومة التّعليم، ورفع مستوى النّاس العلميّ والثّقافيّ. مستحيل أن تنصلح أحوالنا مادامت منظومة التّرجمة تتمّ ببطء شديد، وبعيدًا جدًّا عن المناهج التّعليميّة، وبعد.أيّها القارئ الكريم، دعني قبل أن أحدّثك عن مشروع ترجمة أحدث كتب هيلموت شميت، أن أذكر لك ملاحظة عابرة، لكنّي سأكون ممنونًا سعيدًا، إن تنبّه النّاس في مصرنا إلى مغزاها وخطورتها:قبل سنوات طويلة كنتُ أتلهّف لقراءة أخبار «معرض فرانكفورت الدّوليّ للكتاب». كنتُ أفتّش هنا وهناك، في هذه الصّحيفة، وفي تلك المجلّة، قبل أن أعثر بصعوبة على تحقيق هزيل، أو مقال وجيز عن فاعليّات هذا المعرض العملاق. كنتُ أشعر أن هذا المعرض في منتهى الأهميّة والخطورة بالنّسبة للثّقافة العالميّة، وبالنّسبة إلى حضارة عصرنا. ومع ذلك فلا نجد في وسائل إعلامنا - وهي بالمناسبة ليست «إعلاميّة»، بل «تضليليّة» - إلّا كلامًا سخيفًا، ركيكًا، قائمة هزيلة بما قامت دور النّشر العربيّة في مصر ولبنان بنشره مؤخرًا. أهذه هي الثّقافة؟ أهذا بالفعل هو كلّ ما يحدثُ في «معرض فرانكفورت الدّوليّ للكتاب»؟ مستحيل. مرّت السّنون، وقرّرت أن أزورَ «معرض فرانكفورت الدّوليّ للكتاب» بنفسي. في البداية كنتُ متلهّفًا على زيارة أجنحة دور النّشر العربيّة. لكن سرعان ما اكتشفت إفلاسها، وعجزها عن تقديم أعمال محترمة، وجادّة، تتناسب مع عصرنا، وتتفاعل مع أحداثه، وفكره، ورجاله. بعد ذلك قرّرت أن أبتعد عن هذا النّكد والقرف. وقرّرت استكشاف ما يقوم جهابذة الحضارة الحاليّة بنشره وإبداعه. انجذبت بشدّة إلى أجنحة دور النّشر الألمانيّة، ليس لأنّي مرتبط ثقافيًّا باللّغة الألمانيّة فحسب، وليس لأنّ المرحوم أبي كان يقول لي دائمًا: «انتبه يا بني، الألمان أحسن شعب في العالم»!! بل لأنّي اكتشفت أنّ ما ينتجه الألمان سنويًّا على الصّعيد الفكري، والثّقافيّ، والعلميّ، يفوق ما تنتجه أي حضارة أخرى في عصرنا هذا. النّاطقون بالألمانيّة في أوروبّا لا يتعدّى عددهم مئة مليون نسمة. ومع ذلك فإنّ ما ينتجونه علميًّا وأدبيًّا يأتي في المرتبة الثّانية بعد ما تنتجه الشّعوب النّاطقة بالإنجليزيّة الّتي يزيد عددها عن خمسئمة مليون نسمة. وهذا يعني أنّ ألمانيا بالذّات تنتج أضعاف ما تنتجه أمريكا في مجالات كثيرة. والمفاجأة الأكبر هي: إنّ أكبر معرض للكتاب في العالم لا يُقامُ في أمريكا، أو إنجلترا، أو أستراليا، أو فرنسا، أو طوكيو، أو بكين، أو موسكو، بل في فرانكفورت في ألمانيا. ونلاحظ أيضًا أنّ ألمانيا تشارك في هذا المعرض الرّائع بأكبر عدد من النّاشرين، أكبر من أمريكا، وأكبر من إنجلترا أو أيّ دولة أخرى.سرعان ما وقعت في غرام هذا المعرض العجيب. وسرعان ما صرت أنتظر حلول شهر أكتوبر من كلّ سنة، لأقضي أجمل خمسة أيّام في السّنة هناك. خمسة أيّام أقضيها في رحاب العلم، والثّقافة، والفكر، وأقابل خلالها شخصيّات محترمة، وأصدقاء مقرّبين، وناسًا جميلة. في فرانكفورت ترى أحدث ما أنتجه العقل البشريّ، وأجمل ما أبدعته العقول، وأروع ما أخرجته القرائح. يا له من معرض معجزة حقًّا. ومع مرور السّنين أدركت أنّ الصّالة الّتي توجد فيها دور النّشر العربيّة، هي «صالة أموات»، وأن الصّالات الّتي تجتمع فيها دور النّشر الألمانيّة، هي «صالة أحياء»، صالة الجمال، والحسن، والإبداع، والرّوعة، والنّبض، والحياة. يا له من فارق شاسع يكفي لجعل المرء يفرّ فرًا من «صالة الأموات»، ويهرول بحثًا عن العلم، والثّقافة، والإبداع، عند الألمان، وسائر الشّعوب المتقدّمة. وبعد.لا تحزن، أيّها القارئ الكريم، فمازال الأمل قائمًا، ومازال أمامنا، نحن المصريّين العرب المسلمين، فرصة ذهبيّة لاسترجاع الأمجاد الزّائلة، واسترداد الكرامة الغائبة. وبعد.كنتُ ومازلتُ أتعجّب من غزارة إنتاج دور النّشر الألمانيّة. أخبرتني فرانشيسكا، مديرة إحدى كبريات دور النّشر الألمانيّة، أنّ دارها كانت تنشر سنويًّا أربعمئة عنوانٍ. وفي دار أخرى كنتُ ومازلتُ أشعر بالإعجاب والاحترام لهذا الكم الهائل من الكتب الّتي ينشرونها سنويًّا. دار نشر ألمانيّة واحدة تنشر أكثر ممّا تنشره دولة من دول عالمنا العربيّ المتخلّف جدًّا. ولا عجب، فنحن منشلغون جدًّا بالمسرحيّات، والمسلسلات، وبالهزّ والرّقص، وبالكرة، وبجرائم الشّرطة، والعسكر. لا وقت لدينا للفكر والإبداع!أعود إلى قصّة أحدث كتب مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت شميدت. لم أتشرّف بلقاء شميدت حتّى هذه اللّحظة. بالطّبع سأكون سعيدًا أن سمحت الظّروف بمقابلته قريبًا، إن شاء اللّه. فأنا أحترم هذا الرّجل جدًّا، برغم عدم اتّفاقي مع كلّ أفكاره. هو شخصيّة فذة، محترمة جدًّا، يحقّ لألمانيا أن تفخر به جدًّا، كما ينبغي علينا، نحن المصريّين، أن نشعر بالعار من انتماء شخصيّات مثل حوستي مبارك، أو عصابته ، إلى الشّعب المصريّ، بل إلى الجنس البشريّ برمّته. هيلموت شميدت إنسان عملاق. والمخلوع وعصابتة ليسوا من البشر، بل هم مجرمون في مرتبة أدنى من الحيوانات. ولا ينبغي أيّها القارئ الكريم أن تصدم من كلامي هذا، فالعسكر قد دمّروا أجمل بلد في العالم على مرّ ستّين عامًا، وهم بذلك مستحيل أن يكونوا من المصريّين، ناهيك أن يكونوا من الجنس البشريّ.في أثناء دراساتي الجامعيّة تابعتُ الفترة الأخيرة من حكم هيلموت شميدت. لفت نظري فصاحته، وقوّة شخصيّته، وعزيمته الفولاذيّة. جذبتني شخصيّته بشدّة. تابعت أخباره منذ ذلك الوقت، كلّما سمحت الظّروف. استعلمتُ من دور النّشر الألمانيّة قبل سنوات عن مؤلّفات هيلموت شميدت. أخبروني أنّ هناك ناشرًا سعوديّا اشترى حقوق ترجمة جزء من مذكّراته. تعجّبت من هذا الخبر. قلت لهم: ليس يوجد في السّعوديّة أي أثر للثّقافة الألمانيّة. فكيف يريد هذا النّاشر السّعوديّ أن ينقلَ مذكّرات هيلموت شميدت من الألمانيّة إلى العربيّة. ولولا الملامة، لقلت لهم إنّ بعض النّاشرين لا يتقنون حتّى اللّغة العربيّة، فكيف يستطيعون نقل كتاب من الألمانيّة إلى العربيّة. مرّت السّنون، ولم أرَ أيّ أثر لأي ترجمة عربيّة لمذكّرات هيلموت شميدت. وانتظرت حتّى ظهر كتاب آخر لهيلموت شميدت، فسارعت أستعلم عن حقوق ترجمته إلى العربيّة. لم تتحمّس دار النّشر الألمانيّة لفكرة بيع حقوق ترجمة هذا الكتاب إلى العربيّة لي. ولا عجب، فهم لا يعرفونني، ويفضّلونَ التّعامل مع ناشر عربيّ كبير، يضمن لهم إخراج ترجمة محترمة، وبيع كميّات كبيرة منها. قالوا: هذا الكتاب حقّق مبيعات جنونيّة في ألمانيا، نظرًا لشعبيّة هيلموت شميدت، وحبّ الألمان له. وأضافوا أنّهم يتوقّعون أن تلاقي التّرجمة العربيّة إقبالًا شديدًا من العرب، مثلما لاقى الأصل الألمانيّ إقبالًا شديدًا من الألمان. تردّدوا، وماطلوا، وراوغوا، وارتابوا، وشكّكوا، وفتر حماسهم، وتلاشى تضامنهم. لكن فجأة تغيّر كلّ شيء بقدرة قادر. بمجرّد استلامهم ترجمتي العربيّة لأحدث كتب عالم اللّاهوت السويسريّ العملاق هانس كينج، انبهروا، وعبّروا عن إعجابهم الشّديد بها. وما لبثوا أن قرؤوا بعض مراسلاتي مع هانس كينج، فزاد حماسهم، وتضاعف إعجابهم، وجعلوا يتودّدون إليّ، بعدما كانوا يرتابون منّي. ولمّا عرفوا أنّني تلميذ عميدة الاستشراق الألمانيّ أنّا ماري شيمل، وصديقها، لم يصدّقوا أنفسهم، وكاد يصيبهم الجنونُ!!قالوا، وكرّروا: سنعطيك حقوق نشر التّرجمة العربيّة للعالم العربيّ برمّته. نحن نثق بك، ونحترم مستواك، ونأمل في إقامة علاقة تعاون وطيدة معك!!بالطّبع أسعدني هذا التّحوّل، وسرّتني هذه المعاملة. ولمت نفسي قليلًا، لأنّي لا أحبّ التّباهي، ولا أميل إلى الزّهو والغطرسة. وهذا يجعل بعض من لا يعرفني يسيء الظّنّ بي!!لكن ما علاقتي أصلًا بهيلموت شميدت؟ ولماذا أتحمّس أنا لنقل أحدث كتبه إلى اللّغة العربيّة؟ أليس هذا من قبيل المغامرة، والمجازفة، من باحث تخصّص في الفلسفة الإسلاميّة؟الإجابة بسيطة. ليس ينبغي على الباحث أن يتقوقع داخل نطاق تخصّصه فقط. ولنتذكّر الحديث الشّريف: «اطلبوا العلمَ ولو في الصّين».علّمتني أيضًا المرحومة شيمل الانفتاح على شتّى ميادين العلم والمعرفة. فعندما قابلتها أوّل مرّة، أوصتني بدراسة الصّوفيّة. وعندما فعلت، لم أندم!!وهكذا تنقّلت في الدّراسات بين العقلانيّة في الإسلام، ثمّ الصّوفيّة في الإسلام، ثمّ تاريخ الطّبّ في الإسلام، ثمّ اللّاهوت المسيحيّ، ثمّ اليهوديّة، والآن ها أنا أخوض تجربة جديدة في عالم السّياسة، والتّاريخ الحديث!!ما الّذي أتمنّى تقديمه للقارئ العربي، المصريّ، المسلم، المحترم، من خلال هذا المشروع المتواضع؟أريد، وأتمنّى، أيّها القارئ الكريم، أن أضيف مزيدًا من المعارف المفيدة إلى المواطن المصريّ العربيّ، وأن أقدّم له زبدة خبرات عملاق من عمالقة الفكر والسّياسة في عصرنا هذا.فهيلموت شميدت الّذي يزيد عمره اليوم عن ثلاثة وتسعين عامًا، قد عاصر الكثير من الأحداث العالميّة الّتي غيّرت شكل عالمنا الحديث، بداية من الحرب العالميّة الثّانية، ومرورًا بإعادة بناء ألمانيا، والحرب الباردة، ثمّ إعادة توحيد ألمانيا، ووصولًا إلى الأزمة المالية العالميّة الرّاهنة.قابل هيلموت شميدت معظم قادة العالم في عصرنا هذا، واحتكّ بأعظم الشّخصيّات، ومازال يمارس تأثيرًا عظيمًا على سياسة ألمانيا، وسياسة الاتّحاد الأوروبيّ.عندما شرعت في قراءة هذا الكتاب، أدركت على الفور وجود فجوة كبيرة لدينا كعرب في معرفة ما حدث في العالم الغربيّ بالذّات من تطوّرات جسيمة خلال القرن الماضي.تحدّث هيلموت شميدت في كتابه هذا
مَعَ المؤرّخ الأمريكيّ المعروف فريتس شترن عن أكثر من مئة موضوع، بل هي بالتّحديد مئة وخمسة وعشرون موضوعًا.ليست قراءة هذا الكتاب في الوقت الحالي بالذّات هي من قبيل الرّفاهية الثّقافيّة، أو الصّعود إلى الأبراج العاجيّة ابتعادًا عمّا يرتكبه عسكر مصر الآن من جرائم ضدّ الإنسانيّة في حقّ شعب مصر البطل. لا. يقدّم الكتاب، ضمن ما يقدّم، خلاصة تجارب الأمم الرّاقية في مشاكل مازلنا نعاني منها، مثل:كتابة الدّستور، عيوب الدّيمقراطيّة، جرائم العسكر في مختلف ديكتاتوريّات العالم، كيفيّة الإنفاق على الدّولة الاجتماعيّة، الأحزاب وتكوينها وتمويلها، الفرق بين نظام الحكم في أمريكا ونظيره في ألمانيا، مستقبل الاتّحاد الأوروبيّ، بعض أدباء أمريكا المحدثين، عداء نيتشه للألمان، معاهدة فرساي الّتي مهّدت للحرب العالميّة الثّانية، ديون أمريكا الثّقيلة وبداية انحلالها كدولة عظمى، كراهية هيلموت شميدت لكارليل الّذي امتدح نبيّ الإسلام، اتّهام شترن الألمان باللّاعقلانيّة، المعجزة الّتي حقّقها الألمان بعد الحرب العالميّة الثّانية، توظيف العسكر الزّيّ العسكريّ في النّصب على شعوبهم، معارضة الأحزاب اليمينيّة في أمريكا لتقديم أي مساعدات لذوي الدّخل المحدود، مخاطر انتشار الأسلحة النّوويّة، استحقار هيلموت شميدت وزيرَ خارجيّة ألمانيا الحاليّ، كراهية هيلموت شميدت بابا الفاتيكان الحالي، إلخ.يقينًا سيجد القارئ الكريم قائمة بموضوعات الكتاب أدناه. لكنّي أردت استعراض بعض هذه الموضوعات الّتي ينبغي أن يهمّنا سماع رأي هيلموت شميدت وصاحبه فيها. أملي بالطّبع هو أن تستفيد مصر من تجارب الدّول الّتي سبقتها. أتمنّى أيضًا أن يسعى المصريّون إلى التّقليل من هذه الفجوة العلميّة المتعاظمة الّتي تفصلنا عن الغرب بالذّات. سنة واحدة حكم عسكر أدّت إلى تأخّرنا قرنًا إلى الوراء. وليس هذا مبالغة على الإطلاق. ولتنظر، أيّها القارئ الكريم، حالنا في مصر بعد ستّين عامًا من حكم عسكر مصر: إنّنا مازلنا نتحدّث عن مشكلة «رغيف العيش»، في الوقت الّذي تُصنّع فيه ألمانيا السّيّارات، والطّائرات، والقطارات. رسالتي الأساسيّة الآن هي: ضرورة دحر عسكر مصر وبطانتهم الفاسدة من المنافقين ورجال الأعمال والقضاة والشّرطة، حتّى تتحرّر مصر من أغلالها، وتنطلق للحاق بحضارة العالم قريبًا، إن شاء اللّه.ما الّذي أطمح فيه من خلال هذه السّطور؟ أوّلًا لفت نظر القارئ الكريم إلى بعض مظاهر ابتعادنا الشّديد عن الحضارة الحديثة. ثانيًا دعوة القارئ المحترم إلى الاهتمام بتراث السّاسة الألمان في عصرنا هذا، وخاصّة هيلموت شميدت. ثالثًا: منح فرصة للباحثين والمثقّفين في مصر، للمشاركة في هذا المشروع المتواضع بطريقة أو بأخرى. يستطيع الباحث، تبعًا لتخصّصه، أن يستفسر عن موضوعات الكتاب، أو يبدي ملاحظاته النّقديّة عما ورد فيه من آراء، أو يلفت نظري إلى ما قد أغفله أو ما يكون قد سُهِي عليّ.وأختم كلمتي هذه بقائمة موضوعات الكتاب:
1- الوعي بالتّاريخ
2- حملة روسيا
3- سنة 1941م
4- دخولُ الولايات المتّحدة الأمريكيّة الحربَ
5- ألمان وبولنديّون
6- زبغنيو بريجنسكي Zbigniew Brzezinski
7- نُخبة السّاحل الشّرقيّ الأمريكيّ
8- بوش الأب والابن
9- مذهب مونرو
10- ألفرد تايَار ماهان
11- ألكسيس دي توكڤيل
12- العلاقات الأمريكيّة-الصّينيّة
13- صعود الصّين
14- السّاحل الشّرقيّ مرّة أخرى
15- ماك كلوي، كيسنجر، تشيني
16- المحافظون الجدد
17- الولايات المتّحدة وإسرائيل
18- هل ثمّة مسؤوليّة ألمانيّة تجاه إسرائيل
19- معاداة السّاميّة في ألمانيا
20- كاينزيّة Keynesianismus هِيَلْمَار شاخت
21- انتصارات هتلر المبكّرة
22- ما لا يمكن تصديقه: الهولوكَوست
23- المثل العليا
24- توماس جيفرسون
25- إبادة الهنود الحمر
26- تقديس الأبطال
27- توماس كارليل
28- يوليوس لانجبين
29- اللّاعقلانيّة الألمانيّة
30- مقولة لنيتشه
31- حرق الكتب
32- سنة 1933م
33- محترمون قلّة Wenige Anständige
34- ما الّذي كان يعرفه الألمان؟
35- نقص التّربيّة السّياسيّة في ألمانيا
36- مصلحون بروسيّون
37- الأخوان هومبولت
38- الأوراق الفيدراليّة
39- معاهدة فرساي
40- الحرب العالميّة الأولى
41- لوديندورف Ludendorff، هيندينبورج Hindenburg
42- الامتيازات الفظيعة للعسكر
43- فرص ڤايمار
44- توماس مان
45- العلماء الألمان
46- إجمالي الإنفاقات
47- جيرالد فورد
48- دور نوّاب رؤساء الولايات المتّحدة الأمريكيّة
49- الأخوان روكيفيلر Rockefeller
50- وسائل الإعلام الجديدة
51- أديناور Adenauer، وكول Kohl، والتّليفزيون
52- الإنترنت: المجازفات والفرص
53- قوّة وسائل الإعلام
54- معركة انتخاب أوباما
55- الأحزاب وتمويلها
56- أيزنهاور
57- الدّستور الأمريكيّ
58- مقارنة: الدّستور الألمانيّ
59- الحزب الدّيمقراطيّ الحرّ FDP، في ألمانيا
60- اللّيبراليّة الاقتصاديّة
61- لماذا نحتاج إلى قواعد دوليّة
62- عن الثّروة
63- قيم قديمة وقيم حديثة
64- السّياسة والأخلاق
65- التّقاليد
66- الثّقافة
67- مصائر الهجرة
68- بدايات ألمانيا الاتّحاديّة
69- إسرائيل، موضوع حسّاس
70- جذور الصّراع
71- جيرسون بلايخ رودر، بسمارك
72- إعجاب الألمان ببسمارك
73- جورباتشوف
74- انهيار الاتّحاد السّوڤييتيّ
75- بريچنيف
76- دور بولندا الرّياديّ
77- مؤتمر الأمن والتّعاون في أوروبّا Die KSZE Konferenz،
78- كورب 3 - Korb III،
79- هونيكر
80- مشاكل إعادة توحيد ألمانيا
81- تقصيرات اقتصاديّة
82- الحقيقة في السّياسة
83- الحلّ الوسطُ كآليّة سياسيّة
84- أبعاد الأزمة الماليّة
85- إغراق الولايات المتّحدة بالدّيون
86- الأمل المعقود على أوباما
87- خطر سياسة حماية المنتجات المحلّيّة
88- ما معنى الرّأسماليّة أصلًا؟
89- عن الأطباء
90- النّظام الصّحّيّ في الولايات المتّحدة الأمريكيّة
91- التّدخّلاتُ الإنسانيّة
92- بناء الأمّة
93- العراق
94- التّدخّلات العسكريّة الدّوليّة
95- مَوْقِفُ أوروبّا المتغيّر من الحربِ
96- التّغلّبُ على كراهية الأجانب في الولايات المتّحدة الأمريكيّة
97- رحلة إلى كندا
98- الشّيوعيّة
100- إلى أيّ حدّ كانت «الدّيمقراطيّة الاشتراكيّة» الألمانيّة شيوعيّة؟
101- الأهمّيّة التّاريخيّة للشّيوعيّة
102- في تاريخ الحركة العمّاليّة
103- خطّة بيفيريدج
104- العدالة الاجتماعيّة
105- تمويل الدّولة الاجتماعيّة
106- نهاية ڤيمار
107- شموليّة الهزيمة
108- بداية الدّيمقراطيّة
109- تيّارات يمينيّة في بداية ألمانيا الاتّحاديّة
110- كيندي
111- يوحنّا باول الثّاني
112- دور الولايات المتّحدة الأمريكيّة في إعادة بناء أوروبّا
113- معجزة الاتّحاد الأوروبيّ
114- الدّور الخاصّ للبريطانيّين
115- التّهديد النّوويّ ومعاهدة عدم الانتشار
116- تمطيط الاتّحاد الأوروبّيّ
117- منع تركيا من الالتحاق بالاتّحاد الأوروبّيّ
118- أسبانيا والبرتغال
119- يروسلسكي Jaruzelski، وفرض الأحكام العرفيّة في بولندا
120- دور الألمانِ المستقبليّ في الاتّحاد الأوروبّيّ
121- لا يجوزُ اختزال أوروبّا في العملة الأوروبيّة «الأويرو»
122- دروس ومواعظ من الأزمة الماليّة
123- مراكز البحث Think tanks،
124- استشارة وقرار
125- قصيدة
الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.