تصدرت التطورات الراهنة لثورات الربيع العربي والواقع الحالي للأقلية المسلمة في ألمانيا فعاليات المؤتمر السنوي الثاني والثلاثين للتجمع الإسلامي الألماني الذي عقد بمدينتي ميونيخ وبون في السادس عشر والسابع عشر من الشهر الجاري، واختتم أعماله مساء الأحد. وقارن المتحدثون في المؤتمر بين المصاعب الحالية لثورات الربيع العربي في مصر وتونس وسوريا وما مرت به الثورة الفرنسية وعملية التطور الديمقراطي في أوروبا من عقبات مماثلة لسنوات طويلة، وشددوا على أهمية احترام مسلمي ألمانيا للقوانين وتعقلهم بمواجهة استفزازات اليمين المتطرف، وانتقدوا اختزال السلطات الألمانية لقضايا المسلمين إلى شأن أمني. ويعد التجمع الإسلامي واحدا من المؤسسات الإسلامية الكبرى في ألمانيا، ويدير خمسة عشر مسجدا ومركزا إسلاميا رئيسيا، يعتبر المركز الإسلامي في ميونيخ أكبرها وأهمها، وعقد التجمع مؤتمره هذا العام تحت عنوان (ربيع يحيي الأمل .. تغيير يعلي الهمم). واستهل رئيس التجمع الإسلامي في ألمانيا سمير فالح مؤتمره السنوي بالإشارة إلى أن الحراك الثوري الدائر في العالم العربي فتح أمام مسلمي ألمانيا آفاقا جديدة للتعامل مع واقعهم، والانفتاح على الأكثرية غير المسلمة المحيطة بهم ومد جسور التواصل معها مثلما حثت تعاليم الإسلام. ولفت وزير الشؤون الدينية التونسي نور الدين الخادمي في كلمته أمام المؤتمر إلى أن الارتباط بين شعار الثورات العربية "الشعب يريد" والآية القرآنية (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ...) يظهر أن إرادة الشعوب لإزالة الظلم الواقع عليها هي جزء من إرادة الله. وأشار إلى أن ثورات الشعوب العربية ضد أنظمتها الدكتاتورية عززت قيم التعارف بين البشر وسيادة انتمائهم لآدم، وكرست المجتمع المدني كحقيقة بعد أن جعلته الأنظمة القمعية البائدة مجرد ديكور. واعتبر الوزير التونسي "أن الربيع العربي أفرز واقعا من المحال فيه إلغاء دول المواطنة بأقلياتها المسيحية واليهودية بالدول العربية مثلما لا يمكن إلغاء دول المواطنة في أوروبا، حيث تنتشر الأقليات الإسلامية"، وخلص إلى أن احترام مسلمي ألمانيا لعقد المواطنة في الدولة التي أحسنت إليهم يمثل أفضل دعوة للإسلام ولإزالة التصورات السلبية المروجة عنه. نحو ألفي مسلم قدموا من مدن ألمانية مختلفة للمشاركة بالمؤتمر وتعرضت ندوة نظمتها شبكة المسلمين الأوربيين ضمن المؤتمر لقضية الهوية الإسلامية بأوروبا في ضوء النقاشات الحالية الدائرة حاليا حول دور المسلمين بالمجتمعات الأوروبية. واعتبر المفكر السويسري المسلم طارق رمضان أن التكامل المبني على الاحترام أصبح تحديا مفروضا على الأقليات المسلمة للتعامل مع مكوناتها المختلفة ولتنظيم علاقاتها مع مجتمعاتها. وأشار إلى أن احترام مسلمي أوروبا لقوانينها وعاداتها ومقابلتهم للكراهية بإشاعة سلام حقيقي يحول دون تحولهم لضحايا. وشدد الأستاذ بجامعة أوكسفورد البريطانية على رفض غش غير المسلمين وخداعهم ومقابلة الاستفزازات بالإهانات، واعتبر أن الواجب يفرض على المسلمين مواجهة من ينسبون أنفسهم إلى السلف الصالح إذا أطلقوا أحكاما وتوصيفات غير مقبولة على مخالفيهم. ورأى رمضان بالمقابل أن تعميم مسلمي أووربا لمصطلحات السلفيين والجهاديين يخدم ترويج الصور النمطية السائدة عن المسلمين ويحقق ما يريده أعداؤهم. واعتبر بلال المجددي -نائب رئيس شبكة المسلمين الأوروبيين- أن عزف سياسيين ومثقفين كثيرين في أوروبا على نغمة الخوف من المسلمين يمكن أن يقود القارة العجوز لمشكلات مجتمعية كبيرة وتقوية تأثير التيارات اليمينية المتطرفة. وأشار إلى أن الملك الألماني فريدريش الثاني ضرب في القرن الثامن عشر مثالا قل نظيره في التسامح بعالم اليوم عندما أظهر استعداده لتشييد المساجد إذا جاء الأتراك إلى ألمانيا. واعتبر رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أيمن مزايك أن ما يعترض ثورات الربيع العربي يمثل انتكاسات طبيعية متوقعة بدول هذه الثورات، وأشار إلى أن تحقيق التطور الديمقراطي بالدول العربية لأهدافه كاملة سيستغرق وقتا مماثلا لما جرى بفرنسا بعد ثورتها. وقال رئيس المجلس التنسيقي للمنظمات الإسلامية بألمانيا علي كيزلكايا إن تحويل مؤتمر الإسلام الذي ترعاه الحكومة الألمانية إلى مؤتمر أمني يظهر أن المسلمين ليسوا مرحبا بهم بخلاف ما ذكره رئيس الجمهورية يواخيم جاوك الذي نفى انتماء الإسلام لألمانيا. الموقع غير مسئول قانونا عن التعليقات المنشورة