تشير المصادر الإخبارية الواردة من (تل أبيب) أنه تم وضع أكثر من سيناريو للتعامل مع مصر في المرحلة الجديدة بعد نجاح ثورة 25 يناير. ولا شك أن ما ترغب به الحكومة الصهيونية هو فوز الشخص الذي يحقق طبقاً لسياسات قادة العدو الصهيوني التوازن في المنطقة، والتوازن المقصود هنا يعني بالنسبة لقادة كيان العدو احترام الرئيس القادم لاتفاقات "كامب ديفيد" بالدرجة الأولى، وبالتالي عدم الرجوع خطوة واحدة إلى الوراء في مسار العلاقات المصرية – (الصهيونية)، ففي اجتماع للمجلس الوزاري الأمني المصغر بداية هذا الأسبوع تم بحث موضوع واقع ومستقبل هذه العلاقات، والانتخابات الرئاسية هناك، وقد عبّر الوزراء المجتمعون عن عدم ارتياحهم إلى الأوضاع في هذه الفترة خصوصاً مع تعاظم قوة "الإخوان المسلمين". وبينت المصادر الإخبارية المطلعة إن الاجتماع، الذي ضم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ونائبه الجديد شاؤول موفاز ووزير حربه إيهود باراك ووزير الخارجية أفيغدور ليبرمان بالإضافة إلى قادة الأجهزة الاستخباراتية ومستشار الأمن القومي، خلص إلى أنه لا توجد أي بوادر ملحة تستدعي إجراء أي تغيير على معاهدة السلام بين مصر والكيان الصهيوني خلال الفترة المقبلة. وفي ما يتعلق بالانتخابات، التي من المقرر أن تنطلق رسمياً في 23 من الشهر الجاري، أكدت المصادر أن المسئول الصهيوني قاتل أطفال غزة الإرهابي شاؤول موفاز، توقع أن يكون الرئيس المصري الأفضل للكيان الصهيوني في المرحلة المقبلة هو عمرو موسى، مشدداً على أن جماعة "الإخوان المسلمين" قد تدعم حركة “حماس” وتفتح لها الحدود المصرية مع غزة وتسلحها بصواريخ متطورة وأسلحة تخل بالتوازن في القطاع. كما أكد أحد قادة الأجهزة الاستخباراتية أن "العلاقات مع عمرو موسى لم تنقطع منذ أن شغل منصب وزير خارجية مصر أو حتى عندما كان أميناً عاماً للجامعة العربية"، مبيناً أنه "زار الكيان الصهيوني سراً عدة مرات والتقى الرئيس شمعون بيريز ورئيس الوزراء آنذاك إيهود أولمرت لبحث سبل دفع المبادرة العربية للإمام". كما أشارت المصادر إلى أن "موسى زار مؤسسة "ياد فشيم" لتخليد ضحايا المحرقة النازية (الهولوكوست) في القدس وتبرع من ماله الخاص للمؤسسة". أما باراك فقال إنه "متأكد من أن المجلس العسكري المصري لن يترك السلطة بيد الإسلاميين في كل الأحوال"، في حين شدد نتنياهو على ضرورة الحياد وعدم التدخل في الانتخابات المصرية، مشككاً في إمكان انتخاب مرشح "الإخوان" محمد مرسي "لأن الشارع المصري يريد دعم الغرب في هذه المرحلة". تصريحات قادة العدو هذه تأتي في الفترة التي انحسرت فيها الأنظار حالياً إلى ثلاثة أسماء في سباق الانتخابات الرئاسية، هم عمرو موسى، وعبد المنعم أبو الفتوح، ومحمد مرسى مرشح حركة "الإخوان المسلمين". وفي هذا السياق لا يمكن للمتابع فهم مخاوف قادة الكيان الصهيوني من وصول مرشح حركة "الإخوان المسلمين"، إلا إذا وقفنا على مواقف الحركة من القضية الفلسطينية التي كانت وما زالت القضية المحورية لدى "الإخوان المسلمين".. سواء على مستوى مكتب الإرشاد العام، أو المكاتب التنفيذية في الأقطار، أو "الإخوان" في كل مكان.. ولا أحد يستطيع أن ينكر جهادهم في فلسطين، وأن قرار حل "الجماعة" أيام النقراشي في التاسع من (أكتوبر) 1948م، كان أساسه القضية الفلسطينية بضغط من الدول الاستعمارية الكبرى. ورغم كل ما لاقته "الجماعة" من ظلم واستبداد الحكام ظل الكيان الصهيوني بالنسبة لها هو العدو الأول، لأنه كيان مغتصب لأرض العروبة والإسلام أرض فلسطين علاوة على إعلان "الإخوان" أن الكيان الصهيوني يمثل الخطر المستمر والدائم الذي يهدد الأمن الوطني المصري والقومي العربي، ولن يزول هذا الخطر إلا بإتباع إستراتيجية المقاومة، لا غيرها. من منطلق موقف «الجماعة» الواضح والمعلن من أن "الصراع مع العدو الصهيوني ليس صراع حدود، لكنه صراع وجود، وليس صراعا سياسيا فحسب، وإنما هو صراع حضاري بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ". ويعد مرشح "الإخوان" محمد مرسى من المتشددين في مواقفه تجاه العدو الصهيوني، والقوى الاستعمارية الغربية، وله العديد من التصريحات الساخنة ضد الكيان الصهيوني، بل انه وصف مواطنيها بأنهم "قتلة ومصاصو دماء". بينما مرشحي الفلول (أحمد شفيق وعمرو موسى)، فقد عُرفا بعلاقتهما المميزة مع قادة العدو الصهيوني، حتى ولو كان ذلك على حساب مصالح وأمن مصر الوطني والقومي، ضاربين بعرض الحائط احتياجات المصريين وما يجره سلامهم المزعوم مع الصهاينة على اقتصاد مصر بلداً وشعباً، ولنا في تمسكهما في استمرار تدفق الغاز المصري للكيان الصهيوني بأبخس الأثمان على المستوى العالمي، خير دليل على تواطئهما ضد مصالح مصر. لذلك كله فإننا لا نبالغ، إذا قلنا إن الكيان الصهيوني هي الأكثر قلقًا في الفترة الحالية من لما تشهده مصر، وحتى أمريكا المعتمدة على النظام المصري اعتماداً كبيراً، في إدارة مصالحها في منطقتنا، وفي ملف السلام، وفي الشأن الفلسطيني؛ فضلاً عن الأهمية الإستراتيجية لمصر، موقعًا، وموضعاً، فإنها أي أمريكا لا تبدي القلق الذي يبديه الكيان الصهيون)، وهو لا يكتفي بإبداء القلق، بل إنه يقوم بدعم أمريكي بحملة دبلوماسية محمومة، في الدوائر السياسية العربية النفطية والغربية؛ لحمل دولها على مساندة مرشح الفلول عمرو موسى باعتباره الشخصية الأكثر قدرة على مواصلة لا بل وتعزيز علاقات مصر مع الكيان الصهيوني، وهو الأكثر قدرة من مرشح الفلول الآخر أحمد شفيق على الضغط على الفلسطينيين لإرغامهم على السير قدماً غي مسار السلام من منظور صهيوني، وكذلك على تعزيز مسارات السلام المزعوم مع الدول العربية قاطبة، وفي مقدمتها دول البترو دولار، وأخذهم جميعاً للحظيرة الصهيونية صاغرين. ولا تخفي أوساط صهيونية أن سبب القلق الذي يتزايد في دوائر القرار الصهيوني يعود إلى تخوّفهم من انتقال الحكم في مصر إلى "الإخوان" أي إلى جماعة يراها الصهاينة خارجة عن الطوق الدولي، والتبعية؛ ما ينعكس بالضرورة على اتفاقات "كامب ديفيد" الموقعة عام 1979م؛ وبالتالي على اتفاقية "وادي عربة" مع الأردن، وعلى المسار الفلسطيني، وعلى "مبادرة السلام العربية" التي تقدمت بها السعودية في قمة بيروت. فرئيس وزرائهم بنيامين نتنياهو يقول في مستهل جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت صباح يوم 30 (يناير) الماضي، بأن: "إن المساعي التي نقوم بها تستهدف حماية الاستقرار والأمن في منطقتنا. أرجو تذكيركم بأن السلام بين الكيان الصهيوني ومصر مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث نسعى إلى ضمان استمرار هذه العلاقات". ولعل أكثر ما يخشاه الكيان الصهيوني من وصول مرشح "الإخوان" محمد مرسى مرده الرئيسي سيطرة التيار الإسلامي على مجلس الشعب المصري (البرلمان) حالياً، ما يعني مستقبلاً في حال فوز مرسي أن هذا التيار قادر على إحداث التغيير الذي يريده في سياسات مصر الخارجية، لسيطرته على السلطتين التنفيذية والتشريعية. ولأن من مصلحة مصر والأمة العربية جمعاء، تكمن في عدم اختيار من يرغب به عدونا، فإن النصيحة الواجبة لإخواننا في مصر العروبة، هو تجنب مرشحي الفول، واختيار رئيساً لمصر، يأخذ بها وبكل العرب، إلى طريق الخلاص.