نستطيع أن نقول بكل اطمئنان وداعاً للقمم العربية التي كانت تتضمن قراراتها حداً أدنى من التضامن الفعال والضغط في مواجهة التحديات الآنية المصيرية التي تهدد الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
ففي ظل ضعف وتفتت الجبهات الداخلية لمعظم البلدان العربية، ودخول أغلبها في حروب أهلية أو صراعات سياسية داخلية محتدمة وفي مقدمتها العراق والجزائر وفلسطين والسودان واليمن ولبنان وبعض دول الخليج، وفي ظل دخول معظم الأنظمة العربية في عزلة خانقة عن شعوبها واكتفائها بسياسة تشديد القبضة الشمولية الحديدية لحماية عروشها، أو مراوغة بعضها الآخر بالقبضة الحديدية ذات القفازات الحريرية تحت شعارات ومشاريع إصلاحية شكلية براقة مخاتلة، وفي ظل ارتهان الغالبية العظمى للحكومات العربية لمشيئة وإرادة القطب الأمريكي المهيمن والمتسيد على الساحة العربية، والذي بات يفرض تدخلاته بلا حياء على جدول أعمال القمة، ويحذر من “تطرف” سقف قراراتها.. نقول في ظل كل ذلك هل كان يرتجى من قرارات القمة أن تنتشل فوقياً الوضع العربي برمته من الوضع الكارثي المزمن الذي ينتقل حثيثاً من سيئ الى أسوأ؟
بمعنى آخر فإنه إذا ما أردنا قياس نجاح قمم مرحلتنا الراهنة الرديئة فينبغي أن نقيسها ليس بمقاييس قمم أيام زمان في عصر ما قبل كامب ديفيد ،1979 أو عصر ما بعده حتى الاحتلال العراقي للكويت ،1990 بل بمقاييس تحقيق تقدم عما إذا كانت أقل سوءاً من سابقاتها خلال العقدين الماضيين.. وقمة الرياض بهذا المعنى فهي ناجحة بهذه المعايير وما كان لمستضيفيها ولا للمشاركين فيها أن يحققوا معجزة خارقة بمعزل عن تأثير مجمل الأوضاع والمعطيات الكارثية العربية المتقدم ذكرها.
وهكذا لم يكن بوسع القادة العرب في ظل هذا العجز الشامل الذي يطبق على المنطقة العربية وفي ظل انكشاف مظلة الأمن القومي من أوسع الأبواب ومن جميع الجهات سوى التأكيد على تفعيل مبادرة السلام العربية وتكليف لجنة وزارية بمتابعة جهودها مع اللجنة الرباعية والأطراف الدولية المعنية بعملية السلام والأمم المتحدة، واستئناف عملية السلام، والتمسك بمبادرة السلام العربية، ودعوة “إسرائيل” الى قبولها. وفي هذا الصدد فقد خرجت القمة بقرار مفصل عن القضية الفلسطينية، وقرار آخر عن دعم موازنة السلطة الفلسطينية، وقرارات عن القضايا العربية الراهنة تتعلق بلبنان والسودان والعراق.
وفي ما يتعلق بالأمن القومي العربي ثمة قراران يتصلان بموضوعين متداخلين على درجة من الأهمية هما القرار المتعلق بالأمن القومي العربي والقرار المتعلق بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.
لقد تضمن القرار الخاص بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية التأكيد على مخاطر السلاح النووي “الإسرائيلي” وأسلحة الدمار الشامل على السلم الدولي والأمن القومي العربي مع تنمية الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بالدول العربية وتمسكها بمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
وفي القرار المتعلق بالأمن القومي أعاد التأكيد انشائياً ترابط قضايا الأمن القومي من منظور شامل سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً، لكن يظل السؤال في ظل استباحة “إسرائيل” وواشنطن للمنطقة العربية وارتهان الغالبية الساحقة للأنظمة العربية للإرادة الأمريكية كيف يمكن تفعيل هذه القرارات المتصلة بالقضية الفلسطينية والأمن القومي حتى مع هلاميتها الفضفاضة غير الحازمة وسقفها المتدني؟ وفي ظل غياب أدنى وأقل الخيارات الضاغطة تجاه الأطراف الدولية التي تقف خلف “إسرائيل”، ماذا سيكون موقف العرب تجاه تلكؤ أمريكا ومعظم دول الاتحاد الأوروبي من الاعتراف بحكومة الوحدة الفلسطينية؟ ما موقفهم تجاه التعنت “الإسرائيلي” تجاه كل قرارات القمة المتصلة بمبادرة السلام وتسوية القضية الفلسطينية؟ أو ليس إعادة الاعتبار لسلاح المقاطعة الشاملة وحظر التطبيع مع العدو “الإسرائيلي” ورهن رفع هذا الحظر بانصياع “إسرائيل” الفعلي لمبادرة السلام وقرارات الشرعية الدولية هما أقل ما تبقى للعرب من أوراق قوة؟ لكن للأسف فرطوا فيها وأضحت استعادة حتى هذه الورقة التي كنا نسخر من اكتفائنا بها أشبه بالحلم.