انطلقت في هذه الأيام مجموعة من الفضائيات التي يدعي أصحابها أنهم ينشرون علوم الإسلام ويدافعون عنه .. وكنا قد استبشرنا خيرا بذلك .. وتوسمنا في هذه الفضائيات أن تحدث التوازن الإعلامي المطلوب في مواجهة الإعلام المبتذل الذي ينشر الفسق والرذيلة ليل نهار مثل قنوات روتانا وميلودي ومزيكا .. وغيرها .. ولكن للأسف الشديد .. وجدنا أن هذه القنوات أقل خطورة على الإسلام والمسلمين من هذه القنوات الجديدة التي تتكلم باسم الإسلام .. ويظهر أصحابها بالمظهر الإسلامي .. إلا أنهم يحاولون هدم أركان الإسلام وطمس معالمه وتشويه صفحته الناصعة .. لكنهم بإذن الله لن ينالوا شيئا من الإسلام الصحيح الذي يفهمه الناس بفطرتهم .. وباستطاعتهم أن يفرقوا بين الغث والثمين .. وإن انخدعوا بعض الوقت ببريق الزيف وسراب الضلال .. لذا كان الخطر من هذه القنوات "روتانا " وأخواتها أقل من هذه القنوات المسماة إسلامية .. لأن الناس بطبيعتهم ينفرون من المعاصي والرذائل خاصة إذا أسفرت عن وجهها القبيح .. أما الذين يحدثونك بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .. وهم يقصدون شيئا آخر .. ويرمون إلى أغراض مغايرة تماما لنهج القرآن وسنة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه .. فهذا هو الداء العضال الذي يهدد صلب العقيدة .. ويشوش أذهان المسلمين .. ويلوث أفكارهم .. وكنت في البداية أظن أن هذا النهج المغلوط الذي يبثونه ليل نهار .. ربما يكون ناشئا عن قلة علم أو ضحالة فهم أو قصور إدراك .. لكني أدركت فيما بعد أن هذا مخطط خبيث اشترك في تدبيره أعداء الإسلام مع رؤوس الشر في أمتنا تحت رعاية وعناية وتمويل حكومات البغي والفساد في بلادنا .. والدليل الدامغ على ذلك أنهم في الوقت الذي يسمحون لهؤلاء ويشجعونهم .. ويطلقون لهم العنان .. ويفسحون لهم المجال .. ويفتحون لهم كل الفضائيات .. نجدهم يضيقون على أصحاب الفهم الصحيح والرؤية الشاملة للإسلام مثل حماس والجهاد وغيرها .. بل إنهم يطاردون ذوي البصائر المستنيرة .. ويحبسون ويعتقلون ويشردون ويصادرون أموال الإخوان المسلمين في مصر .. ويصرحون باستمرار .. أنهم يهدفون إلى تجفيف المنابع .. ويعملون على ذلك في قراراتهم وتوجهانهم .. لماذا التعاون والتوافق إذا مع هذه الفئة .. والتنافر والعداء مع باقي الفئات .. لم يعد الأمر خافيا .. فالمصالح مشتركة .. والمنافع متبادلة .. والمغانم منشودة .. لقد بدأ هؤلاء هجومهم المشبوه على حزب الله خصوصا وعلى الشيعة بوجه عام أثناء العدوان الصهيوني على شعب لبنان الشقيق وانتصار المقاومة اللبنانية الباسلة الذي أذهل العالم كله وأربك حسابات الأعداء .. فانطلق هؤلاء الأفاعي من جحورهم ينفثون سمومهم وأكاذيبهم وافتراءاتهم بالتزامن مع الصواريخ التي سقطت على رؤوس الأطفال والنساء والرجال في لبنان الشقيق .. وقد تصدينا لهذه الحملة في حينها .. وتصدى لهم الشعب العربي والمسلم في كل مكان بالإنكار والإعراض .. وواجهتهم الجماهير .. وأنزلوهم من المنابر .. ووصل الأمر في بعض المناطق إلى استخدام الضرب لمنعهم .. فلجئوا إلى هذه الفضائيات التي يتكلمون فيها من وراء جدر .. ويثرثرون الساعات الطويلة بلا رقيب ولا مراجع ولا معترض .. ويحاورون أنفسهم طول الوقت مكررين نفس المفاهيم المغلوطة والحيل الساذجة التي حاولوا خداع الناس بها وصرف أنظارهم عن المنهج القويم والصراط المستقيم .. فلو أن الدين الإسلامي قاصر – كما يزعمون – على إطلاق اللحى وتقصير الثياب وحمل أعواد السواك ولبس النقاب ومجموعة من العبادات والشعائر والمناسك والطقوس فقط .. لما تبعته هذه الحشود البشرية الهائلة وتشبثت بأهدابه على مر القرون والأزمان في مختلف الأماكن والأوطان .. لو أن الإسلام يعرض عن اهتمامات الناس .. ويهمل حقوقهم وقضاياهم الرئيسية – كما يصورون – ما تغيرت الدنيا وتطورت وأثمرت كل هذا النتاج الحضاري الضخم .. ورسخت على مر التاريخ هذا الكم الهائل من القيم والمفاخر الإنسانية العظيمة .. لو أن الإسلام – كما يدعون – يعطي الأولوية لهذه المظاهر الشكلية على حساب مجاهدة الطغاة والبغاة .. لما قامت ثورات التحرر .. ولما انطلقت هذه الطاقات الخلاقة .. ولما استقام ميزان العدل في الدنيا .. إنهم يدعون إلي علمانية جديدة تلبس ثوب الإسلام .. لقد عجبت أشد العجب حين لاحظت أنهم يلحون على هذه المعاني ويحاولون تثبيتها بشتى الوسائل .. ويسوقون الأدلة والأسانيد لإفهام الناس أن الجهاد ليس هدفا أو غاية .. وإقامة الدولة الإسلامية ليس هدفا أيضا .. ولم يكتفوا بالهجوم على حزب الله والشيعة .. بل امتد هجومهم إلى المجاهدين الفلسطينيين وهم سنة .. ووجهوا لوما مباشرا إلى الشيخ / رائد صلاح .. وهو الذي يدافع بشدة عن المسجد الأقصى المبارك .. ويدعو المسلمين جميعا إلى الاصطفاف لمنع اليهود من هدم أولى القبلتين وثالث الحرمين .. كما استهانوا بدم الشهداء الأبرار .. ووصفوا استشهادهم بالانتحار .. إذا فقد بات واضحا أن المسألة ليست سنة وشيعة كما تصور البعض .. ولكن الحملة الشرسة على كل من يحارب اليهود والأمريكان أيا كان مذهبهم أو اتجاههم .. والحملة شديدة أيضا على الذين يقوضون استقرار النظام النفطي المستبد في الخليج وباقي الأنظمة العميلة في المنطقة .. لكن هؤلاء لن يستطيعوا صد رياح التغيير القادمة من هنا وهناك بحجة أن الهدف الأسمى هو التوحيد .. وتوطيد الصلة بالله من خلال العبادات والصلوات والشعائر .. هكذا يقولون .. ويؤكدون أن واجبنا تجاه فلسطين أن نقوم الليل ونصوم النهار ونلبس النقاب .. وأن الجهاد لم يحن موعده بعد .. فلابد للجهاد من أمير وراية ومنعة وتوقع الغلبة .. وهذا هو فقه الاستسلام الذي ينتشر على نطاق واسع .. وهو فقه مريح يدعو إلى الاسترخاء والدعة وترك الظالمين يعيثون في الأرض فسادا دون مجابهة أو مقاومة .. لذا فهم ينفقون المليارات على نشر هذا الفقه الخانع البعيد تماما عن نهج رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه وصحابته الكرام الذين ضحوا بأرواحهم وأفنوا أعمارهم في مقاومة الظلم والاستكبار وتحرير البلاد والعباد من الطواغيت في أنحاء الدنيا كلها .. أما هؤلاء المتعالمين .. فيلومون المجاهدين .. ويتهمونهم بالبعد عن التوحيد .. والكل يدرك أن توحيد المجاهدين أصدق وأنقى من توحيد القاعدين .. وأنفاس المجاهدين سواء من السنة أو الشيعة أو غيرهم أزكى وأطهر من هؤلاء المتقاعسين .. وكيف لا يكون الذي يحمل روحه على كفه ويضحي بأغلى ما عنده .. كيف لا يكون موحدا خالص التوحيد عابدا لله عز وجل بأصدق ما تكون العبادة .. زاهدا في الدنيا كلها ابتغاء مرضاة الله ونصرة لدينه ؟ ! .. كيف تتهمون الشهداء الأبرار وأنتم تلهثون وراء حطام الدنيا وفتات الحكام .. وتجلسون على المقاعد الوثيرة في الأبراج المكيفة .. وتلتهمون أشهى المأكولات وألذ المشروبات .. وتركبون السيارات الفخمة .. وتتزوجون من النساء مثنى وثلاث ورباع .. وتبيعون الأشرطة المسموعة والمرئية والكتب والسيديهات .. وتنعمون بالشهرة والأضواء والحفلات .. ولا تأبهون بمن تتحطم بيوتهم .. وتهدم مساكنهم على رؤوسهم .. وتقتلع أشجارهم .. وتؤسر نساؤهم .. وتنتهك محارمهم .. وتسرق أموالهم .. ومع ذلك تحثونهم على تعطيل الجهاد وحرمة الاستشهاد .. وتطلبون من الشعوب المستضعفة الاستكانة وطاعة ما يسمى بأولي الأمر وهم الذين اغتصبوا السلطة .. ونهبوا الأموال .. وروعوا الآمنين .. وتحالفوا مع المحتلين والغاصبين .. هل يعقل أن يكون الإسلام استسلاما وانهزاما كما يحاولون تصويره للناس ؟ ! .. حاشا لله .. الإسلام دين العزة والتمكين والسيادة .. والجهاد ذروة سنام الإسلام .. ومن الصحابة من لم يركع لله ركعة واحدة .. ولكن الله عز وجل من عليه بالشهادة في سبيله .. ومنهم من كان يشرب الخمر ويقام عليه الحد .. لكنه طلب أن يجاهد في سبيل الله ويحارب في إحدى المعارك .. فسمح له الرسول صلوات الله وسلامه عليه وأثنى عليه .. ولو كان الصحابة رضوان الله عليهم عاكفين على الصلاة والصيام والقيام فقط ما استطاعوا أن ينقلوا هذا النور المبين وما استطاعوا أن يخلصوا البشرية من عبوديتها وجهالتها .. لقد عاش الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه حياة مجاهدة لا يكاد يفرغ من غزوة إلا أعد لغزوة أخرى .. وتبعه في ذلك أصحابه الكرام والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين .. أما التنطع والتخاذل فليس من صفات المسلمين .. وتقسيم المسلمين وتمزيق صفهم وتقطيع أوصالهم جريمة كبرى يقترفها هؤلاء صباح مساء .. ويحملون معول الهدم لكل ما يوحد المسلمين .. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .. وقد لاحظ كثير من الناس أنهم هم الذين نشروا موضوع سب الصحابة والشتائم والرذائل التي يتهمون بها السيدة عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها وأرضاها - بترديدهم أقوالا ينسبونها للشيعة افتراء عليهم .. وهم بذلك يتناولون عرض الرسول الأعظم بالسوء - عليه الصلاة والسلام – والرسل والأنبياء لابد أن تصان أعراضهم .. الناس يسمعون هذا الكلام البذيء من هؤلاء المتعالمين الآن بينما لا يسمعونه من الشيعة .. بل إن الشيعة ينفون عن أنفسهم هذا الخبث ويرفضونه .. ولا أدري كيف يتحمل هؤلاء الحمقى هذه الأوزار الثقيلة ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة .. والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) 19 من سورة النور .. ونشر الفاحشة في المجتمع الإسلامي بهذه الصورة غير المسبوقة بحجة اتهام الشيعة خطة خبيثة يصنعها أعداء الإسلام اليهود والصليبيون وعملاؤهم .. بغرض إشعال الفتنة واندلاع الحروب الأهلية .. وقد حذر المخلصون من ذلك مرارا وتكرارا .. لكن الحمقى ماضون في غيهم .. ومنغمسون في ضلالتهم .. ولا نملك إلا أن نقول لهم .. افعلوا ما شئتم .. قد تبين الرشد من الغي .. لا تلوموا إلا أنفسكم .. لكن ما يهمنا هو المجتمع المسلم الذي يرى هذا الزيف .. وينبهر به أحيانا .. نحذره أشد التحذير .. ونطلب منه أن يتحرى الحقائق .. ولا ينخدع بمثل هذه الأباطيل .. فالحق أبلج .. ودين الله مشرق كالشمس لا يحتاج إلى متنطع أو متقعر هنا أوهناك ( فأقم وجهك للدين حنيفا .. فطرت الله التي فطر الناس عليها .. لا تبديل لخلق الله .. ذلك الدين القيم .. ولكن أكثر الناس لا يعلمون * منيبين إليه واتقوه .. وأقيموا الصلاة .. ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا .. كل حزب بما لديهم فرحون ) 30 – 32 من سورة الروم
.. وأنا أناشد جماهير المسلمين أن يتدبروا كتاب ربهم جيدا .. ولا يخضعوا لوصاية أحد .. وأن يترسموا خطى نبيهم عليه الصلاة والسلام .. وأقول لهم لا تأخذوا من هؤلاء علما .. وأبشركم بالنصر القريب .. وجند الله هم الغالبون