لا حاجة هنا إلى استعادة المؤشرات السياسية والعسكرية الكثيرة التي ترجح احتمال وقوع عدوان أمريكي على إيران، أكان في القريب العاجل أم بعد أسابيع أو شهور، فقد أفاضت الوكالات والتحليلات في تكرار الحديث عن تلك المؤشرات.
من الصعب الجزم بأن الضربة الأمريكيةلإيران قد غدت حقيقة واقعة، وأن المسألة هي مسألة وقت لا أكثر ولا أقل، لكن الأكيد هو أن التخلص من حلم إيران النووي أمر لا مفر منه، ليس لتهديده أمن الولاياتالمتحدة، لكن لتهديده، النظري على الأقل، لأمن الكيان الصهيوني. ولما كانت السياسة الخارجية الأمريكية قد غدت رهينة المصالح الإسرائيلية، فإن التخلص من المشروع النووي الإيراني ليس موضع خلاف، ولن يختلف الموقف فيما لو كان الديمقراطيون في السلطة، لأن هؤلاء هم الأقرب على الدوام للهواجس الإسرائيلية بسبب هيمنة اليهود على الحزب الديمقراطي لولا أن زايد عليهم المسيحيون المتصهينون في السنوات الأخيرة.
نقول، لا يعني ذلك أن الضربة الأمريكية قد غدت حقيقة واقعة لسبب بسيط هو أن أحداً لا يمكنه التكهن بما يمكن أن يفعله قادة إيران الذين سجلوا على الدوام دهاءً سياسياً منقطع النظير، ولا يستبعد أن تختلف حساباتهم في اللحظات الأخيرة إذا وجدوا أن خسائرهم من الإصرار على المشروع النووي ستفوق أرباحهم. وكما تجرع الإمام الخميني السم بقبوله وقف الحرب مع العراق، فلا يستبعد أن يتجرع خلفه (خامنئي) أو الرئيس نجاد السم أيضاً ويتنازل عن الحلم النووي الذي بات في متناول اليد.
ما يعنينا في هذه السطور هو الموقف العربي من الحشد الأمريكي ضد إيران، ومن العدوان عليها في حال وقوعه، وما نعنيه بالموقف العربي هنا هو موقف الدول والشعوب والقوى الحية، فضلاً عن موقف العرب السنة في العراق، وعلى رأسهم قوى المقاومة وهيئة علماء المسلمين وممثلو العرب السنة.
نتحدث ابتداءً عن الحشد الطائفي الذي يستهدف عزل إيران عن العالم العربي والإسلامي تمهيداً لضربها، حيث نعلم أن هذا السلوك الأمريكي معروف، إذ يجري شيطنة الخصم قبل العدوان عليه، وقد وقع مثل ذلك لصدام حسين، ولميلوسوفيتش، كما وقع لطالبان حتى للمحاكم الشرعية في الصومال، وهنا نقول إن على القوى الحية في الأمة، لاسيما الحركات الإسلامية أن تكون حذرة في التعامل مع ملف الحشد الطائفي في المنطقة، من دون أن تكف عن انتقاد الموقف الإيراني مما يجري في العراق، ذلك أن ما تفعله الولاياتالمتحدة هو بالضرورة لصالح الكيان الصهيوني، كما أنه لصالح مشروع هيمنتها على المنطقة، الأمر الذي لا يمكن أن يقابل بالترحيب من أي مسلم عاقل، مهما بلغ حنقه على إيران.
لقد أثبتت الأسابيع الأخيرة أن هناك من القوى الحية في الأمة من يمكن أن ينساق خلف دعوات الحشد الطائفي ضد إيران، معطوفاً على الحشد العرقي، من دون أن يدقق في الأسباب التي تقف من أجلها الأنظمة، أو بعضها ذلك الموقف، ولحساب من؟! والأسوأ أن يجري ذلك في ظل هجمات على الحركات الإسلامية في أكثر من مكان تتم بغطاء من الولاياتالمتحدة التي منحت الأنظمة حق قمع إسلامييها مقابل دفع استحقاقات داخلية وخارجية.
بعد مواقف الحركات الإسلامية والقومية هناك المواقف الصادرة من الداخل العراقي، وفي هذا السياق ينبغي أن تكون القوى العراقية، لاسيما العربية السنية، حذرة في مواقفها واصطفافها حيال ما يجري، أكان هذه الأيام أثناء التحضيرات الأمريكية لضرب إيران، أم في حال وقوع الهجوم، ذلك أن المطلوب هو إدانة الاستهداف الأمريكي لإيران من دون الكف عن تذكيرها بحق المسلمين في العراق عليها، ومن دون تذكيرها بضرورة أن تكون عنصر توفيق بين العراقيين وليس عنصر تحريض لطرف على طرف.
لعل الأهم بين هذه المواقف هو موقف المقاومة العراقية، ليس قبل العدوان أو بعده فقط، لكن في حال بادرت إيران إلى ترتيب ردود على الأمريكيين في الساحة العراقية، أعني أعمال مقاومة، مع العلم أنها قد تبادر أيضاً إلى توفير وسائل دعم لجميع قوى المقاومة، أكان بطريقة مباشرة أم غير مباشرة.
ما ينبغي أن يكون واضحاً لدى جميع القوى العربية والإسلامية هو أن وجود تناقض ما مع السياسات الإيرانية في المنطقة لا يلغي وجود بعض القواسم المشتركة هنا وهناك، وحين يستهدف المشروع النووي الإيراني لحساب الكيان الصهيوني، فمن الطبيعي أن يكون موقف الشرفاء في الأمة إلى جانب إيران في تصديها للعدوان. أما الأهم فهو حقيقة أن الخطر الأكبر على هذه الأمة وهويتها ووحدتها هو المشروع الأمريكي الصهيوني، أما المشروع الإيراني فلا يمكنه خوض مواجهة مع عموم الأمة، وإذا فعل فسيكون الخاسر بالتأكيد، وقد سمعنا العديد من عقلاء الشيعة يذكرون إيران، كما يذكرون شيعة العراق بأن كونهم أغلبية في العراق وإيران لا ينبغي أن ينسيهم أنهم أقلية في بحر من المسلمين السنة لا يمكن أن يتناقضوا معهم ثم يربحوا المعركة.
تبقى الأنظمة الخليجية التي ينبغي أن تكون الأكثر حذراً في تحديد مواقفها مما يجري، ليس فقط للاعتبارات التي أشرنا إليها آنفاً، بل أيضاً لكي لا تتسم الردود الإيرانية في حال العدوان بالتركيز عليها بوصفها عنصر إسناد للمعتدين، ولعل زيارة أحمدي نجاد للسعودية تشكل مقدمة لحوار يصب في صالح الطرفين.