تواصل عرس الحرية وأثبت الشعب المصري خلال المرحلة الثانية من انتخابات مجلس الشعب أنه شعب ثوري واع، وأنه تأثر بالحملات الإعلامية المغرضة تأثرا عكسيا وإيجابيا.. فأقبل الناس على التصويت بحرية للمرشحين الإسلاميين الذين تعايشوا وتفاعلوا معهم على مر الزمن، وانصرفوا عن أولئك الذين ليست لديهم بضاعة سوى الضهور في وسائل الإعلام (الفاسد). وقد أثبت الإعلام المصري من جديد أنه أسوأ ميراث للنظام المخلوع، وأن مصر الثورة لن تستطيع بدء الانطلاقة الثورية الحضارية المرتقبة في ظل هذا الإعلام الذي يعادي الثورة، بل يعادي الوطن. أما عن انتخابات المرحلة الثانية؛ ففد عايشتها بنفسي ولأول مرة، مرشحا.. وأستطيع القول إن مصر الآن حرة، وان الشعب الذي تذوق طعم الحرية واستمتع بها لن يسمح بعودة الطغيان مرة أخرى. ولكن العملية الانتخابية وإدارتها تحتاج إلى كتير من التطوير والتحديث والإصلاح، إذ تبين عمليا أن الموروث الطغياني لازال مؤثرا، وهذا أمر طبيعي، ولكن كان المفروض أن يكون لدى المسئولين باللجنة العليا للانتخابات كثير من الفهم لطبيعة هذا الموروث، والتخطيط للتغلب عليه بالإجراءات الإدارية الواعية والمبدعة. ومن أهم السلبيات التي لاحظتها طريقة اختيار أعضاء اللجان.. إذ اكتفت اللجنة العليا للانتخابات بوجود القضاة كصمام أمان، ولم تدقق في اختيار المعاونين متجاهلة أن القاضي بشر، وناسية قول الحق سبحانه (وما جعلنا لرجل من قلبين في جوفه). فأعضاء اللجان من المعاونين اختيروا عشوائيا من المدارس نفسها التي يجرى التصويت فيها، وبالطبع فلكل واحد منهم انتماءاته الحزبية، ولكن الأخطر أن أغلبهم من القرية أو الحي نفسه، فنجد أن الانتماءات الحزبية يضاف إليها الانتماءات العائلية والقبلية. وقد ضبط مندوبونا ثلاثة من أعضاء اللجان بقرية إكوه شرقية يوجهون معارفهم من الناخبين لانتخاب قوائم معينة، سواء بالإشارة أو بالصوت المنخفض.. ويساعد ضيق مكان اللجنة (فصل دراسي صغير به لجنتين) على ذلك لقرب المسافة بين عضو اللجنة والناخب. والمفروض إذَا أن يتم اختيار أعضاء اللجان من محافظة أخرى، وأن يتم تدريبهم وإفهامهم أهمية الحياد، وتحذيرهم من عواقب التدخل في العملية الانتخابية، بل لابد من وجود عقوبة رادعة لمن يضبط متلبسا بالتأثير على الناخبين. ومن أهم السلبيات التي لاحظتها سوء بطاقة التصويت للمقاعد الفردية، فالورقة صغيرة ومزدحمة، والرموز يصعب تمييزها، وكان المفروض أن تكون البطاقة أكبر من ذلك بكثير. ويجب مراعاة أن نسبة كبيرة من الناخبين أميين ولا يقدرون على التصويت الصحيح دون مساعدة. وقد شاهدت مرارا طلب الناخبين للمساعدة، ولاحظت عشوائية كبيرة تدل على عدم وجود تعليمات لتوحيد التصرف في هذا الأمر.. فهذا قاض يرفض المساعدة ويقول للناخب يمكنك وضع البطاقة فارغة، وآخر يقوم بالمساعدة ويؤشر بنفسه على الرمز، وثالث يتركها للمعاونين دون أن يراقبهم فيصوتون لمن يريدونهم دون علم الناخب الأمي!. أما أكبر السلبيات فهي الخاصة بالفرز وإعلان النتائج.. إذ نسيت اللجنة أننا دولة مسكينة ليست لديها بالمحافظات مرافق تصلح لتجمع عشرات الألاف من الناس في مكان واحد لحضور الفرز، وتكفي حالة الحمامات البائسة!. فقد ذهبنا إلى مدينة أبو كبير لنجد الآلاف يحتشدون في شوارع ضيقة ويغلقون مداخل الساحة المخصصة، والجيش يمنعهم من الدخول، ومن استطاع الدخول لا يقدر على فعل شيء بسبب الزحام، لدرجة أن رئيس اللجنة منع المرشحين ومندوبيهم من مراقبة أعمال الفرز لضيق المكان، وبالتالي فمن السهل جدا التزوير بوضع أصوات في خانات مخالفة للواقع طالما أن الأمور تسير دون مراقبة أو مراجعة. وليت اللجنة الموقرة تجري اختبارا بمراجعة فرز بعض الصناديق عشوائيا بلجان شمال الشرقية، وأنا واثق من وجود أخطاء، ولن أقول تزوير، وأتحدى ألا تتغير النتيجة إن أعيد الفرز. والحل الوحيد والعملي لمشكلات الفرز هي أن يتم الفرز في اللجنة نفسها التي جرى التصويت بها، فهذا سوف يتم بسرعة وفي وجود المندوبين، ولن يستغرق الأمر أكثر من ساعتين. ونأتي إلى أعظم السلبيات وهي الرشا الانتخابية، والتي تحتاج إلى دراسة متأنية ومشاركة مجتمعية واسعة للتخلص منها.. فقد استطاع فلول الحزب المحظور أن يوظفوا ما نهبوه من الأموال الحرام في شراء الأصوات، ومن أغرب ما شاهدت أن أحدهم قوبل بوابل من التوبيخ والرفض كلما تحرك بين الجماهير الواعية التي تعرف هذا الصنف جيدا، لدرجة أن إحدى السيدات بصقت في وجهه. وعندما وجد أن الناس تلفظه وحزبه الذي فتح الباب واسعا للفلول (مقابل المال الحرام)؛ قام بنثر عشرات الملايين من الجنيهات في كل مكان (تم تقدير ما أنفق في إحدى القرى بمليون جنيه- للقرية الواحدة!). وهكذا تغيرت الأحوال لأسمع بأذني ناخبة تقول لإحدى الفتيات: سوف أنتخب (فلان) لأنه أعطاني خمسين جنيها وحزبكم لم يعطني شيئا!. وبالفعل فقد أثر المال الحرام على نزاهة الانتخابات، واستطاع بعض الفلول تزويرها جزئيا بالرشا الانتخابية.. وهذا يدعونا لدق ناقوس الخطر.