«التعليم العالي».. تأمين صحى لجميع طلاب الجامعات للتعامل مع الحوادث    جبران وسفير قطر: انعقاد اللجنة الفنية المشتركة في ديسمبر المُقبل    مستثمري العاشر من رمضان تعقد اجتماعا مشتركا مع قيادات البنك الأهلي ومركز تحديث الصناعة    رئيس وزراء الهند: مجموعة «بريكس» أصبحت منصة مهمة لمناقشة قضايا الأجندة العالمية    موقف رونالدو، تسريب تشكيل النصر السعودي أمام استقلال طهران بدوري أبطال آسيا    ظل كلوب يخيم على مواجهة ليفربول ولايبزيج    إثيوبيا تطلب استضافة كأس أمم أفريقيا 2029    «السكة الحديد»: بدء العمل بالتوقيت الشتوي الخميس 31 أكتوبر    جامعة بنها تستقبل وفد جامعة وسط الصين الزراعية لتعزيز التعاون المشترك    جامعة بنها تنظم قافلة طبية لعلاج أمراض العيون ب«ميت نما»    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    كلاب ربتها أمريكا.. شقيقة زعيم كوريا الشمالية تسب الجارة الجنوبية وأوكرانيا    قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية.. إيلون ماسك يتحدث عن إفلاس الولايات المتحدة    "العمل" تشرح خدماتها في التشغيل والتدريب المهني بدمياط    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    نائب محافظ المنيا يستعرض خطط وأنشطة المديريات لتفعيل مبادرة "بداية"    موجز الحوادث .. الحكم في قضية مؤمن زكريا.. والتصالح في قضية فتوح    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    هل يراجع «النقد الدولي» توقيت الاشتراطات مراعاةً لظروف مصر؟..عضو «اقتصادية الشيوخ» يكشف تفاصيل    الفنون الشعبية تستقبل تعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني بأسوان    «القومي للسينما» يعرض الأفلام الفائزة بمهرجان «بدر»    لقاءات تثقيفية وورش فنية متنوعة للأطفال بثقافة الإسماعيلية    حركة حماس: ما تشهده جباليا وبيت لاهيا انتهاك صارخ لكل القوانين    بوتين يدعو للارتقاء بمجموعة بريكس وتعزيز التعاون    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    «المحيربي»: مصر تلعب دور رائد بالشرق الأوسط في الطاقة المتجددة    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    أيمن الشريعي: الأهلي المنظومة الأنجح ولكن لا يوجد أنجح مني    إيران: جيراننا أكدوا عدم سماحهم استخدام أراضيهم وأجوائهم ضدنا    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    بيروح وراهم الحمام.. تفاصيل صادمة في تح.رش موظف في مدرسة بطالبات الإعدادي    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    بث مباشر.. وزير التربية والتعليم يلقي بيانا أمام الجلسة العامة لمجلس النواب    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    تعرف على أسعار السمك والمأكولات البحرية اليوم في سوق العبور    أخواتي رفضوا يعطوني ميراثي؟.. وأمين الفتوى يوجه رسالة    ضبط عاطل متورط في سرقة الأسلاك الكهربائية في المرج    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    حريق هائل بمخزن شركة مشروبات شهيرة يلتهم منزلين فى الشرقية    البيت الأبيض: ندعو جميع الأطراف للتعاون فى توزيع المساعدات الإنسانية بغزة    جوميز يستقر على بديل مصطفى شلبي في نهائي السوبر المصري    الأمم المتحدة تدين القصف الإسرائيلي العنيف للمناطق الحضرية والسكنية في لبنان    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    صحة كفر الشيخ: تقديم الخدمات الطبية ل1380 مواطنا بقافلة فى دسوق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حجازى أسطورة الكاريكاتير
نشر في الشعب يوم 12 - 11 - 2011

تناقلت الصحف خبر وفاة الفنان حجازى فى 21 أكتوبر الماضى، ونعاه محبوه وتلامذته الذين فقدوا «فنان الشعب» و«سيد درويش الكاريكاتير»، وتطايرت بعض رسومه الكاريكاتيرية هنا وهناك، رسوم منذ 25 عاما لكنها لا تزال صالحة للدهشة، حول البطالة والفقر والاستبداد، حول قانون الطوارئ، والفساد الحكومى وغيرها من التيمات التى يطلق عليها موضوعات الساعة. ثم جاء خبر وفاة فيلسوف الصحافة أنيس منصور، فطغت صفحات الرثاء على رسوم حجازى الطفولية الرقيقة، ولم لا، ألم يكن إهمال فن الكاريكاتير والتضحية به عند أول منعطف هى أحد أسباب عزوفه عن هذا الفن وانسحابه فى مسقط رأسه بطنطا؟! فبدت سخرية الأقدار كما لو كانت وفاته أيضا أرادها بدون ضجيج، بنفس الدماثة التى ميزت مسيرة حياته، وهو الذى جاء من كفر العجيزى إلى مدينة القاهرة الكبيرة، تلقفه حسن فؤاد فى مجلة التحرير ثم أحمد بهاء الدين فعمل فى كتيبة روزاليوسف فى سنوات زهوها فى الخمسينيات، وكان يخشى المؤسسات الكبرى كالأهرام والأخبار، ويقول «المجلة برضه متدارية» كما ذكر فى أحد حواراته.
ونعاه تلميذه فى فن الكاريكاتير عمرو سليم، كتب نصا يقطر حبا ويصرخ غضبا وحزنا كما لو كان يخشى متاجرة المتاجرين بسيرة حجازى وتاريخه، فالمصاب مصابهم هم أهل الكاريكاتير الذين يعرفون قدر فنان بقامة حجازى. نستريح جميعا لكل ذلك، أو نريح أنفسنا، أليس هو، حجازى، نموذج الناسك الذى يعطى ولا ينتظر مقابلا؟! أليس هو من اختار احترام الموت مثل أهله الفراعنة، حين عاد إلى جذوره الأولى لا ليعيش وسط أهله، الفلاحين، ولكن ليموت وسطيهم كما قال لوائل عبدالفتاح فى حواره معه؟!
حجازى.. معنى الحنين
ووسط ذلك كله تأتى زميلتنا المصورة رندا شعث بلآلئ صغيرة هى بعض ما كتب حجازى التى أنجزها للأطفال فى سنوات الثمانينيات، فتشعل الحنين من جديد. مثل لقية نادرة أخرجتهم من مكتبتها، وحرصت ألا تفرط فى إحداها خاصة فى عالم الصحافة حيث يعد اقتناص الكتب «حلالا» وهى مجموعة منتقاة نفدت من الأسواق كانت تصدرها دار الفتى العربى فى قطع متميز منها المتوسط الصغر الذى أصبح مألوفا فى كتب الأطفال اليوم ومنها الصغير بحجم نصف الكف الذى يناسب أصابع الطفل الصغيرة. يتصفح الزملاء بحرص كنوزها الثمينة، وهى التى عملت وهى لا تزال صبية غضة مع عمالقة صناعة الكتب ورسوم الأطفال مع محيى الدين اللباد وبهجاتوس وحجازى، واحتفظت لديها ببعض علامات الزمن الجميل. هنا كتيب صغير رسمه حجازى مع كلمات العملاق السورى زكريا تامر، وهنا «الحيلة الذكية» أو «الباذنجانة الزرقاء» فكرة زين العابدين الحسينى لتعريف الأطفال معنى المقاومة الفلسطينية وسبل الدفاع عن الأرض، وهنا كتاب من سلسلة «تنابلة الصبيان» الذى يعتبر بمقاييس اليوم ينتمى مبكرا لفن الكوميكس، وهى الشرائط المصورة الشبيهة بالسيناريو السينمائى المرسوم. أبدعها حجازى فى مجلة سمير للأطفال ثم فى سلسلة دار الفتى العربى الفلسطينية والتى قدمها حجازى فى صورة مرحة لا تخلو من عمق ومغزى، فى الوقت الذى كانت الشرائط المصورة إما مترجمة عن لغات أجنبية وإما قاصرة على بعض صفحات المجلات.
ونكتشف كيف يرتبط اسم حجازى بمعانى الحنين، مجرد النظر إلى إمضائه الشهير يستدعى الزمن الجميل ممزوجا بالألم، هذا الإمضاء الذى تستدير فيه الحروف تماما مثل رسومه للمرأة باستداراتها وأنوثتها الشعبية، واستدارات الطفل الذى يتحول لدمية حنونة من لحم ودم، والأشجار والطبيعة التى تستدير خطوطها لتصبح مثل أحلام الطفولة البعيدة (هل صحيح ما يقال إن الخطوط الهندسية دليل الحدة، بينما الاستدارات دليل على الميل العاطفى الإنسانى، أم هى مجرد أقوال جاهزة؟). وندرك أن المصاب لا يخص فقط رسامى الكاريكاتير الكبار منهم والشباب بل مصابنا أيضا، نحن من تربينا على رسومه الكاريكاتيرية فى مجلة صباح الخير أو قل لحقنا بها فى السبعينيات، فى زمن مدرسة روزاليوسف التى كانت صوت اليسار التقدمى فى الواقع السياسى المصرى. يعلق فى أذهاننا أسلوبه المتفرد فى رسم الشخصيات جامعا بين براءة الطفل وحكمة العجوز المتمرس، كنا صغارا وحين كبرنا عرفنا لماذا كان مختلفا عن عباقرة جيله أيضا قالها هو نفسه فى معرض حديثه حيث كان مجايلوه ينتمون إلى الطبقة المتوسطة، وكان هو الوحيد على حد قوله الذى ينتمى إلى الطبقة الفقيرة. كانوا جميعا أبطال مدرسة روزا يقدمون الكاريكاتير السياسى الاجتماعى، أما هو فكان شديد الوعى بطبقته، لا يرسم عن نموذج يدافع عنه ويتوحد معه، بل يرسم نفسه بصدق وبساطة. وكان أول من استحدث رسم الطبلية ولمبة الجاز ويوميات الأسر المصرية الفقيرة.
ثائر يعى متى يكون السكوت من ذهب
حنين موجع هذا الذى ينتاب الواحد منا أمام معضلة رحلته العكسية إلى الجذور، أمام عزوفه عن استكمال رسومه الكاريكاتيرية وسط شعور التكرار مع اللا جدوى الذى انتابه. كان مثل ناسك كسرته الهزيمة، ثم مبادرة السلام مثل مثقفين كثيرين، لكنه لم يكن مثل أحد. ظل يقاوم برسومه ضد الظلم والفقر والاستبداد، حتى نفذت ذخيرته («قلت ما عندى» كما كان يردد عند سؤاله عن سر اعتكافه فى أوج نجاحه). هل كانت الكآبة واليأس هما سر الانسحاب كما يحلو للبعض أن يردد، أو كما كان يقول إنه انتهى مما عنده ولا يريد أن يعيد نفس القضايا والمشاكل التى لا يراد لها حلا؟ أم أنه هذا الثائر الذى صار الكاريكاتير عنده مثل الكلام الذى يزنه بميزان من ذهب، لا إفراط فيه وإلا أصبح ضجيجا بدون طحن. ولكنه مع ذلك استمر فى تقديم رسوما للأطفال فى مجلة ماجد أو علاء الدين، أو قد يفاجئ أشقاءنا الأحدث عمرا ببوستر يقدم لهم فيه لوحة خلابة لمدينة القدس الفلسطينية، فقد صار الرهان على العقول الصغيرة، على هؤلاء الذين إذا وعوا الواقع ربما نجحوا فى التغيير. وهو ما جعله يواجه الصمت العربى تجاه القضية الفلسطينية بمجموعة أعماله «اللقية» التى صدرت فى الثمانينيات عن دار الفتى العربى. نفدت تلك الأعمال النادرة وكم تحتاجها أجيال اليوم فى طبعات جديدة، هذه الأجيال التى لم تعرف حجازى والتى حرمت من نعمة الحنين.
ادخر حجازى حسه الثورى وحفظه من إحباطات الكبار ليتوجه به للأطفال والشباب، ففى أحد أعماله للأطفال بعنوان «حيلة ذكية» يعطى المساحة كاملة لبطل المستقبل، للطفل الذى كبر فى سنوات الثمانينيات على كتب حجازى تعلمه ما هى فلسطين، وتبث فيه روح الفعل. يستهل الكتاب الذى يعتمد فقط على الرسوم بهذه الكلمات: «الكبار يعرفون كيف يقاتلون الأعداء بطرق ووسائل عديدة. ونحن الصغار لنا أيضا حيل ذكية ووسائل بسيطة نقاتل أعداءنا: أعدائنا الكبار والصغار من شعبنا». فيصور الطفل الذى يرى بعينيه أسلحة الإسرائيليين مشهّرة فى وجه أهله وشقيقته الصغرى يعترضها جنود العدو يفتشون حقيبة المدرسة، فيلجأ لحيلة ذكية فيجمع ثمار الباذنجان التى تشبه القنابل التى تحملها العدو، ليهدد بها الجنود حين يلقيها عليهم فى الظلام، فيفروا هاربين أمام تصميم وثقة الطفل البطل.
أما قصة «تمبول الأول» الحلقة الأولى من سلسلة تنابلة الصبيان، وهى القصص المصورة التى برع فيها حجازى، فيقدم فيها قصة ثورة الشعب على الحاكم الجائر «تمبول» وإخوته شملول وبهلول. يعطى حجازى البطولة للشعب الذى ضاق من الأدوار الهامشية فى أكثر من نظام عربى، وحلم حجازى معه أن يتحرر من قهر حكامه المستبدين، فصور تذمر الشعب من غلاء الأسعار وثورة الفقراء، ومظاهراتهم التى وصلت إلى القصر، وبطش العسكر بهم، وهروب الوزراء، ثم النهاية السعيدة استولى الشعب على الحكم وطرد التنابلة ويردد الشعب فى النهاية: «خلاص مافيش تنابلة بعد النهاردة، واللى يحكمنا واحد مننا بالعدل، من غير سجن ولا سجانين».
نم مطمئنا يا حجازى، فقد زرعت فى الأجيال التى تناولتك رغم ما عرف عنك من مرارة واكتئاب روح الثورة والإيمان بالثورة، تحقّق جزءٌ من حلمك، وسيكمل أبناؤك باقى الحلم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.