لاشك أن تصويت الطيور المسافرة فى السفارات فى دول المعيشة أو المهجر هو حلم يساور ليس فقط كل مصرى و لكن جميع الجنسيات. لكن تحقيقه يصطدم بمعوقات تنظيميى تصل لدرجة المستحيل خصوصا فى الحالة المصرية. والمشكلة الأكبر هى أن هذا الإقتراع لو تم يخلق ثغرات فى الثوب القانونى للإنتخابات يهدد بإلغاء العملية الإنتخابية برمتها فى الداخل والخارج. وليس أدل من عدم تنظيم أى دولة من الدول المعتبرة ديموقراطيا مثل هذا المشروع. وتعلو الأصوات (زورا) بالقول إن رعايا الدول الديموقراطية فى الخارج يصوتون وهاهى السودان وأخيرا تونس قد سبقتا بإتاحة الفرصة لرعاياها. وهى ظواهر حق يراد بها باطل إذا عرفنا كيفية قيام رعايا هذه الدول بالتصويت. كيف يصوت مغتربى الدول الديموقراطية فى الإنتخابات؟ : بعد بحث متواضع لم أقف على أى دولة من الدول الرائدة فى الديموقراطية يقوم مواطنوها بالتصويت فى الإنتخابات البرلمانية أوالرئاسية فى سفاراتها بالخارج. النظام المعمول به فى الإنتخابات الأمريكية والأوروبية ومنها البريطانية (أقدم الديموقراطيات الحديثة) هى قيام الناخب بمخاطبة لجنة الإنتخابات فى المنطقة السكنية الت يسكن بها فى الوطن فتقوم اللجنة يإرسال ورقة الإقتراع له بالبريد فيسجل صوته فيها ثم يعيدها بالبريد مرة أخرى. لن أقول لك ماذا يمكن أن يحدث من تزوير فى بلادنا من هذا الباب ولكن أحيلك إلى كم الشكاوى التى يرفعها مواطنوا هذه الدول ضد اللجان الإنتخابية إما من عدم إستلام الأوراق فى الوقت المناسب أو عدم ووجود آلية و ضمانة لوصول أوراق الإقتراع فى الوقت المناسب وأخذها فى الإعتبارعند فرز الأصوات. بعض الدول توفر رجل أمن فى السفارة يجمع أوراق الإقتراع فى مقر السفارة مثل أستراليا. ولكن طبعا فى ظروفنا الراهنة ليس لدينا ثقة لا فى البريد ولا رجل الأمن. ولذا يتبين أن هذه الطريقة لاتصلح بالمرة فى الحالة المصرية. بعض التجارب الأخرى مثل السودان وتونس : ضرب المثل بإنتخابات السودان وتونس هو خداع محض وإستغلال لعدم إطلاع البعض على دقائق الأمور وذلك نظرا لإختلاف الظروف فى الحالتين عن الحالة المصرية. فالإنتخابات السودانية التى شارك فيها السودانيين فى الخارج هى إنتخابات رئاسية وليست برلمانية أى صندوق واحد لكل سفارة. أما الإنتخابات التونسية فصحيح أنها كانت برلمانية لكنها كانت لإختيار ممثل لمغتربى هذا البلد فى البرلمان. أى إنتخابات فى صندوق واحد.هذا الوضع مختلف تماما عن وضع الإنتخابات المصرية لأن الإنتخابات المصرية مثلها مثل الإنتخابات الأمريكية والأوروبية يصوت الناخبون المغتربون على ممثلين لهم فى المناطق الجغرافية فى الوطن. تحديات تصويت المصريين فى الخارج : هناك تحديات تنظيمية كبيرة جدا تجعل من إجراء الإنتخابات عملية مستحيلة ولكن الأهم من ذلك أن إجراء الإنتخابات للمغتربين توفرثغرات قانونية تجعل هذه المشاركة نقطة ضعف فى شرعية وقانونية الإنتخابات كلها .و تفتح الباب لإبطال هذه الإنتخابات وحل البرلمان بعد إنتخابه. وهذا هو السبب الرئيسى لعدم إجراء الدول العتيدة ديموقراطيا إنتخابات فى سفاراتها فى الخارج. التحديات التنظيمية : إذا علمنا أن عدد دوائر مجلس الشعب للقوائم والفردى 184 وعدد السفارات والقنصليات حوالى 145 لعرفنا ماذا يعنى مشاركة المصريين بالخارج فى الإنتخابات البرلمانية. فإذا كانت الإنتخابات المحلية بها 184 صندوق إنتخابى موزعة على جميع المحافظات تطلبت 43 يوما على ثلاثة مراحل وأكثر من نصف الهيئات القضائية لإجرائها فما هو الوقت والجهد المطلوب لإجراء الإنتخابات فى 145 مركز إقتراع كل مركز يحتوى على 184 صندوق أى 26,680 نقطة إنتخابية. أى ببساطة 145 مرة الإنتخابات التى ستجرى فى الوطن كله. حتى لو قسمت على مراحل فإنها تظل مهمة مستحيلة ومكلفة وكم تحتاج من رجال الهيئات القضائية. العيوب القانونية التى ستتسبب فى إلغاء الإنتخابات بالكامل : أى إخلال بواحد أو أكثر من مبادئ المساواة وتكافئ الفرص يتيح الفرصة للمتضرر للطعن فى شرعية الإنتخابات والمطالبة بإبطالها و إعادتها. مبادئ المساواة و تكافؤ الفرص للمصريين بالخارج : إذا كنا نسعى لحق المصريين فى الخارج للتصويت فيجب أن تكون الفرصة متاحة للجميع بتحقيق التالى: · أن يتم إجراء الإنتخابات فى كافة دول العالم بغض النظر عن وجود سفارة أو قنصلية وبغض النظر عن عدد المغتربين فى هذه الدولة · أن يتم إجراء الإنتخابات على جميع ال 184 دائرة فى كل بعثة لإن المغتربين من كافة أنحاء مصر · تيسير وصول الناخبين لنقاط الإقتراع (بتوفير وسائل مواصلات أو تحمل التكلفة) و أن يتم تنظيمها فى يوم عطلة رسمية الثغرات القانونية المعتبرة: أى شبهة أو ظروف تتيح لمن تسول له نفسه العبث بصناديق الإقتراع يعطى الفرصة للطعن بشرعية الإنتخابات. · سيحتج المواطنون الذين يعيشون فى الدول التى ليس لنا بها سفارات أو ممثليات لعدم إتاحة الفرصة لهم للتصويت · سيتحج المواطنون متدنى ومتوسطى المعيشة (ليس كل من بالخارج من الأغنياء) لعدم توفير وسائل نقل أو تحمل تكاليف الإنتقال إلى مراكز الإقتراع وستصبح الإنتخابات لمن يستطيع تحمل تكلفة الإنتقال والإقامة فى العاصمة · لنا أن نتصور إجراء الإنتخابات البرلمانية فى دولة مثل إسرئيل ومشاركة الآلاف من أبناء المصريين من أم إسرائيلية أو أب إسرائيلى فيها · هناك الكثير من المصريين الذين لايملكون محل إقامة ثابت فى مصر أو حتى بطاقة رقم قومى وهؤلاء لن تتاح لهم المشاركة · هل سيتم الفرز فى البلد الأجنبى أم سيتم نقل الصناديق؟ كلاهما غيرقانونى حسب القوانين المعمولة بها حيث يجب أن يكون فرز الصناديق فى اللجان الرئيسية فى المحافظات فما هى اللجان الرئيسية فى الدول المختلفة إلا اللجنة الرئيسية بالقاهرة. وأثناء نقل الصندوق يجب أن يرافق القاضى الصندوق وتكون عينه عليه دائما أى لايكون هو فى مقعده والصندوق فى باطن الطائرة. فكلا الحلين مطعون فيه قضائيا. أما القول بسن تشريعات مثل تونس لإنتخاب ممثلين للمغتربين فهذا الإقتراح سيحتاج لوقت طويل لتعريف الدوائر وعدد الممثلين وإعادة فتح باب الترشيح أى إفساد العملية الإنتخابية بالكامل وتعطيل تسليم السلطة. الخلاصة إن إجراء الإنتخابات فى السفارات ليس إجراءا عمليا ولا مضمون النزاهة ولا تتحقق فيه المساواة وإتاحة الفرصة لكافة المواطنين فضلا عن أنه لم يسبقنا لهذ المشروع أى من دول العالم. أما أخطر مافى الموضوع فهو أن إجراء الإنتخابات فى الخارج سيفتح الباب على مصراعيه للطعن أمام القضاء إما بالتزوير أوبالإخلال بمبدأ تكافؤ الفرص. مما قد يتسبب بحل البرلمان وإعادة الإنتخابات وإعادة مصر للوراء فى طريق تسليم السلطة. الغريب هو موقف حكومة الدكتور عصام شرف المرتعشة والمتسرعة التى أعلنت قبولها بالحكم القضائى وبحث إمكانية تطبيقه وعدم وجود نية للطعن فيه. وتركت اللجنة الإنتخابية لتتصدى للإعلان بصعوبة تحقيق ذلك. ولن يكون غريبا أن يتحمل المجلس العسكرى المسؤولية ويتبنى صوت العقل ويطلب من الحكومة الطعن على الحكم القضائى .وكالعادة ستخرج الإتهامات الشهيرة "المجلس العسكرى يضغط على الحكومة " لابد أن يتحرك الجميع لعمل ما يلزم لإنقاذ الإنتخابات وحماية البرلمان من أى حكم قضائى بحله. وعلى الجميع تحمل المسؤولية للخروج من هذا المأزق بتبنى موقف سياسى بناءا. ولكن من يستطيع مواجهة الإتهامات الباطلة فى مثل هذه الأجواء التى تغلب عليها المزايدة السلبية؟