الحوارات التي شهدتها اجتماعات “منتدى أمريكا والعالم الإسلامي” الذي عقد بالعاصمة القطرية كشفت عن مجموعة من الحقائق المهمة أبرزها على الاطلاق أن العالم الاسلامي في حاجة ماسة للحوار مع نفسه، وأن غياب لغة خطابية إسلامية مشتركة، ولا نقول واحدة، يؤدي إلى إفشال أي حوار مع الأطراف الأخرى. فالمسلمون لا يتحدثون بمفاهيم واحدة، ولا تحركهم دوافع ومصالح واحدة، وليس أدل على ذلك من حالة الارتباك الحالية في التعامل مع قضية الفتنة الطائفية الحالية التي تهدد وحدة واستقرار واستقلال العراق وتكاد تنتشر منه إلى معظم دول الجوار ومنها إلى باقي دول العالم الإسلامي. وليس أدل على ذلك أيضاً من حالة الغموض البائس في مواقف الدول الإسلامية من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة جراء عمليات الهدم التي تستهدف المسجد الأقصى المبارك.
كيف يمكن للمسلمين شعوباً أو حكومات أن يتحاوروا مع الآخر سواء كان أمريكياً أو أوروبياً أو آسيوياً أو إفريقياً وهم ليسوا على قلب رجل واحد، وهم عاجزون عن الحوار مع النفس. من هنا يجب الإمساك بالخيوط المهمة التي خرج بها الحوار المشار إليه للدعوة إلى تطوير منظمة مؤتمر العالم الاسلامي التي لم تستطع ان تفعل شيئاً في القضيتين المشتعلتين الآن: قضية تفجر الصراع المذهبي وقضية العجز عن حماية المسجد الأقصى، وإذا كانت هناك ترتيبات يجري اتخاذها الآن لعقد مؤتمر قمة إسلامي في مكةالمكرمة تستضيفه المملكة العربية السعودية، ويسبقه اجتماع على المستوى الوزاري أعلن عنه وزير خارجية باكستان تستضيفه بلاده هدفه التنسيق بين الوزراء قبيل اجتماع القمة الإسلامية، فمن الضروري ان تبادر منظمة المؤتمر الإسلامي إلى عقد مجموعة من الندوات وورش العمل للمتخصصين من الخبراء والعلماء للبحث في كافة القضايا الخلافية والوصول إلى مفاهيم مشتركة حول تلك القضايا، تنير الطريق أمام القادة، لأن مؤتمر القمة مطلوب منه اتخاذ قرارات، وليس البحث في تفاصيل وتعقيدات تلك القرارات.
بعد كل تلك السنوات من الفتنة الكبرى مازلنا ننقسم إلى سنة وشيعة، في وقت يدرك فيه العلماء انه ليس هناك أي اختلافات ذات معنى في أصول العقيدة، وأن الخلافات الفقهية بين المذهب الإمامي الجعفري الاثني عشري وأى من مذاهب أهل السنة لا تزيد كثيراً عما بين هذه المذاهب من خلافات، بما يؤكد أن الإسلام والفقه الإسلامي بريئان كل البراءة من كل الذين يتصارعون حول السنة والشيعة، وأن كل هذه الخلافات سياسية وليست دينية أو فقهية.
نحن الآن في مرحلة من مراحل الانحطاط تلك، ولذلك لم يكن غريباً ان يتزامن تفجير الفتنة السنية الشيعية مع العجز والتخاذل عن النهوض لإنقاذ الأقصى، ولن يفيدنا كثيراً ان نتوجه بخطابنا إلى الأمريكيين قبل ان نتحاور مع أنفسنا. وإذا كانت باكستان قد أخذت زمام المبادرة للدعوة إلى عقد اجتماع تنسيقي لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي يسبق اجتماع القمة الإسلامي المأمول انعقاده في مكةالمكرمة، فمن الضروري ان تبادر احدى الدول العربية أو الإسلامية عن طريق أحد مراكز البحوث والدراسات لتنظيم ورش عمل لمناقشة القضايا الأهم التي ستعرض على أجندة القمة الإسلامية.