تتصاعد حدة الأزمة الراهنة بين المملكة العربية السعودية ولبنان ، منذ أن طل علينا "سعد الحريري" أبن الراحل "رفيق الحريري" ، معلنًا استقالته من العاصمة "الرياض" ، مرجعًا اسباب الاستقالة إلى توغل وانتشار وسيطرة حزب الله على مفاصل الدولة اللبنانية ، مشيرًا أيضا لوجود محاولات لأغتياله . وفي ذلك الشأن تطرق الكاتب "روبرت فيسك" إلى ليلة سقوط "الحريري" في أروقة القصر الملكي في العاصمة الرياض ، في مقالًا نشرته جريدة" إندبندنت"، وسرد الكاتب تفاصيل الساعات الأولى لهبوط طائرة الحريري مطار الرياض ، وكأنه كان أحد أفراد فريق الحريري، ويُعرف عن روبرت فيسك معرفة بكافة الجوانب السياسية للوطن العربي . و في مقال "روبرت فيسك" ، تطرق إلى جميع الجوانب التي أدت لأندلاع الأزمة بين الرياضولبنان، والتي صُبغت بجانب مالي أكثر من كونه جانب سياسي، أو معادةً لحزب الله ، وكان ولي العهد بن سلمان هو العقل المدبر لخطة السيطرة على السعودية ومواردها وربط الكاتب الأزمة بحملة الفساد المزعومة في السعودية التي اعتقل على أثرها عشرات الأمراء ورجال الأعمال . ووصف "فيسك" ما جرى في السعودية منذ أسبوع أو اكثر ، بأنه "مثل دراما تلفزيونية، التي تم عرضها في السعودية خلال الأسبوع الماضي، وشملت حلقاتها على اعتقال 11 أميرا، من بينهم الملياردير الأمير الوليد بن طلال وأربعة وزراء وعدد من المتزلفين السابقين في الحكومة، وتجميد حسابات 1700 شخص في البنوك"، موضحًا أن "(ليلة السكاكين الطويلة) لولي العهد محمد بن سلمان، بدأت قبل ساعات من وصول الحريري للرياض، والسؤال هو ما الذي يريده ويخطط له؟". ويجيب فيسك قائلا: "يريد بطريقة واضحة ووقحة أن يقضي على منافسيه، ويخشى اللبنانيون أنه يريد تدمير الحكومة اللبنانية، وإجبار حزب الله على الخروج من الحكومة وإشعال حرب أهلية". ويعلق الكاتب قائلا: "لن ينجح؛ لأن اللبنانيين، وإن لم يكونوا أغنياء، إلا أنهم أذكى منه، فكل حزب سياسي في لبنان، بما فيها حزب الله، يطالب بعودة الحريري، وبالنسبة للسعودية فمن قالوا إن الثورة العربية ستصل يوما إلى الرياض -ليس من خلال الأقلية الشيعية- بل بحرب داخل العائلة السنية الوهابية، فإنهم يراقبون التطورات بحس من الصدمة والدهشة".
وسرد الكاتب في مقاله ، تفاصيل الساعات الأولى قبل هبوط طائرة الحريري مطار الرياض قائلًا "عندما هبطت طائرة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري في مطار الرياض في 3 من نوفمبر، كان أول شيء شاهده هو مجموعة من الشرطة السعودية تحاصر طائرته، وصعدوا إلى طائرته، وصادروا هاتفه النقال، وتلك التي يحملها حرسه الشخصي، وبهذه الطريقة تم إسكات رئيس الوزراء". ويشير فيسك إلى أن "الحريري كان في اجتماع للحكومة يوم 3 نوفمبر عندما تلقى مكالمة تطلب منه السفر لمقابلة الملك سلمان، وسافر الحريري، الذي يحمل مثل والده رفيق الحريري الجنسية اللبنانية والسعودية، حالا، فلا ترد طلب ملك حتى لو زرته قبل أيام، كما فعل الحريري، خاصة أن الحكومة السعودية مدينة لشركة الحريري (أوجيه) بمبلغ 9 مليارات دولار، وهذه هي الحال التي وصلت إليها السعودية فيما يطلق عليه: المملكة الفقيرة للمال، وما حصل بعد ذلك، وكان فعلا خارقا للعادة، ظهر الحريري فجأة وهو يقرأ نصا معدا، وأعلن من السعودية يوم السبت، وعبر قناة سعودية -التي تملكها المملكة- أنه استقال بصفته رئيس وزراء لبنان، وقال إن حياته تعرضت للخطر، مع أن هذه كانت مفاجأة للقوات الأمنية اللبنانية، ويجب على حزب الله نزع أسلحته وفي كل مكان تدخلت فيه إيران في الشرق الأوسط انتشرت الفوضى". ويقول الكاتب إن "حزب الله لن يتخلى عن سلاحه دون حرب أهلية جديدة، ولأن الجيش لن يقوم بمهاجمته؛ لأن الكثير من الشيعة من أفراده". ويعلق فيسك قائلا: "هذه ليست الكلمات التي استخدمها الحريري من قبل، ولم يكتبها بنفسه، وكما قال شخص يعرفه (ليس هو الرجل الذي تكلم)، وبعبارة أخرى فقد أجبره السعوديون على الاستقالة وقراءة النص علنا من الرياض، وما يزيد من مشكلته أن زوجة الحريري وعائلته تقيم في الرياض، ولو عاد الحريري، فإنه سيتم احتجاز عائلته رهينة هناك، وبعد هذه المهزلة السياسية، التي مضى عليها أسبوع، فإن هناك حديثا في الأوساط السياسية اللبنانية عن الطلب من شقيقه بهاء أخذ مقعده في الحكومة، لكن ماذا عن سعد، فمن تحدثوا معه قال لهم إنه (في وضع جيد)، و(سأعود)، ولو عاد فهل سيقول إنه أجبر على الاستقالة، وهل سيتجرأ السعوديون على السماح له بالمغادرة؟". ويؤكد الكاتب أن "الحريري لم يكن يتوقع ما حدث له، فسيلتقي يوم الاثنين بصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في سلسلة من النقاشات حول تحسين نوعية المياه، وهي ليست تصرفات رجل كان يخطط للاستقالة من رئاسة الحكومة". ويلفت فيسك إلى أن "الكلمات التي قرأها الحريري -أعدت له مسبقا- وهي تشبه خطابات ولي العهد ابن سلمان، وتشبه كلام الرئيس الأمريكي المجنون دونالد ترامب، الذي يتحدث عن إيران بالغضب ذاته، وكذلك وزير الدفاع الأمريكي". ويقول فيسك إن "واشنطن أو لندن لن تحتجا، خاصة أنهما تريدان الحصول على حصة من أسهم شركة النفط العملاقة (أرامكو)، وبالنظر إلى الطريقة المتملقة التي نشرت فيها (نيويورك تايمز) خطابات الأمير ابن سلمان، فلن تكون هذه هي الحال في الانقلاب الذي قام به، حيث قام بالإطاحة بولي العهد ووزير الداخلية محمد بن نايف، والآن يقوم بالتخلص من المنافسين الماليين له". ويستدرك الكاتب بأن "الرجال القساة يتسمون بالتواضع، حيث سمح للحريري بمقابلة الملك سلمان، وهي الهدف المعلن لزيارته، وسافر للإمارات لمقابلة ولي العهد في أبو ظبي، حليف ابن سلمان، وما الداعي لهذه الزيارة، هل لإثبات أنه حر مع أنه لا يستطيع العودة لبلده". ويختم فيسك مقاله بالقول إن "لبنان مر بالكثير من الأزمات منذ نشوئه، لكن الأزمة هذه المرة حقيقية".