الأحداث التي وقعت مواكبة للتجمع المليوني في التحرير (لا يقل عن ربع مليون) وتحطيم الجدار وإنزال العلم الإسرائيلي واقتحام السفارة الإسرائيلية بصورة سلمية. الأحداث التي واكبت ذلك كانت غير طبيعية وتستهدف تخريب المسار الرائع لذلك اليوم، وبالأخص تلك العملية المريبة التي استهدفت مديرية أمن الجيزة، ورغم أن هذا الحدث ملاصقا جغرافيا لمكان السفارة الإسرائيلية إلا أنه منفصل عنه تماما في الأهداف وفي نوعية المشاركين. ولكن مهما توصلت إليه التحقيقات في هذا الموضوع، فإن استعادة استقرار لن تكون بالعودة لسياسة القبضة الحديدية، فسياسة القبضة الحديدية فاشلة على المستوى التاريخي العام، وفاشلة بشكل خاص في مصر بعد 25 يناير. لقد قال عمر بن الخطاب يوما لأحد الولاة "حصنها بالعدل"، فحل المشكلات بالعدل هو الذي يحصن البلاد من أي اضطراب أمني أو أي حالة من حالات عدم الاستقرار. وبالتالي فإن سلسلة التهديدات بتفعيل القانون وحالة الطوارئ وإجراءات الأمن التي صدرت مؤخرا عن المجلس العسكري لن تخيف أحدا، ولن تزيد الموقف إلا تعقيدا، قلنا لنظام مبارك من قبل إنك لن تستطيع أن تحبس شعبا بأسره، ونقول لأبناء مبارك إنكم لن تستطيعوا أن تحبسوا شعبا بأسره، والأمر أصبح واضحا للعيان بعد 25 يناير. فعشرات الآلاف من المعلمين مثلا الذين خرجوا منذ يومين مطالبين بحقوقهم.. من الذي يستطيع أن يمنعهم أو يعتقلهم. لقد ارتكب المجلس العسكري خطأين كبيرين وهو الذي يدفع ثمن ذلك الآن، وإذا لم يتدراكهما سينفد رصيده تماما، ويصبح هدفا لجموع الشعب، كما بدا واضحا في تجمع ميدان التحرير الجمعة الماضية. الخطأ الأول أنه تباطأ في تسليم السلطة، وهذا أدى إلى استطالة الأوضاع الانتقالية والأوضاع الانتقالية بطبيعتها لا تسمح بانطلاق مسيرة البلاد إلى الأمام. ولا تسمح بحل حقيقي للمشكلات المزمنة وما أكثرها لأنها تحتاج لحكومة مستقرة وشرعية. أما الخطأ الثاني فهو العجز عن حل المشكلات الطارئة والتي هي من صميم عمل الحكم الانتقالي. أي باختصار شديد: الحكم العسكري لم يسلم السلطة خلال 6 شهور كما وعد أول مرة ويخطط للاستمرار في الحكم 3 أو 5 سنوات، وفي نفس الوقت يعجز عن إدارة البلاد بصورة مرضية، ويعجز عن تلبية طموحات الثورة. وبالتالي فإن الإكثار من التهديدات يزيد الأمور تعقيدا. إن تحديد موعد قاطع للانتخابات وإقرار قانون مجلس الشعب وفقا لرأي القوى الشعبية بالقوائم النسبية، يؤدي فورا إلى حالة من الاستقرار لأن الناس ستنشغل جميعا وفورا بالتحضير للعملية الانتخابية والدعاية الانتخابية، أما حالة التسويف والغموض المستمرة هي التي تستدعي تفكير الناس في المزيد من المليونيات والوقفات والاعتصامات.. إلخ.