يعيش قطاع غزة أزمة سكانية صعبة ، فمساحته التى لم تتجاوز مساحة 360 كم مربع ، تضم الآن مليوني نسمة ، بعدما أعلنت وزارة الصحة ، إتمام المليون الثاني بعد تسجيل طفل جديد لسجل المواليد. حيث أنه كل عام يزيد المواليد في قطاع غزة 50 ألف نسمة وهذا يستدعي وضع خطط للبنية التحتية تكون جاهزة على أبعد تقدير بعد 6 سنوات، لأن أطفال عام 2016 سيدخلون المدرسة في عام 2022 لذلك يجب البدء في التخطيط لبناء مدارس تستوعب عدد المواليد وهذا الأمر شبه مستحيل فى ظل وجود تهديدات الاحتلال الصهيوني. و بمشاعر المحبة والسعادة الممزوجة بألم الماضي وذكرياته الأليمة، تمم الطفل "وليد جهاد شعت" المليون الثاني من تعداد سكان قطاع غزة، مُدخلاً بميلاده البهجة والسرور على قلب والديه وعائلته بشكل خاص وأهالي القطاع بشكل عام. الطفل "وليد" مولود فلسطيني من عشرات الأطفال الذين يولدون بمستشفيات قطاع غزة يومياً، يبصرون نور الحياة في هذا القطاع المحاصر جغرافياً ومكانياً. وعلى الرغم من تجاوز سكان قطاع غزة ل2 مليون نسمة، إلا أن الأمر لا يبدو بشكله الإيجابي في ظل استمرار الحصار والاحتلال وتفاقم الازمات التي يعاني منها القطاع. وظهرت في الآونة الأخيرة العديد من التقارير الدولية تؤكد صعوبة العيش في قطاع غزة نتيجة المشاكل الناجمة عن تفاقم الأوضاع الراهنة في السنوات القادمة. فرحة من رحم المعاناة لم تكن ولادة الطفل "وليد" ولادة عادية، ولم يكن "وليد" نفسه مولوداً عادياً، لا لشيء إلا لأنه المتمم للمليون الثاني من سكان قطاع غزة، فضلاً عن كونه المولود الثاني لوالده الذي عاش واحدة من قصص المعاناة التي يعايشها الشعب الفلسطيني بشكل يومي في ظل الحصار والحروب. يعد الطفل "وليد" المولود الثاني لوالده، حيث جاء بعد عام من زواجه للمرة الثانية بعد وفاة زوجته ونجاته من الموت هو وطفله خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة عام 2014. والد الطفل الشاب "جهاد شعت" يروي قصته وبعض تفاصيل عن حياته قائلاً: "رُزقت بفضل الله بالطفل وليد ومن قبله بسنوات قليلة أخوه المعتصم بالله الأكبر، والذي تلقي جرعة الحياة من حضن أمه التي حمته بجسدها من الصواريخ الإسرائيلية التي فتتت جدران منزلنا المتواضع في منطقة "قيزان النجار" بين محافظتي خانيونس ورفح جنوب القطاع". وأضاف جهاد: "عاش معتصم واستشهدت والدته بعدما نقل بسيارات الإسعاف إلى مستشفى ناصر بمدينة خانيونس، كما أصبت أنا بجراح متوسطة، فعاش معتصم يتيماً بعدما فرّقت صواريخ الغدر بينه وبين أمه التي قدمت روحها من أجل أن يعيش". وأضاف "شعت": "تزوجتُ بعد عام وأنجبت قبل عدة أيام أخاً لمعتصم أطلقنا عليه اسم وليد وكان من حسن حظه أن يُسطر اسمه في التاريخ بكونه المولود رقم 2 مليون من سكان هذا القطاع المحاصر ويذكره كل أبناء هذا الوطن". بدورها عبرت والدة الطفل "وليد" عن فرحتها بهذا المولود، متمنية له ولكل أطفال فلسطين العيش باطمئنان وسلام وبمستقبل مشرق بعيداً عن قهر الاحتلال والحصار. وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الداخلية أعلنت في إحصائية رسمية أن الطفل "وليد جهاد شعت" كسر حاجز رقم المليون الثاني من سكان قطاع غزة، كما زار وفد من الوزارة عائلة الطفل الوليد لتهنئتهم بقدومه مُقدمين هدية رمزية لهم. الإيجابيات والعقبات بعد المليون الثاني ويرى الكثير من المختصين أن ارتفاع زيادة المواليد يساهم في تعزيز مقاومات الدولة "بشرياً وانتاجياً" بينما الزيادة في قطاع غزة تزيد من الأعباء والهموم على الآباء في ظل ما يعانيه القطاع من ارتفاع معدلات البطالة والفقر المدقع. من جهته أكد الخبير الاقتصادي "ماهر الطباع"، أن الزيادة في ارتفاع المواليد بقطاع غزة لا بد أن يوازيها تحسين للبنية التحتية وإلا فإن الزيادة ستكون عبئاً كبيراً. وأوضح "الطباع" ، أن تجاوز المواليد في القطاع ل2 مليون نسمة في ظل استمرار وتفاقم الأزمات التي يعاني منها القطاع ستكون عبئاً كبيراً خاصة على الآباء والحكومة. وقال أنه في عام 2007 تم وضع إحصائية لعدد السكان لا تتجاوز المليون وال500 ألف نسمة، بمعنى أن ال10 سنوات الماضية زادة فيه نسبة المواليد نصف مليون نسمة وهذا النسبة المرتفعة حرمت الكثير من المواطنين الحصول على حقوقهم خلال الأعوام الماضية للكثير من العوامل أهمها الاحتلال والحروب وعدم تعزيز البنية التحتية وزيادتها. وأضاف "الطباع"، أن قطاع غزة يعاني من تفاقم أزمة الكهرباء والماء، إضافة إلى توقف بناء البنية التحتية منذ بداية الحصار الإسرائيلي قبل أكثر من 10 سنوات، فالقطاع يحتاج إلى "مدارس ومستشفيات وطرق وحدائق وجامعات ومصانع ..إلخ" لاستيعاب الأعداد الهائلة كل عام من المواليد. فيما اعتبر عدد من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" بأن ارتفاع معدلات المواليد في قطاع غزة سيكون له آثار إيجابية في المستقبل، خاصة للضغط على الاحتلال الإسرائيلي فيما يعرف "بالتضخم السكاني"، أو الانفجار السكاني الذي تخشاه "إسرائيل" من وقت لأخر. قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة جاء في تقرير للأمم المتحدة العام 2012 بعنوان "غزة في عام 2020 هل ستكون مكاناً ملائماً للعيش؟" أنه وبحلول عام 2020 سيرتفع تعداد سكان القطاع إلى مليونين ومائة ألف نسمة، مشيراً إلى أن البنى التحتية الأساسية كالكهرباء والمياه والصرف الصحي والخدمات الاجتماعية لا تكفي لمواكبة احتياجات الأعداد المتنامية للسكان، إذ يحتاج القطاع إلى كميات مضاعفة من الكهرباء ومئات المدارس والمستشفيات الجديدة وآلاف الوحدات السكنية بحلول العام 2020. وأضاف التقرير :"أصبحت غزة منطقة حضرية كثيفة تواجه نقصاً حالياً في عدد الوحدات السكنية يُقدر بحوالي 71 ألف وحدة سكنية". ويُرجع مختصين هذه الزيادة السنوية بعدد المواليد والسكان إلى ارتفاع خصوبة الفلسطينيين في القطاع ، حيث أشارت المديرة التنفيذية لجمعية تنظيم وحماية الأسرة "ميسر أبو معيلق" إلى أن نسبة الخصوبة لدى أهالي غزة منذ فترة طويلة تصل إلى 5.7 مضيفةً :"حسب عملي فإن وسائل تنظيم الأسرة في كافة العيادات الحكومية والتابعة لوكالة الاونروا متوافرة، لكن هناك أسباب أدت إلى زيادة الخصوبة، بفضل العادات والتقاليد الشرقية فإن العائلات الفلسطينية تُحب الإنجاب، إذ أنه ما بين 5 الى 6 أفراد يعتبروه ليس عدداً كبيراً. وأكدت "أبو معيلق" أن المعدل يُعتبر مرتفعاً بالنسبة للدول المتقدَّمة التي تتمتع بدخولٍ مرتفعة، غير أنه وبالنسبة لقطاع غزة بالتحديد تُعتبر مرتفعة جداً نتيجة الحصار والفقر المدقع ونسبة البطالة العالية وتدني دخل الفرد. وحذرت من تفاقم المشاكل الصحية، والاجتماعية كالطلاق، ناهيك عن المشاكل التعليمية بسبب ارتفاع عدد الطلاب في الفصول الدراسية، في ظل عدم وجود سياسات سكانية حكومية واضحة وضيق قطاع غزة وازدياد متطلبات الحياة والأوضاع الصعبة. ارتفاع الكثافة السكانية يشكل عبئاً اقتصادياً يعد قطاع غزة من أكثر المناطق في العالم ارتفاعاً في معدل الكثافة السكانية، ويسكن حوالي مليون وسبعمائة ألف نسمة فوق مساحة لا تزيد على 360 كم مربع، ويعاني القطاع من صغر المساحة وضعف الموارد الطبيعية الأمر الذي ينذر بكارثة خطيرة على عدة صعد منها، التعليم والصحة والبنية التحتية. ومن المعروف أن التسارع في النمو السكاني أمر من شأنه أن يضاعف الطلب على الموارد الاقتصادية الفلسطينية، ما يشكل أزمة في السنوات القادمة في ظل محدودية الموارد الطبيعية وسيطرة الاحتلال على معظمها. كما أن الأراضي الفلسطينية تعاني من ضعف التخطيط للمستقبل بسبب عدم اليقين على المدى القريب والبعيد من تطور الأوضاع، وأن غياب التخطيط سيشكل عبئاً حقيقياً إلى جانب زيادة السكان وانخفاض النمو الاقتصادي. المحلل الاقتصادي "مازن العجلة" أكد أن معدل النمو السكاني في قطاع غزة كبير جدًا مقارنة بالضفة الغربية، ويعد هذا النمو الأعلى في الدول العربية بنسبة 3-4%. وأوضح أن ارتفاع معدل السكان يؤثر بالسلب في التنمية الاقتصادية، مبينًا أن معدل النمو الاقتصادي يجب أن يكون أعلى من معدل السكان ليحدث تراكماً مالياً في الدولة بحيث تتمكن من توفير الاحتياجات الضرورية للمواطنين. وأشار "العجلة" إلى أن زيادة السكان في قطاع غزة تزيد من الطلب على الموارد والاحتياجات الأساسية، الأمر الذي يشكل عبئاً على الموارد المتاحة في الوقت الذي تعد فيه هذه الموارد محدودة. وأضاف:" ارتفاع النمو يؤثر على الاقتصاد المحلي سلبا لعدة أسباب منها عدم وجود موارد طبيعية، وغياب الاستقرار السياسي بسبب الحصار والانقسام، وضعف القدرة على إنتاج المواد الغذائية، وسيطرة الاحتلال على المعابر الأمر الذي أدى إلى عدم القدرة على الاستيراد بحرية". تخفيف الأزمة وفيما يتعلق بحل هذه الإشكالية التي تهدد كافة سكان قطاع غزة، أوضح الخبير الاقتصادي "مازن السمك" أن من الواجب على أصحاب القرار أن يقوموا بالبحث الحثيث عن طريقة لإيجاد حلول إستراتيجية للمشاكل التي تعصف بالقطاع نتيجة النمو السكاني ومحدودية الموارد الاقتصادية، من خلال تحقيق النمو في الاقتصاد الفلسطيني بنسبة تزيد على النمو السكاني ليتمكن من استيعاب الفئة العاملة, وبالتالي المساهمة في الحد من نسبة البطالة التي يُعانيها الشباب نتيجة تكدس أعدادهم, بالتزامن مع انحسار فرص العمل في الشركات والمؤسسات الرسمية والأهلية, كما وعليهم أيضاً أن يُوجدوا الخطط المناسبة لتوفير فرص عمل للشباب سواء كانوا عمال أو خريجي جامعات حملة "شهادات" وذلك بتبني الحكومة لسياسة البناء الاقتصادي, حيث افتتاح المصانع والمؤسسات وتشجيع الاستثمار داخل القطاع ونسج علاقات مع شركات إنتاجية كبرى في الخارج للحصول على امتياز لتصنيع منتجاتها، خاصة في ظل الحالة التي يعيشها ويُعانيها القطاع من انعدام فرص العمل فيه, بما يُحقق التوازن بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي".