علّقت الوساطة الإفريقية، فجر اليوم الإثنين، المفاوضات بين الحكومة السودانية من جانب وحركات التمرد في إقليم دارفور (غرب) وولايتي "جنوب كردفان" (جنوب) و"النيل الأزرق" (جنوب شرق)، من جانب آخر، والتي استضافتها العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، منذ الأربعاء الماضي، من دون تحديد موعد جديد للجولة المقبلة. وتبادلت أطراف الصراع (الحكومة السودانية، والحركات المسلحة) المسؤولية عن فشل المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الإفريقي على مسارين (مفاوضات دارفور، ومفاوضات جنوب كردوفان والنيل الأزرق). ودار الخلاف الرئيسي في مسار التفاوض بخصوص ولايتي "جنوب كردوفان" و"النيل الأزرق" حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى الولايتين المنكوبتين؛ ففيما تقترح "الحركة الشعبية لتحرير السودان/قطاع الشمال" إيصال المساعدات عبد دول الجوار ممثلة في جنوب السودان وكينيا وإثيوبيا، تصر السلطات السودانية على أن يكون إيصال المساعدات عبر أراضيها حصرا، وتعتبر الأمر قضية سيادة. أما في مسار دارفور، فتمثلت أبرز الخلافات في رفض الحركات المسلحة الثلاثة في الإقليم (حركة التحرير والمساواة بقيادة جعفر إبراهيم، وحركة تحرير السودان- جناح مني آركو ميناوي، وحركة تحرير السودان- جناح عبد الواحد محمد نور) لاتفاق الدوحة الموقع في العام 2011، فضلا عن خلاف حول آلية تحديد المواقع الخاصة بقوات كل طرف حال التوصل لاتفاق وقف العدائيات. ووقعت على "اتفاقية الدوحة للسلام" الحكومة السودانية و"حركة التحرير والعدالة" بقيادة التيجاني سيسي، بالعاصمة القطرية، في 14 يوليو/تموز 2011، لإنهاء الحرب في الإقليم والتي اندلعت في 2003، ونصت على تقاسم السلطة والثروات؛ حيث تولى سيسي رئاسة إقليم دارفور، وجرى في أبريل/نيسان الماضي استفتاء حول توحيد الولايات الخمسة للإقليم، حسبما نص عليه اتفاق الدوحة، وأظهرت نتائج الاستفتاء رغبة سكان الإقليم في الإبقاء على الولايات الخمسة، على غير رغبة "المعارضة". وقال رئيس وفد الحكومة السودانية المكلف بالتفاوض حول ملف ولايتي "جنوب كردوفان" و"النيل الأزرق"، إبراهيم محمود حامد، إن "الحركة الشعبية/ قطاع الشمال تمسكت باعتماد ممرات عبر دول الجوار من جوبا في جنوب السودان ولوكوشوكو في كينيا وأصوصا في إثيوبيا، بينما ترفض ذلك الحكومة وتتمسك بالمنهج القانوني والمواثيق الإنسانية واحترام سيادة السودان". واتهم محمود، خلال مؤتمر صحفي عقده في أديس أبابا، فجر اليوم، الحركة الشعبية بعدم وضع أي اعتبار لمعاناة المتأثرين بالنزاع في ولايتي "جنوب كردوفان" و"النيل الأزرق". وحمل المسؤول السوداني رئيس وفد الحركة الشعبية قطاع الشمال، الأمين العام للحركة ياسر عرمان، المسؤولية الكاملة عن فشل جولة المفاوضات في التوصل لاتفاق وقف العدائيات الذي يقود إلى الوقف الدائم لإطلاق النار في الولايتين، وإيصال المساعدات الانسانية، والترتيبات الأمنية؛ ومن ثم التسوية السياسية الشاملة بشأن الولايتين "على الرغم من أننا أصبحنا قريبين من التوقيع". وأضاف محمود: "الحركة وقعت على خارطة الطريق كمخرج من دائرة الضغوط الدولية وليس من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقتين (الولايتين)". في المقابل، حمّل ياسر عرمان الحكومة السودانية مسؤولية فشل جولة المفاوضات الأخيرة. وأكد عرمان، خلال مؤتمر صحفي عقده في أديس أبابا، فجر اليوم، انهيار "خارطة الطريق" بفشل المفاوضات في الوصول إلى اتفاق لوقف العدائيات. وقال إن "الحكومة لم تأتِ بجديد حول الشأن الإنساني منذ 4 سنوات؛ على الرغم من تقديم الحركة في هذه الجولة تنازلات كبيرة في الشأن الإنساني خاصة حول ممرات إيصال المساعدات". وأشار، في هذا الصدد، إلى أن حركته اختصرت الممرات الخارجية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى ولايتي "جنوب كردوفان" و"النيل الأزرق" على مدينة أصوصا الإثيوبية. ويقاتل متمردو "الحركة الشعبية/قطاع الشمال" قوات الحكومة في ولايتي "جنوب كردفان" و"النيل الأزرق" المتاخمتين لحدود دولة جنوب السودان منذ 2011، وشكلوا تحالفا مع الحركات المتمردة في دارفور ومعارضين سياسيين في 2012، وأطلقوا عليه اسم "الجبهة الثورية"، وتقول المعارضة المسلحة إن مناطقها تعاني من التهميش السياسي والاقتصادي. وحول مسار دارفور، قال أمين حسن عمر، رئيس وفد الحكومة في مفاوضات هذا المسار، إنّ "الحركات الدارفورية تريد بداية جديدة للمفاوضات بعيداً عن اتفاق الدوحة لسلام دارفور"، مبيناً أنّ الخلافات الأخرى انحصرت في إجراءات إيصال المساعدات ووقف العدائيات، وتحديد المواقع الخاصة بقوات كل طرف حال التوصل لاتفاق وقف العدائيات. وخلال مؤتمر صحفي عقده باديس أبابا، فجر اليوم، أشار عمر إلى "تقدم طفيف" (لم يوضحه) أحرزته جولة المفاوضات في بداياتها. وأضاف أن "حركات دارفور تقدمت ب 15 نقطة خلافية ردا على المسودة الرابعة التي تقدمت بها الوساطة الإفريقية بشأن النقاط العالقة، وحذفت نقاط تم الاتفاق حولها في وقت سابق؛ وأضافت أشياء لم تكن واردة أصلا في المفاوضات مثل وقف العدائيات"، دون أن يضيف توضحيات أخرى في هذا الصدد. من جهته، قال جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إنّ "الخلافات تمثلت في تحديد المواقع التي سيطر عليها كل طرف، وآلية مراقبة إيصال المساعدات، وإطلاق سراح المعتقلين". جاء ذلك في مؤتمر صحفي مشترك عقده جبريل، رفقة رئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي، في مقر المفاوضات بأديس أبابا، فجر اليوم الاثنين. وأشار جبريل إلى أن الحكومة حاولت فرض "وثيقة الدوحة" على المفاوضات "من غير مناسبة". وأكد "التزام الحركات الدارفورية بالوصول إلى سلام شامل والتوقيع على وقف العدائيات وإطلاق النار والترتيبات الأمنية"، مشيرا إلى "القدر الكبير من المرونة" التي قدمتها الحركات الدارفورية في المفاوضات. وقال إن "وثيقة الدوحة أثبتت فشلا خلال 5 أعوام بدليل أن أكثر من 1.5 مليون مواطن هُجروا بعد التوقيع على الوثيقة". من جهته، قال مناوي إن "المفاوضات فشلت؛ بسبب تمسك الحكومة بمواقفها ورفضها تقديم تنازلات؛ على الرغم من التقدم الذي أحرزته جولة المفاوضات في بداياتها"، دون المزيد من التفاصيل. وأشار ميناوي إلى أن "الوساطة أعلنت تأجيل المفاوضات إلى موعد سيتم تحديده لاحقا". وأعرب عن أمله في التوصل إلى اتفاق سلام شامل في أقرب وقت ممكن. واتهم الحكومة السودانية بعدم امتلاك "إرادة حقيقية" في الوصول إلى سلام شامل في البلاد؛ محملا إياها مسؤولية "فشل المفاوضات". ومنذ 2003، تقاتل 3 حركات متمردة في إقليم دارفور، الحكومة السودانية، وهي: "حركة العدل والمساواة" بزعامة جبريل إبراهيم، و"حركة تحرير السودان" (جناح مني أركو مناوي)، و"حركة تحرير السودان" التي يقودها عبد الواحد نور. وكان تحالف "نداء السودان" قد رفض التوقيع على خارطة طريق للسلام في السودان طرحها الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي في مارس/آذار الماضي، حيث وقعت عليها الحكومة بشكل منفرد، قبل أن يتراجع عن موقفه ويوقعها في الثامن من الشهر الجاري. ويضم التحالف، الذي تأسس في ديسمبر/كانون الأول 2014، "حزب الأمة القومي" بزعامة الصادق المهدي، و"الحركة الشعبية-قطاع الشمال"، و"حركة العدل والمساواة المتمردة" في دارفور، و"حركة تحرير السودان-جناح مني أركو مناوي".