"أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً"، هكذا ينظر حقوقيون مصريون للإدانة الأوروبية لتعذيب وقتل شاب إيطالي في القاهرة، والتي جاء في سياقها استنكار للأوضاع الحقوقية بمصر، مشيرين أنه "رغم تأخرها إلا أن توقيتها الآن يجب أن يجعل إدارة البلاد، تعيد ترتيب أوراقها الداخلية في الملف الحقوقي المتدهور". ووفق بيان سابق للسفارة الإيطالية في القاهرة، فإن الشاب، جوليو ريجيني (28 عامًا، طالب دكتوراه إيطالي في جامعة كامبريدج)، كان متواجدًا في القاهرة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، لتحضير أطروحة دكتوراه حول الاقتصاد المصري، واختفى مساء 25 يناير/ كانون الثاني الماضي في حي الدقي، بمدينة الجيزة، جنوبي القاهرة، حيث كان لديه موعد مع أحد المصريين، قبل العثور على جثته بعد 10 أيام في أحد الطرق غربي العاصمة المصرية. وكان البرلمان الأوروبي، اعتبر في بيان أمس الخميس، عقب جلسة لأعضائه، أن "حادثة مقتل ريجيني، (التي أدانها بشدة) ليس حادثًا معزولًا، وإنما يأتي في سياق حوادث تعذيب واعتقال وقتل واختفاء قسري شهدته مصر خلال السنوات الأخيرة"، داعًيا لوقف انتهاكات حقوق الإنسان وكذلك الهجمات الأمنية ضد من يدافع عنها. مصطفى عزب، الناشط الحقوقي المصري، في "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" (غير حكومية مقرها بريطانيا) قال "النظام المصري لم يغير أسلوب تعامله مع المجتمع الدولي في هذا الإطار، منذ توليه سدة الحكم بعد الثالث من يوليو/ تموز 2013، ولن يعترف كالعادة بهذه الاتهامات، وسيعتبرها تدخلًا في الشأن المصري الداخلي، واستباقًا لنتائج التحقيقات بالنسبة لروجيني". وأضاف عزب "الجديد حاليا أن هناك إرادة حقيقية في اتخاذ خطوات فعالة وجادة تجاه التعذيب في مصر، هذه الخطوات لن ترقى برأيي لتصير قرارات مؤثرة في ممارسات النظام في البلاد، لكنها خطوة على الطريق الصحيح". "عزب" الذي رصدت منظمته الدولية تقارير عدة حول انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، تابع بالقول "أعتقد أنه تطور مهم في نظرة المجتع الدولي لأوضاع حقوق الإنسان في مصر"، مضيفًا "دائمًا ما كانت الدول التي تتسم أنظمتها بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، تصف أوضاع حقوق الإنسان في مصر بالانهيار، لكن لم يكن هناك ثمة تحرك جاد، بل بعضها يستقبل النظام المصري وبعضها يقدم له دعمًا عسكريًا وأمنيًا". عزت غنيم، مدير "التنسيقة المصرية للحقوق والحريات"(غير حكومية مقرها القاهرة)، اتفق مع عزب، في تأخر الإدانة الأوروبية، قائلًا "خطوة متأخرة لكنها في الطريق الصحيح لوقف انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، والأهم هو أن تتخذ الحكومة المصرية خطوات نحو تفعيل توصيات الاتحاد الاوروبي مراعاة للمصلحة العليا للوطن". وتساءل الحقوقي المصري، في تصريح ل"لأناضول، "أكان لزامًا أن يطال أحد الأوروبيين انتهاكًا بمصر، حتى يتذكر البرلمان الأوروبي آلاف المنتهكَة حقوقهم في تلك البلاد، ما بين إخفاء قسري وتصفية جسدية وتعذيب واعتقال وإعدام؟". وأشار "غنيم" إلى أهمية أن تتبع الإدانة الأوروبية "تغييرًا في التعامل الأمني مع المصريين ووقف الإخفاء القسري والتعذيب والتصفية الجسدية والاعتقال التعسفي، وأيضًا وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام وتعليقها مع البحث الجدي عن استقلالية السلطة القضائية". وقال أحمد مفرح، الباحث الحقوقي والمسؤول السابق للملف المصري في "منظمة الكرامة الحقوقية الدولية"(غير حكومية) للأناضول "نحن فى انتظار تفعيل الاتحاد الأوروبي الاتفاقيات المشتركة مع الحكومة المصرية، فيما يتعلق باحترام الأخير للحريات وحقوق الإنسان" ولفت مفرح إلى ضرورة أن يعيد الاتحاد النظر جديا في المساعدات والشراكات مع القاهرة على ضوء وفاء الأخيرة بالتزاماتها فيما يتعلق بالحقوق والحريات. مسؤولة الملف المصري بمنظمة "هيومن رايتس مونيتور"(غير حكومية ومقرها لندن)، سلمى أشرف، رحبت بإدانة البرلمان الأوروبي لأوضاع حقوق الإنسان في مصر. وقالت "أشرف" في تصريح ل"الأناضول"، "الغرب تأكد متأخرًا، أن الاختفاء القسري والتعذيب الشديد الذي أدى لوفاة الطالب الإيطالي، أمر اعتادته السلطات المصرية فلم تعد تفرق بين أي إنسان". وأضافت "رغم إيجابية القرار الأوربي، إلا أنه من المؤلم أن يكون هناك الآلاف ممن يُعذَّبون يوميًا في السجون ويُعتقلون تعسّفيًا ويُحرمون من حياتهم ولا نجد رد فعل دولي عنهم". "موضوع خطير للغاية"، هكذا رأى "جورج اسحق"، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر(حكومي)، تقرير البرلمان الأوربي. وقال "اسحق" في تصريح ل"الأناضول"، "على الحكومة المصرية ألا تأخد الموضوع باستخفاف، وأن ترد على التقرير بشفافية وبشكل فوري بالأدلة والبراهين"، نافيًا في الوقت ذاته، عدم تردي الأوضاع الحقوقية في مصر. وأضاف اسحق، أن المجلس القومي والحكومة المصرية يعملان على تحسين الأوضاع الحقوقية في البلاد. ومنذ الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيًا في 3 يوليو/ تموز 2013 فهناك انتهاكات واسعة في ملف حقوق الإنسان بمصر، وأرقام تعد غير مسبوقة في ملفات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والقتل خارج إطار القانون، وفق تقارير حقوقية محلية ودولية، تنفي صحتها عادة السلطات المصرية.