كانت السعودية قد قررت إرسال طائرات حربية إلى قاعدة إنجرليك التركية، استعداداً لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، بالتزامن مع الحديث عن تدخل عسكري برّي إسلامي يتم التحضير له في السعودية، على أن يكون انطلاقاً من تركيا. فيبدو أن ردّ الفعل الإقليمي من الدول الداعمة للثورة السورية على التمادي الروسي في سوريا، قد بدأ يأتي مفاعيله على النظام وحلفائه، الذين راحوا يحذرون من اندلاع حرب عالمية، في حال قام الحلف الإسلامي، الذي تقوده السعودية، بالتدخل البري في سورية. وحسب تقرير "العربي الجديد" ترافق ذلك مع تصعيد تركي ضدّ "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة روسياً وأميركياً، والتي تشكّل "وحدات حماية الشعب" الكردية القوة الأساسية فيها، وتحذيرها من التوجّه نحو مدينة أعزاز على الحدود التركية. وقوات سوريا الديمقراطية (كردية: Hêzên Sûriya Demokratîk) هو تحالف يضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية تم تشكيله خلال الحرب الأهلية السورية وبعد هذه التطورات، بدأت روسيا تستشعر خطورة التحرك الإقليمي، خصوصاً وأنّ ضرب تركيا لمواقع "قوات سوريا الديمقراطية" بواسطة المدفعية قد تكرر رغم الطلب الأميركي من الأتراك بالتوقف عن استهداف هذه القوات، مما يشير إلى رسالة تلقاها الروس، تفيد بأن تركيا لن تحتمل التمادي الروسي في سورية، حين يصل إلى حدود معينة تهدّد أمنها القومي، حتى لو كان بالتنسيق مع الأميركيين. ومن جهة ثانية، أكد مصدر في الجيش الحر ل"العربي الجديد"، أن بعض فصائل الجيش الحر في ريف حلب الشمالي قد حصلت عبر تركيا يوم أمس على شحنات من صواريخ "غراد"، من شأنها أن تقلب موازين القوى في المعارك الدائرة هناك، مبيناً أن هذه الصواريخ هي تمويل سعودي تم نقلها عبر الأراضي التركية. وجاء رد الفعل الروسي على هذه التحركات من خلال تصريحات المسؤولين الروس، الذين حذروا من اندلاع حرب إقليمية أو عالمية في حال حصل تدخل بري من قبل الدول المؤيدة للثورة السورية، معتبرين أن هذا التدخل من شأنه تأجيج الصراع، وأن الهدف من تدخلهم كان الوصول إلى وقف إطلاق النار تمهيداً لحل سياسي. على المستوى الميداني، يحاول النظام وحليفاه روسيا وإيران، قطع الطريق على أي تدخل بري من قبل حلفاء المعارضة السورية، بالإعلان عن التحضير لعمليات عسكرية باتجاه الرقة، التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كون القوات البرية التي تقودها السعودية ستتدخل أيضاً تحت شعار محاربة "داعش"، وذلك من أجل سحب ذريعة التدخل البري، الذي يحتاج إلى موافقة أميركية، في ظل اعتماد الروس على الموافقة الأميركية الضمنية على مخططاتهم في سورية . وقال مصدر عسكري سوري في وقت سابق، (السبت)، إن الجيش السوري ينوي التقدم إلى محافظة الرقة (شمال وسط سورية) الخاضعة لسيطرة تنظيم "داعش"، وذلك بعد السيطرة على مواقع على أطراف المحافظة، مضيفاً أن العملية مستمرة منذ عدة أيام، وأن جيش النظام تمكن من نزع السيطرة عن عدة مواقع من تنظيم "داعش" بين حماة (وسط البلاد) والرقة خلال اليومين الماضيين. وبين المصدر أن هذا مؤشر على اتجاه العمليات المقبلة نحو الرقة، لافتاً إلى أن جبهة الرقة مفتوحة في اتجاه الطبقة، وهي منطقة تابعة لمحافظة الرقة تضم قاعدة جوية استولى عليها تنظيم "داعش" عام 2014. من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي السوري، أحمد رياض غنام، أن إعلان النظام عن عملية ضد "داعش" في هذا التوقيت ما هو إلا "محاولة لسحب البساط من تحت أقدام تركيا والسعودية وإعطاء انطباع بأن النظام معني بقتال تنظيم الدولة (داعش)"، مضيفاً في تصريح ل"العربي الجديد": "هي عملية خلط للأوراق، وإعطاء روسيا مبرراً لرفض الدخول السعودي"، مشيراً إلى أنها "مخرج أيضاً للسعودية، والتي لا تريد أي تورط في سورية"، معرباً عن اعتقاده بأن المحاولة ستنجح "إذا كانت هناك خطوات عملية". واعتبر أن التنظيم ينسحب باتجاه العراق لإدارة معركته هناك، وأن التنسيق بين النظام وبين التنظيم قائم. وفي السياق نفسه، قال المحلل الاستراتيجي، العميد أحمد رحال، ل"العربي الجديد": "علينا بداية أن نتساءل، لماذا انزعجت روسيا وإيران من التحركات السعودية التركية لمحاربة (داعش) في سورية؟ والجواب هو أن محاربة الإرهاب من قبل الرياض وأنقرة تُسقط ورقة التوت الروسية والإيرانية على أنهم في سورية لمكافحة الإرهاب، وبالتالي فإن التدخل السعودي التركي في هذا السياق يعري النظام وحلفاءه". وأضاف رحال: "النظام ليست عنده قوات برية، ولا مليشيات كافية لمحاربة (داعش)، وكل الكلام الذي صدر عن إعلامه أخيراً، ليس إلا مسرحية إعلامية". وبين أن "النظام لم يكن يوماً جاداً في محاربة (داعش)؛ فسيطرة التنظيم على الطبقة وتدمر على سبيل المثال، لم تكن لتحدث إلا بعدما انسحب النظام من هذه المناطق وغيرها لصالح (داعش)، كما هو معروف. وفي الفترة الأخيرة، منحه النظام معسكرات عياش في دير الزور". وتابع رحال: "روسيا وإيران أيضاً غير جديتين بمحاربة (داعش)، وعلى العكس من ذلك، هما لا تحاربان التنظيم بل وتسعيان إلى تقويته، كي يقولوا للعالم إنه يشكل خطراً في المنطقة وليس النظام"، مبيناً أنه في حال بدأت السعودية بمحاربة إرهاب "داعش" في سورية، فإن ذلك سيكون تحت مظلة التحالف الدولي الذي تقوده الولاياتالمتحدة. ولم يستبعد رحال أن تكون الولاياتالمتحدة قد أوحت للنظام وروسيا بضرورة تحريك قوات لمحاربة "داعش"، وإلا فإن السعودية وتركيا قد تلعبان هذا الدور، موضحاً أن الولاياتالمتحدة لديها خطاب مزدوج في هذا السياق، وأنها محرجة من عدم تحقيقها أي تقدم في محاربة التنظيم، ولهذا قد تشجع أي جهة تُقدم على حرب برية ضدّ "داعش".