يريد الرئيس جورج بوش ان يعلِّم العراقيين الديموقراطية، غير انه آخر من يحق له تولي هذه المهمة، فهو خسر انتخابات السنة ألفين بفارق نصف مليون صوت من الأصوات الشعبية وعيّنته محكمة عليا محافظة رئيساً بغالبية خمسة أصوات مقابل أربعة أصوات. وتصرف بعد ذلك وكأن الشعب الأميركي أعطاه شيكاً على بياض، وشنَّ حرباً على العراق لأسباب ملفّقة مزوّرة بالكامل، ودمّر البلد على رأس أهله. وجاءت انتخابات 2004 وفاز بالرئاسة فعلاً، فقرر ان الناخبين أعطوه رأس مال أنفقه كمقامر وزاد الخراب، وفشل مرة بعد مرة. وكانت النتيجة ان الناخبين الأميركيين صوّتوا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي ضد الرئيس وحزبه، وكان العراق السبب الأول والأخير في موقفهم.
ماذا فعل الرئيس والناخبون يدينون سياسته؟ قرّر بديموقراطية نادرة ان يمضي في طريق القتل والخراب.
هذا الطريق سعى اليه وشقّه المحافظون الجدد من عصابة الحرب المعروفة، وخطاب الرئيس الأخير يعكس فكرهم، لا ألف نصح آخر تلقاه ضد زيادة القوات. وكنتُ قبل 24 ساعة من الخطاب رجحت هذا، فقلت في هذه الزاوية ان الرئيس لن يعمل بنصح لجنة بيكر – هاملتون، وإنما بتقرير صادر عن معهد أميركان انتربرايز، معقل المتطرفين، كتبه أحدهم فردريك كاغان، وكان عنوانه «اختيار النصر: خطة للنجاح في العراق" وساهم فيه الجنرال جاك كين، وأيضاً بتقرير كتبه الجنرال تشك والد ومعه تشك فولمر، وهذا مقاول سابق لوزارة الدفاع. ومع هذا وذاك نصائح المحافظين الجدد عبر دور البحث والمطبوعات المختلفة، فهم جميعاً يقولون ان الحرب يجب ان توجه نحو ايران وسورية بعد العراق.
الرئيس بوش تلقى 79 نصيحة ضمها تقرير بيكر – هاملتون، وكان أهمها خفض القوات الأميركية تدريجاً تمهيداً لسحبها، وإشراك إيران وسورية في الحل. ماذا فعل الرئيس؟ قرّر زيادة القوات الأميركية هناك 21 ألفاً في طلب نصر مستحيل، ومواجهة سورية وإيران وتهديدهما.
الرئيس بوش يستطيع ان يقول ان النظامين الإيراني والسوري يدعمان الإرهابيين ويسمحان لهم باستخدام أراضيهما. الا انه لا يقول ان الارهابيين لم يكونوا موجودين قبل دخول القوات الأميركية العراق، وأنه شخصياً بالتالي مسؤول عن وجود الارهابيين أكثر من أي مسؤول آخر أو بلد. أما الحديث عن إحباط الدعم من ايران وسورية وتدمير الشبكة التي تقدم أسلحة متقدمة وتدريباً للارهابيين فهو تمنيات اكثر منه واقعاً، لأن لو كانت القوات الأميركية قادرة على تحقيق هذا لما انتظرت خطاب الرئيس، ولما تدهور الوضع في شكل مضطرد مع استمرار الوجود الأميركي في العراق.
العناد يكون في الحق، وجورج بوش الابن يعاند في الخطأ ويصرّ عليه، فهو يعيش في عالم خاص تدغدغه أوهام بالنصر، الذي تحوّل تدريجاً الى نجاح، وعاد الآن نصراً، أو طلب نصر.
بأوضح كلام ممكن: الحرب على العراق غير شرعية، وكل قرار لاحق لإدارة بوش غير شرعي لأنه مبني على القرار الاصلي غير الشرعي. واذا كان كوفي أنان أعلن عدم شرعية الحرب قبل يومين من انتهاء عمله أميناً عاماً للأمم المتحدة، فهو ونحن والعالم كله نعرف عدم شرعية هذه الحرب، منذ بطلان أسبابها، أي أسلحة الدمار الشامل والعلاقة مع «القاعدة».
الحرب غير الشرعية جريمة بحق شعب العراق والديموقراطية الأميركية نفسها، فقد كانت هي أيضاً من ضحايا ادارة بوش. والرئيس بوش الذي يقول انه مسؤول عن الأخطاء مسؤول عن قتل مئات ألوف العراقيين، فأنتظر ان يحاكم، مع انني أحمّل ديك تشيني وبول وولفوفيتز ودوغلاس فايث وبقية عصابة الحرب مسؤولية أكبر من الرئيس الجاهل.
بهدوء وبالموضوعية الممكنة: الرئيس بوش طلب تقريراً رأس فريقه اثنان من أبرز اعضاء الحزبين الجمهوري والديموقراطي، ورفض كل اقتراح فيه، وهو رأى الشعب الأميركي يرفض الحرب في العراق، فقرر توسيع الانغماس فيها، وهو سمع الجنرالات في الميدان يقولون ان زيادة القوات لن تؤدي الى النجاح، فأحل محلهم جنرالات يوافقونه الرأي، مع انه مجند هارب من الجندية أو فاشل، ولا يمكن ان يتصرف كقائد أعلى للقوات المسلحة من دون مساعدة. بل ان الرئيس وضع كل بيضه في سلة رئيس الوزراء عدنان المالكي، كما يقول المثل الانكليزي، مع ان هذا قابل الرئيس قبل شهرين واقترح عليه ان تتولى القوات العراقية مسؤولية الأمن في بغداد، وان ترابط القوات الأميركية في ضواحي العاصمة، وعمل الرئيس ضد هذا النصح ايضاً.
الرئيس بوش يواجه تمرد الحزب الديموقراطي الذي يعتقد بأن الناخبين وقفوا ضد الحرب، وعدد كبير من الاعضاء الجمهوريين، وأستطيع ان أسجل أسماء، الا انني أكتفي بالقول انني قرأت تصريحات لأعضاء جمهوريين في مجلس الكونغرس تعارض خطاب الرئيس.
جورج بوش أشار في خطابه الى السيناتور جو ليبرمان، وهذا ديموقراطي خذله حزبه وعاد الى مجلس الشيوخ كعضو مستقل وداعية حرب بامتياز، طالما انها ضد عرب ومسلمين. وقد قبل بوش اقتراح ليبرمان تشكيل مجموعة عمل من الحزبين للفوز بالحرب على الارهاب، وأقول ان هذا الكلام المخفف يعني استمرار الحرب على العرب والمسلمين، لمصلحة اسرائيل التي يعمل لها ليبرمان، وزيادة الارهاب بالتالي بدلاً من دحره.