ذكرت الخارجية الامريكية ومصادر عائلية أن آخر كلمات تفوه بها المبعوث الامريكي الخاص لباكستانوافغانستان، ريتشارد هولبروك، الذي توفي يوم الاثنين في احد مستفشيات واشنطن، "يجب عليكم ان توقفوا الحرب في افغانستان"، مخاطبا جراحه الباكستاني قبل تخديره لاجراء عملية تصحيح تمزق في الشريان الاورطي. وبعد اعلان وفاته طرحت اسئلة كثيرة حول مسار الدبلوماسية الامريكية في افغانستان وأثر رحيل رجل عمل في الدبلوماسية الامريكية وكان في قلب كل الادارات الديمقراطية منذ فورد وكارتر وكلينتون وحتى اوباما.
وان كانت ادارة اوباما ستغير من مسار الاستراتيجية وتركز على دبلوماسية المواجهة التي عرف بها هولبروك وهندس من خلالها اتفاق دايتون الذي ادى الى حل الازمة في يوغوسلافيا القديمة.
وعلى الرغم من الثناء ومظاهر الحزن التي ابداها مسئولو الادارة الامريكية من اوباما الى رئيسي باكستانوافغانستان، الا ان هولبروك لم يكن سوى منسق للسياسات الامريكية في افغانستان، وظلت علاقته مع حامد كرزاي متوترة ولم تتطور الى علاقة عمل جيدة، مما ادى الى تعقيد مهمة المبعوث الامريكي من ضمن عدد من الاسباب وافشل جهوده في تحقيق السلام وانهاء الحرب.
ومنذ فترة غاب هولبروك عن المشهد السياسي في اشارة الى تهميش دوره، خاصة ان الاستراتيجية الامريكية لم تعد في يد وزيرة الخارجية بل تسلمها العسكريون الذين كانوا يعارضون الدبلوماسية ويرون في استمرار العمليات العسكرية طريقة لاجبار حركة طالبان على الجلوس الى طاولة المفاوضات من موقع الضعيف.
وتعرضت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لضغوط من اجل اعفاء هولبروك من مهامه، لكن ما ابقاه في منصبه هو علاقة الوفاء والولاء بين الوزيرة والدبلوماسي.. فهولبروك دعم حملة كلينتون الانتخابية حتى النهاية وقبل ان تقرر دعم مرشح الحزب اوباما في الحملات الانتخابية لعام 2008.
ولكن ولاء هولبروك لوزيرة الخارجية الامريكية لم يكن يعني اتفاقهما حول الاستراتيجية، فالوزيرة وقفت مع الجنرالات ووافقت على استراتيجية روبرت غيتس، وزير الدفاع، وديفيد بترايوس قائد القوات الامريكية في افغانستان. لقد كانت كلينتون ترغب، في حال جلست طالبان الى طاولة المفاوضات، أن تجلس ضمن اشراف امريكي وحسب شروط الادارة. فيما كان هولبروك من دعاة الحل السياسي، مع ان مبادراته لم تؤد الى محادثات مباشر ة مع طالبان، حيث ترك الامر للرئيس الافغاني للاتصال بقادة الحركة.
وفي هذا السياق يشير مقرب من هولبروك ان سبب تهميشه من العملية الدبلوماسية جاء بعد التسريبات التي نشرت في الصحف الامريكية حول خلافاته مع حامد كرزاي مما ادى الى فقدانه ثقة البيت الابيض، واصبح شخصا لا اهمية له في سياق الاستراتيجية. فطريقة هولبروك الصريحة لحد الوقاحة التي ادارها مع المتحاربين في البلقان عام 1995، رفضت في افغانستان باعتبارها عجرفة.
كذلك لم يطور هولبروك علاقة جيدة مع من اطلق عليه "قيصر الحرب" في البيت الابيض دوجلاس لوط الذي وجد في المبعوث الخاص عقبة في طريق "التفكير الابداعي". فيما اعتبر هولبروك اراء لوط منفصلة عن الواقع.
ومع غياب المسئول الذي كان الوحيد من بين رجال ادارة اوباما الذي خدم في فيتنام كمسئول ميداني ساعد حكومة جنوب فيتنام التي نصبتها الادارة الامريكية في حينه، تطرح اسئلة حول من سيتولى منصبه ام ان الاممالمتحدة سيتم اعطاؤها الدور وسط تكهنات بعودة المبعوث الخاص السابق للامم المتحدة الاخضر الابراهيمي للعب دور في هذا المجال.
ونقل في هذا المجال عن دبلوماسيين اوروبيين قولهم ان وفاة هولبروك قد تمنح الاممالمتحدة دورا في مفاوضات التوصل لحل وانهاء الحرب في افغانستان، مع اعترافهم انه من الصعب التكهن حول طبيعة المسار الذي ستتخذه السياسة الامريكية بعد ان ينجلي الغبار ويسدل الستار على فصل هولبروك في افغانستان.
وفي هذا السياق كان هولبروك على تصادم مع لوط حول تعيين مبعوث سلام خاص للامم المتحدة مهمته جس نبض طالبان وجيران افغانستان من اجل التوصل لحل سياسي. وصمم الوظيفة وشروطها، الدبلوماسي الجزائري المعروف والمتقاعد من الاممالمتحدة الاخضر الابراهيمي الذي تشاور مع الحكومات الغربية والاقليمية.
وكان لوط في بداية هذا العام قد سافر الى باريس لمناقشة الفكرة لكن هولبروك وبترايوس وممثل الاممالمتحدة في كابول ستفان دي ميتسورا عارضوها.
وقامت الاممالمتحدة بارساء جماعاتها الخاصة المعروفة ب"سلام"، لكن مراقبين يقولون ان وفاة هولبروك قد تؤدي لاحياء الفكرة. فعملية اعادة التفكير قد تأتي في بداية العام القادم بنشر توصيات لتشكيل فرقة مهام خاصة بافغانستان يترأسها الابراهيمي والدبلوماسي الامريكي المتقاعد توماس بيكرينج.
لكن هذه الفكرة تعتمد على الطريقة التي ستتصرف فيها الادارة الامريكية وطريقة اختيار الرئيس اوباما وكلينتون خليفة له وربما منح هذا الاخير صلاحيات جديدة. وستظل المعضلة قائمة امام الادارة، إما الاستمرار في العملية العسكرية التي لن تقوم الا بقمع قوة طالبان لفترة او الحل السياسي الذي كان يدعو اليه هولبروك والذي يمنح فرصة عالية لانهاء الحرب.
وكان جوزيف بايدن، نائب الرئيس الامريكي، حسبما نقل عنه بوب وودورد في كتابه "حروب اوباما" وصفه بأنه "أكبر ابن حرام نرجسي قابلته في حياتي". وعرف هولبروك باسم "الدبابة"، لكن مشكلته انه واثناء عمله عامين لم يكن بقادر على التوصل لحل لأن من تعامل معهم من المسئولين، خاصة الرئيس الافغاني، كانوا بسلطة قليلة، فيما كان كرزاي يعتقد انه مهما حاولت امريكا دفعه لعمل شيء فلا بديل لديها عنه. ولوحظ ان كرزاي في رسالة التعزية لم يذكر ان هولبروك عمل في افغانستان.
استراتيجية لا تعمل وما يؤكد هذا هو التقييم الامريكي العسكري الذي يتحدث عن ان استراتيجية اوباما التي قامت على زيادة عدد القوات الامريكية لم تؤت اكلها. وحذر التقرير من ان مناطق شاسعة في افغانستان لا زالت عرضة للوقوع بيد حركة طالبان.
ويقدم التقييم الامريكي صورة كئيبة عن الوضع في افغانستان ومحتوياته تناقض التصريحات المتفائلة لعدد من مسؤولي الادارة الامريكية، حيث تحضر الاخيرة لنشر نتائج تقييمها لتسع سنوات من الحرب.
ويمثل التقييم الامني القومي عن افغانستانوباكستان صورة عن موقف عدد من وكالات الامن القومي ويعطي رأيا عن مسار الحرب.
ويتوصل التقييم الى ان باكستان لم تعبر عن اي استعداد للتخلي عن دعم عن جماعات تابعة لطالبان افغانستان. وتتناقض اراء المسؤولين الذين اطلعوا على التقرير مع موقف وزير الدفاع روبرت غيتس الذي اكد بعد زيارة للمنطقة انه بات مقتنعا من ان الاستراتيجية تعمل.
ومن هنا سارع قادة عسكريون لنقض محتويات التقييم حيث قالوا ان تاريخه يعود الى نهاية سبتمبر، وهو الموعد الذي وصل فيه آخر جندي ضمن استراتيجية زيادة القوات وبالتالي لم يأخذ بعين الاعتبار الانجازات التي تحققت في الفترة الاخيرة.
وقال مسئول كبير في البنتاغون ان التقرير يتجاوز انجازات شهرين ونصف. ورفض مسئول امني رفيع الاتهامات التي وجهت للمجتمع الاستخباراتي التي تقول ان اعضاءه معزولين عن الوضع في الميدان مشيرا الى ان الامن والجيش يعملان جنبا الى جنب.
ويقوم التقييم الامني القومي على مواد جمعت من كافة الوكالات الامنية بما فيها تلك التابعة للبنتاغون، ويظهر المعضلة التي تواجه الادارة الامريكية في تقييم مستويات النجاح في افغانستان.
وكان اوباما قد ارسل 30 الف جندي اضافي كجزء من استراتيجية تعمل على بدء سحب القوات في العام المقبل، لكن اوباما اخبر قادة حلف شمال الاطلسي ان امريكا تنظر لعام 2014 كموعد لاتمام خروجها من افغانستان. ويرى القادة العسكريون ان الفشل في تدمير ملاجئ طالبان الامنة في باكستان قد يؤثر على هذه المواعيد.
وتنفي باكستان ان تكون عاملا في دعم طالبان او اية عناصر في المؤسسة الامنية.
وكان القائد العسكري الامريكي في شرق افغانستان قد أبلغ الصحافيين انه بدون تدمير مواقع طالبان في باكستان فان عملية انجاز المهمة ستأخذ وقتا اطول.
ويأمل الامريكيون بعملية ضد طالبان الافغان تقوم بها باكستان.
وكان الجنرال بترايوس قد أخبر الصحافيين ان قائد الجيش الباكستاني اشفق كياني وعد بعملية في شمال وزيرستان.