قال الباحث الصهيوني في الشئون الامنية، شلومو بروم، انّ احد الاسباب الرئيسية التي تمنع الصهاينة والسلطة في رام الله من التوصل لحل "سلمي" ودائم مرده عجز الاجهزة الامنية الفلسطينية عن فرض الامن والنظام في ارجاء الضفة الغربيةالمحتلة، وعدم قدرتها على تأمين منع حركة حماس من السيطرة على الضفة وتحويلها الى قاعدة انطلاق لتنفيذ عمليات عسكرية ضدّ الدولة الصهيونية. امّا المحلل للشئون الامنية في صحيفة "يديعوت احرونوت"، اليكس فيشمان، فرأى ان ازاحة حماس كانت عنوان كل العمليات المكثفة التي قام بها الجيش الصهيوني والادارة المدنية خلال السنوات القليلة الماضية.
في كل شهر كان يتم تنفيذ عشرات العمليات، من قبيل اغلاق المنظمات الخيرية، والقيام بحملات تفتيش ومداهمة في المساجد، وتجميد حسابات بنكية وشركات تابعة لحماس او لها علاقة بها، اما اليوم، فانّ مثل هذه العمليات تقوم بها قوات دايتون بفعالية كبيرة، ربما تفوق فعالية الجيش الصهيوني، انهم يتعاملون مع حماس، بطريقة مناسبة وعنيفة، على حد وصفه.
الباحث بروم، من مركز دراسات الامن القومي بتل ابيب، نشر دراسة حول الاجهزة الامنية الفلسطينية قال فيها انّ الامريكيين يتولون المسئولية عن اجهزة المخابرات في الضفة، عن طريق الجنرال دايتون، في حين يقوم الاوروبيون بدعم الشرطة الفلسطينية العادية.
ورأى الباحث انّ هناك اربعة اسباب تحول دون تطبيق سياسة اعادة تأهيل الاجهزة الامنية الفلسطينية: عملية اعادة التأهيل تتم بصورة بطيئة للغاية، الامر الذي ينعكس سلبا على القوات العاملة ويستنزف قوتها، شح الموارد، عدم وجود تعاون كاف من طرف تل أبيب، المعنية جدا بانجاح عملية بناء الاجهزة الامنية من قبل الامريكيين والاوروبيين، ولكنّها بالمقابل تخشى من ان تنتقل الاسلحة الموجودة اليوم بأيدي قوات الامن الفلسطينية الى الخلايا الارهابية في الضفة، امّا السبب الرابع، بحسب بروم، فيتمثل في عدم رغبة تل أبيب بتوثيق التعاون مع الاجهزة الامنية الفلسطينية، ويظهر هذا الامر جليا عندما يقوم الجيش الصهيوني والمخابرات بتنفيذ عمليات في الاراضي الفلسطينية بدون تنسيق مسبق مع الفلسطينيين، كما انّ الجيش الصهيوني لا يأخذ بعين الاعتبار الانعكاسات السلبية لهذه العمليات على صورة الاجهزة الامنية الفلسطينية بنظر الجمهور المحلي.
وخلص المحلل الى القول انّ عدم الثقة الصهيونية بصدق الاجهزة الامنية الفلسطينية وباستعدادها لمحاربة ومكافحة ما اسماه بالارهاب في الضفة، تسيطر عميقا على دوائر صنع القرار في تل ابيب، وبالتالي اذا استمرت هذه العقيدة بالسيطرة على صنّاع القرار في الدولة الصهيونية فانّ تل أبيب قد تفقد فرصة ذهبية لاجتثاث حركة حماس في الضفة بمساعدة فلسطينية ولاحداث تغيير ايجابي بعيد المدى، على حد زعمه.
وفي ما يتعلق بالجنرال كيث دايتون، فقد نقل عنه المحلل فيشمان قوله انّه يعمل عن قرب مع القادة العسكريين الصهاينة في الضفة الغربية، ووصف المحلل هذه العلاقة بالمثالية، وليس سرا، كما تؤكد على ذلك المصادر الصهيونية والامريكية، بحسب طيديعوت احرونوت"، ان عملية اختيار من سيشاركون في التدريبات التي تجري للعناصر الفلسطينية يتم عن طريق ثلاثة اجهزة استخباراتية خارجية: CIA، التي تختبر المرشحين، وجهاز الامن العام الصهيوني (الشاباك) الذي يدقق في الاسماء، وفي النهاية يصل المجندون الى مرافق التدريب في الاردن، حيث تقوم اجهزة الامن الاردنية باجراء فحص اخر دقيق، وبطبيعة الحال هناك الفحص الداخلي من قبل اجهزة الاستخبارات الفلسطينية نفسها. ويتم تدريب هذه العناصر في مخيمات تدريب قريبة من عمان. ومن قبيل الصدفة ان يكون المكان هو نفسه الذي دربت فيه الولاياتالمتحدةالامريكية قوات الامن العراقية.
وقد تم اعداد برامج التدريب بشكل مشترك من قبل الولاياتالمتحدة والدولة الصهيونية، حيث ان لتل أبيب حق الفيتو على محتوى البرنامج، فيما يقوم الامريكيون والاردنيون بعملية التدريب.
وبحسب الصحيفة الصهيونية، فليس التجنيد وبرامج التدريب وحدها التي تخضع للفحص الصهيوني، بل انّ الاسلحة التي ترسل للقوى الامنية الفلسطينية تخضع للتفتيش الصهيوني، في مختبر الشرطة الصهيونية وذلك بهدف تحضير لائحة دقيقة، وذلك لتحديد كل سلاح في حال تم استخدام هذه الاسلحة في اعمال عسكرية موجهة ضد الدولة الصهيونية، على حد تعبير مصدر امني رفيع في تل ابيب.
وتطرقت الصحيفة الى المنسق الامني الامريكي، الجنرال دايتون، ولفتت الى انّه وخلال حديثه للمرة الاولى حول طبيعة عمله امام الجمهور، في معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى، في مارس من العام 2009، تطرق دايتون الى ما اسماها بالسلالة الجديدة من الفلسطينيين التي بحسبه، شدت انتباه المؤسسة العسكرية الصهيونية بسبب تفانيها، وتنظيمها، واندفاعها، والنتائج التي حققتها.
المحلل فيشمان الذي علّق على هذه الاقوال في "يديعوت احرونوت" كتب قائلا انّ الجمهور اليهودي استجاب لهذا الكلام من خلال التصفيق بحرارة، الا انّ دايتون لم يكتف بهذا القدر، بل ذهب للحديث عن مجد آخر، فقال ان الامريكيين يخلقون فلسطينيين جدد يتمتعون بالاندفاع، والتنظيم والمهنية، وهذا ما جعل جمهور المستمعين اليهود يبتهجون.
جدير بالذكر انّه في صيف العام 2008، سُمح لكبير المحللين السياسيين بصحيفة "يديعوت احرونوت"، ناحوم بارنيع، بحضور اجتماع تنسيق مشترك بين ضباط في الجيش الصهيوني ورؤساء الاجهزة الامنية الفلسطينية وهو امر كان يتم بشكل غير معلن في السابق، وبعيدا عن الاعلام.
وما سمعه برنيع وقتها صدمه لدرجة انّه عندما نشر انطباعاته في الصحيفة عن الاجتماع كتب قائلا "الرغبة العميقة في العمل مع اسرائيل هي امر لم يسبق لي ان سمعته من القيادة الفلسطينية، فيما عدا فترة قصيرة في ربيع سنة 1996".
وبحسبه فقد كان من ضمن الاشخاص الذين حضروا الاجتماع المذكور في مستوطنة بيت ايل القريبة من رام الله، قائد قوات الامن الوطني الفلسطيني، ابو الفتح، الذي اكد لضباط الاحتلال انّه وقد ليس هناك خصام بيننا، لدينا عدو مشترك.
اما ماجد فراج مدير الاستخبارات الفلسطينية، الذي كان حاضرا ايضا، فقد نُقل عنه قوله "لقد قررنا وضع كل مشاكلنا على الطاولة، كل شيء مكشوف وليس هناك المزيد من الالاعيب، حماس هي العدو، ونحن قررنا خوض الحرب ضدها. انا اقول لكم، لن يكون هناك حوار معهم، من يريد قتلك عليك ان تسارع الى قتله، انتم من توصل الى هدنة معهم اما نحن فلا"، وخلص الى القول "للامانة اقول، اننا كنا نتصرف بشكل مغاير في الماضي، اما الآن فنحن نتولى امر كل مؤسسة تابعة لحماس ترسلون اسمها الينا"، على حد تعبيره.