كشف تحقيق واسع أجرته صحيفة (واشنطن بوست) أن أجهزة الأمن الوطنية الأمريكية أصبحت - إثر اعتداءات 11 سبتمبر - متشعبة وسرية ومعقدة لدرجة انه يستحيل معرفة فعاليتها بدقة. والتحقيق الذي يحمل اسم "أمريكا في غاية السرية" هو ثمرة عمل استمر عامين شارك فيه حوالي 20 صحفيا من الصحيفة الأمريكية العريقة - التي كانت وراء السبق الصحفي لفضيحة "ووتر جيت" التي أدت إلى استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في 1974.
ويؤكد التحقيق أنه بعد 9 سنوات على وقوع الاعتداءات التي أوقعت 3 آلاف قتيل "أن العالم السري الذي أنشأته الحكومة أصبح واسعا ويصعب التعامل معه، ولا أحد يعرف تكاليفه أو عدد الأشخاص الذين يوظفهم أو البرامج الموجودة أو عدد المكاتب المختلفة التي تؤدي المهمة نفسها". ونتيجة لذلك و"بعد 9 سنوات من النفقات غير المسبوقة بات النظام الذي تم إنشاؤه لحماية الولاياتالمتحدة معقدا لدرجة لم نعد نعرف مدى فعاليته".
وقال ديفيد جومبرت، مدير المخابرات الوطنية الأمريكية، إن "هذا المقال لا يظهر أجهزة المخابرات كما نعرفها" مؤكدا أن الإصلاحات التي أجريت في السنوات الأخيرة سمحت ب"تحسين نوعية وكمية" المهام.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن عالم الاستخبارات والأمن الأمريكى أصبح كبيراً جداً، بحيث أنه أصبحت له خريطة لها شكلها الخاص، وعلى الرغم من تعقد هذه الخريطة وتشابكها فإنها غير ظاهرة للأمريكيين العاديين، مشيرة إلى أنه بعد 9 سنوات على أحداث سبتمبر فإن المنظمات الأمنية الأمريكية نمت بشكل «مبالغ فيه»، بما جعل قيامها بالهدف الذى قامت من أجله أمراً مشكوكاً فيه.
ورصدت الصحيفة العديد من الحقائق المتعلقة بالمنظمات الأمنية الأمريكية والمختصة بمكافحة الإرهاب، من بينها أن هناك 1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة تعمل فى مكافحة الإرهاب، فضلا عن أن تلك المؤسسات تسيطر على ما يزيد على 10 آلاف موقع ميدانى فى الولاياتالمتحدة وحدها.
وتم إنشاء 263 منظمة متخصصة فى مكافحة الإرهاب فى أعقاب هجمات 11 سبتمبر من بينها منظمة تشكل قوة خاصة لتعقب الإرهابيين واقتناصهم، وأخريات لتعقب أسلحة الدمار الشامل والحرص على عدم وقوعها فى أيدى الإرهابيين، وفئة أخرى تسعى لمنع الهجمات الإرهابية برصد أى مؤشرات أولية للإرهاب، والتأكد من صحة التهديدات أو زيفها، فضلاً عن منظمات تراقب الإنترنت وتسعى لمنع استخدام التكنولوجيا ضد الولاياتالمتحدة.
ويعمل فى تلك المنظمات حوالى 850 ألف شخص، فى 33 مبنى تم بناؤها أو قيد الإنشاء لتعمل فى الشؤون المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وتعادل مساحة هذه المبانى مجتمعة 3 أمثال مساحة البنتاجون أى حوالى 17 مليون قدم مربع، كما نمت المؤسسات التابعة للاستخبارات العسكرية الأمريكية ليتضاعف عدد العاملين فيها من 7500 شخص إلى 16000 شخص، كما تضاعفت ميزانيتها وميزانية مكتب التحقيقات الفيدرالية (إف. بى. آى).
وتقوم العديد من تلك المنظمات بنفس الوظيفة، مما يتسبب فى الارتباك وإهدار الموارد، ومن بين ذلك أن 51 وكالة حكومية وأخرى تابعة للجيش تعمل على تتبع أموال الشبكات الإرهابية، كما أن تلك المنظمات تصدر حوالى 50 ألف تقرير سنوياً مما يجعل مصير غالبية تلك التقارير التجاهل.
ولا شك أن حادثة «فورت هود» التى قتل فيها 13 عسكرياً أمريكياً وغيرها من المحاولات لا تعود إلى نقص المعلومات ولكن إلى غياب التنسيق والتركيز.
وتعمل ثلثا المنظمات الأمنية فى إطار وزارة الحرب الأمريكية (البنتاجون)، وعلى الرغم من كبر حجمها وكم الموارد الكبير الذى يتم تخصيصه لها فإن عدداً محدوداً للغاية من قادة الوزارة بوسعهم الاطلاع على التقارير الصادرة منها.
وتنقل صحيفة واشنطن بوست عن وزير الحرب الأمريكى روبرت جيتس، فى مقابلة معها، أنه لا يمكن أن يحصل فى بعض الأحيان على معلومات دقيقة بسبب تشبك وتعقد عمل المنظمات الاستخباراتية الأمريكية،
كما تنقل عن مدير المخابرات الأمريكية «سى. آى. إيه» ليون بينتا قوله إنه بدأ برنامجاً لتقليص النفقات، مضيفا «مع مستوى العجز فى الميزانية فى الوكالة فى الوقت الحالى، فإننا سنرتطم بالحائط إن آجلا أو عاجلا.
وتبلغ الميزانية الرسمية للمخابرات الأمريكية وحدها 75 مليار دولار، وذلك على الرغم من أن غالبية العمليات العسكرية على الأرض لا تقوم بها الاستخبارات ولكن أجهزة وزارة الحرب.
وكتبت الصحيفة أن 1271 وكالة حكومية و1934 شركة خاصة موزعة على 10 آلاف موقع عبر الولاياتالمتحدة تعمل على برامج مرتبطة بمكافحة الإرهاب أو المخابرات. وتوظف هذه الهيكلية 854 ألف شخص بإمكانهم الاطلاع على معلومات سرية و33 مبنى شيدوا أو قيد التشييد فقط في العاصمة الفدرالية واشنطن.
وقالت الصحيفة إن هذه البيروقراطية تؤدي إلى إجراءات إدارية كبيرة. فقد لاحظت الصحيفة على سبيل المثال أن 15 مدينة مختلفة مكلفة مراقبة نقل أموال الشبكات الإرهابية. وآلة المخابرات الأمريكية العملاقة تنتج كما من التقارير - حوالي 50 ألفا سنويا - أنه "يتم ببساطة تجاهل عدد منها".
وذكرت الصحيفة أنه بسبب هذه الأخطاء لم تتمكن المخابرات الأمريكية من إفشال محاولة تفجير طائرة كانت تقوم برحلة بين أمستردام وديترويت في عيد الميلاد أو حادثة إطلاق النار في فورت هود في تكساس التي أوقعت 13 قتيلا في نوفمبر.
وكتبت الصحيفة أنه بسبب الطبيعة الحساسة للموضوع سمح لمسئولين في الحكومة الأمريكية بالاطلاع على التحقيق قبل نشره وأنه تم سحب بعض المعلومات منه. والمقال الذي غطى صفحات عدة والمرفق بصور سينشر في 3 أجزاء حتى يوم الأربعاء وشقه الأول باسم "عالم سري يتسع لدرجة أنه يخرج عن السيطرة".