كسوة الكعبة هي واحدة من أبرز مظاهر التبجيل التي يقوم بها المسلمون لبيت الله الحرام. وقد تم بالأمس رفع جزء من الكسوة المبطن بالقماش الأبيض في تقليد يتم في نفس الوقت من كل عام مع قرب موسم الحج، وهو أمر يدفع الناس للتساؤل عن سببه وعن طبيعة الكسوة. فماذا نعرف عن الكسوة؟ وكيف تتم صناعتها؟ ومنذ متى وهي مستخدمة؟ ولماذا تستخدم؟ الكسوة وأهميتها كسوة الكعبة بشكل عام هي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليها آيات من القرآن الكريم والتي تتم تغطية الكعبة بها. هذه الكسوة يتم تغييرها مرة واحدة كل عام تكون في صبيحة يوم عرفة يوم التاسع من ذي الحجة. الحكمة التي بنيت عليها فكرة الكسوة تعود إلى كونها من شعائر الله التي أذن بتعظيمها كما ذكر في القرآن الكريم. هذا الأمر يأتي أيضًا إظهارًا لعزة الإسلام وأهله وترهيبًا للأعداء. من هنا فإن كسوة المسلمين للكعبة هي تعبّد وتقرب لله عز وجل وشكر له على منته أن جعلها قبلة لهم وألّف بين قلوبهم عليها رغم اختلاف الأقطار والبلدان. وتأتي فكرة رفع جزء من كسوة الكعبة مع بدء موسم الحج كيلا يقوم البعض بقطع الثوب بالأمواس والمقصات للحصول على قطع منها للبركة أو للذكرى، حيث يقول مدير عام مصنع كسوة الكعبة المشرفة بمكةالمكرمة “المطاف يشهد أعدادًا كبيرة من الحجاج تحرص على لمس ثوب الكعبة، وعلى الرغم مما في ذلك من بعض الاعتقادات غير الصحيحة، إلا أن كسوة الكعبة تتعرض جرّاء ذلك لبعض الضرر، كما يُقدم بعض الحجاج على قطع بعض أجزاء من ثوب الكعبة، ومنهم من يتبرك بالكسوة ويعتقد فيها ما يعتقد، ولأجل ذلك تم رفع كسوة الكعبة المشرفة إلى مسافة أكثر من مترين، ووضع قطع من القماش الأبيض وبمحيط 47 مترًا”. وصف الكسوة يستهلك الثوب الكامل من الكسوة 700 كيلوجرام من الحرير الطبيعي بالإضافة إلى 150 كيلوجرام من سلك الذهب والفضة. الكسوة مبطنة من الداخل بالقماش الأبيض. تبلغ مساحة الكسوة الإجمالية 658 مترًا مربعًا، ويبلغ ارتفاع الثوب 14 مترًا ويوجد في الثلث الأعلى منه الحزام الذي يبلغ عرضه 95 سنتيمترا وبطول 47 مترًا والمكون من ستة عشر قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية. وتوجد تحت الحزام آيات قرآنية مكتوب كل منها داخل إطار منفصل ويوجد في الفواصل التي بينها شكل قنديل مكتوب عليه (يا حي يا قيوم)، (يا رحمن يا رحيم)، (الحمد لله رب العالمين) وطرّز الحزام بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب ويحيط بالكعبة المشرفة بكاملها. كما توجد على الكسوة من الخارج نقوش منسوجة بخيوط النسيج الأسود بتقنية تسمى “طريقة الجاكارد” كتب عليها لفظ “لا إله إلا الله”، و”سبحان الله وبحمده”، و”سبحان الله العظيم”، ويا حنان يا منان يا الله” حيث تتكرر هذه العبارات على جميع قطع القماش وعلى ارتفاع 9 أمتار من الأرض وبعرض 95 سنتيمترًا. الكسوة عبارة عن خمس قطع تغطي كل منها أحد وجوه الكعبة المشرفة الأربعة، بينما القطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة ويطلق عليها اسم “البرقع” وهي مصنوعة من الحرير بارتفاع ستة أمتار ونصف المتر وبعرض ثلاثة أمتار ونصف المتر مكتوب عليها آيات قرآنية ومزخرفه بزخارف إسلامية مطرزة تطريزا بارزا مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب. تبلغ التكلفة الإجمالية للكسوة حوالي 22 مليون ريال سعودي. تاريخ الكسوة عندما جاء الإسلام كانت الكعبة تكسى بالفعل، وبالتالي فهو ليس أمرًا جديدًا جاء به الإسلام. في أغلب الظن أن ملك اليمن “تبع الحميري” هو أول من كسا الكعبة بالكامل في الجاهلية، كما أنه أول من صنع للكعبة بابًا ومفتاحًا وذلك في أعقاب زيارته للكعبة. استمر الحميري في كسوة الكعبة فكساها بالخصف وهي ثياب غليظة ثم كساها المعافي ثم الملاء والوصائل. خلفاء الحميري من ملوك اليمن أخذوا بعد ذلك يكسون الكعبة بالجلد. يذكر التاريخ أن “عدنان بن إد” الجد الأعلى للنبي محمد هو أحد من كسوا الكعبة، فكسوة الكعبة تحولت إلى واجب من الواجبات الدينية. في ذلك الوقت كانت الكسوة توضع الواحدة فوق الأخرى حتى إذا ما ثقل وزنها أو بليت تم إزالتها وتقسيمها أو دفنها. استمر الأمر هكذا حتى آل الأمر ل”قصي بن كلاب” الجد الرابع للنبي والذي قام بتنظيم أمر كسوة الكعبة، وذلك في أعقاب جمعه لقبائل قومه تحت لواء واحد. عرض بن كلاب على قبائل قريش أن يتعاونوا ويساهموا في الكسوة كل حسب مقدرته لتتحول كسوة الكعبة لما يسمى “ثمرة الرفادة”. استمر الأمر هكذا حتى ظهر أبو ربيعة عبدالله بن عمرو المخزومي، وهو تاجر ذو مال كثير، فأشار على قريش أن يكسو الكعبة سنة، وتكسوها قريش سنة، فوافقت قريش. واستمر موضوع كسوة الكعبة دائمًا في قريش حتى إلى ما بعد ظهور الإسلام. وبعد أن فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، فقام المسلمون باستبدال كسوة المشركين بأخرى جديدة. ولم يكن للكسوة ترتيب خاص من قبل الدول الإسلامية أو بيت مالها بل كان الناس يكسونها بما تيسر لهم من قطع الثياب المتفرقة مختلفة الألوان. وقد كسا أبو بكر وعمر الكعبة بالقباطي المصرية، وقد أمر عمر أن تكون الكسوة من بيت مال المسلمين حيث كانت تحاك الكسوة في مصر. الخليفة الثالث عثمان بن عفان كان هو أول من قرر أن تكون للكعبة كسوتان الأولى كانت من الديباج وتكون يوم التروية، والثانية كانت يوم 27 رمضان وكانت من القباطي. منذ ذلك الحين تحولت نفقات الكسوة بشكل دائم على الحكومة إلا في بعض السنوات فقد كان يكسوها بعض الموسرين أو بعض ذوي المناصب الرفيعة أو حكام بعض الدول الإسلامية. في عهد بني أمية تغير موعد كسوة الكعبة، فكانت المرة الأولى يوم عاشوراء، والمرة الثانية كانت في آخر رمضان، وظل الأمر مستمرًا بنفس الطريقة خلال حكم العباسيين حتى فترة حكم الخليفة المأمون الذي قرر كسوة الكعبة ثلاثة مرات في السنة، الأولى بالديباج الأحمر يوم التروية، والثانية بالقباطي يوم غرة رجب، والثالثة بالديباج الأبيض يوم 27 رمضان. بداية كسوة الكعبة بالديباج الأسود كانت في عهد الخليفة العباسي الناصر لدين الله أبو العباس أحمد، لتستمر على هذا اللون حتى يومنا هذا. بعد هذا ظل ملوك مصر وملوك اليمن يتعاقبون على كسوة الكعبة حتى تفردت مصر بها بالكامل حيث أصبحت تأتي من مصر من مال الوقف الذي قام بوقفه الملك الناصر بن قلاوون منذ عام 750 للهجرة، وظل الأمر هكذا حيث تقوم الحكومة المصرية بإرسال الكسوة. النقطة الفاصلة كانت عام 1345 للهجرة عندما امتنعت الحكومة المصرية عن إرسال الكسوة إبان حكم الملك عبد العزيز ليصدر أمر ملكي في غرة شهر ذي الحجة بعمل الكسوة بأسرع ما يمكن وقبل مجيء اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو ما تم. ومع بداية العام الهجري التالي صدر أمر ملكي بإنشاء دار خاصة لصناعة الكسوة في منطقة أجياد في مكةالمكرمة لتصبح الحكومة السعودية هي المسؤولة عن الكسوة منذ ذلك الحين. مراسم التغيير شاهد هذا الفيديو المختصر لعملية تغيير الكسوة:
في العصر الحالي يتم تغيير الكسوة مرة واحدة كل عام. بعد أن يتوجه الحجاج إلى صعيد عرفات خلال الحج، يتوافد أهل مكة لبيت الله الحرام للطواف والصلاة ومتابعة تغيير الكسوة القديمة بالكسوة الجديدة وذلك استعدادًا لاستقبال الحجاج في صباح اليوم التالي، أولى أيام عيد الأضحى. بداية المراسم تبدأ في منتصف شهر ذي القعدة تقريبًا حيث يتسلم سدنة الكعبة “وهم الأشخاص المخصصون بالعناية بالكعبة والقيام بشؤونها من فتح وغلق وتنظيف وغسيل وكسوة وإصلاح واستقبال الزوار، وهم أحفاد قصي بن كلاب”، من قبل الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي وذلك في قاعة المناسبات الرئيسية في مصنع الكسوة بمكةالمكرمة. يوم عرفة يتم إحضار الثوب الجديد بعد صلاة الفجر حيث يقوم المشاركون بتغيير الكسوة باستخدام سلم كهربائي. يتم تثبيت قطع الثوب الجديد على واجهات الكعبة الأربعة على التوالي فوق الثوب القديم. الثوب يتم تثبيته في عرى معدنية خاصة يبلغ عددها 47 عروة مثبتة بسطح الكعبة. بعد هذا يتم فك الحبال الخاصة بالثوب القديم ليقع تحت الثوب الجديد وذلك لكراهية ترك واجهات الشعبة مكشوفة بلا ساتر. تستمر مراسم تغيير الكعبة منذ الفجر وحتى صلاة العصر ويشارك بها 86 يدًا عاملة. وتعود الكسوة القديمة إلى مستودع المصنع من أجل الاحتفاظ بها