"الفساد والعسكر".. كلمتان متلازمتان منذ عقود من حكم العسكر لأرض الكنانة وإصرارهم على فرض سيطرتهم ونفوذهم على الاقتصاد الوطني واحتكار تنفيذ المشروعات العملاقة وإنشاء غالبية مصانع الاغذية والمشروبات، فضلا عن غض الطرف عن فساد رجال الأعمال الذين يدورون في فلكهم. إلا أن الفساد الذي كان يتم في السابق دون علم المصريين استطاع الجهاز المركزي للمحاسبات تحت قيادة المستشار هشام جنينة، فضح جانبا منه من خلال توجيه أعضاء الجهاز للقيام بدورهم في الرقابة على العديد من مؤسسات الدولة، الأمر الذي دفع السيسي إلى تفصيل تشريع جديد يسمح له بإقالة "جنينة" من منصبه، في محاولة لوقف نزيف الفضائح أمام الرأي العام، والذي طالما حرص السيسي على مخاطبته بعبارات "مفيش" ،"انتو هتاكلوا مصر يعني؟". وكان آخر ما تم الكشف عنه من الفساد تحت حكم العسكر ما رصدته مبادرة "ويكى فساد"، التابعة لمركز هردو، من وقوع 71 واقعة فساد بمصر خلال شهر يونيو 2015، معتبرة إياه الرقم الأكبر على الإطلاق مقارنة بالتقارير السابقة لها. وقالت المبادرة فى تقريرها الصادر، إن حجم الفساد بلغ فى مجمله 3.496.823.672 جنيها من أموال الدولة، مشيرة إلى أن أشكال الفساد تنوعت داخل الدولة، بشكل أكبر وأضيف إليها أنواع جديدة كغسيل الأموال والنصب واستغلال المنصب الوظيفى، مشيرة إلى أن وقائع الاختلاس وصلت إلى 816.364 جنيه، كانت أهم واقعة فيها كانت بالشهر العقاري, كما بلغ الاستيلاء على المال العام 1.103.603.356 جنيه منها 500 مليون فقط من تموين العياط, أما إهدار المال العام فكان 1.855.676.352 أهمها كانت وزارة التطوير الحضاري التي أنشئت منذ عام فقط، وتم إهدار 887 مليون جنيها منها، بالإضافة إلى 345 مليون جنيها من الجهاز التنفيذي للمنطقة الحرة. وكشف التقرير أن التلاعب والفساد المالي والإداري بلغ حجمه 517.628.000 مليون منهم 500 مليون في شركة بولفارا للغزل والنسيج بالإسكندرية, أما وقائع الرشوة فقد وصلت 11.099.600 مليون، بالإضافة إلى 8.000.000 مليون غسيل أموال ونصب واستغلال منصب، مشيرا إلى أن وزارة التموين تصدرت قطاعات الفساد بعدد 10 وقائع شهدتها المخابز والجمعيات التعاونية ومتسودعات السلع التموينية، جاءت بعدها في المرتبة الثانية المحليات بعدد 7 وقائع، ثم فى المرتبة الثالثة للقطاعات الأكثر فسادا كانت وزارتي الزراعة والتربية والتعليم بعدد 5 وقائع لكل منها، أما في المرتبة الرابعة بعدد 4 وقائع جاءت وزارة الداخلية كعادتها داخل أقسام الشرطة، ووزارة النقل في هيئة الطرق والكباري ومكاتب البريد، ووزارة الإسكان في الإدارات الهندسية وقطاع مياه الشرب، بالإضافة إلى وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة وأيضا الهيئات المستقلة. وأضاف أن المرتبة الخامسة بعدد 3 وقائع كانت من نصيب وزارتي الإعلام في ماسبيرو ووزارة التعليم العالي في الجامعات, ثم جاءت في المرتبة السادسة كل من وزارة الصناعة والاستثمار ووزارة الأوقاف التي انضمت مؤخرا لقطاعات الفساد بعدد واقعتين لكل منها، موضحا أن المرتبة الأخيرة بواقعة واحدة جاءت لكل من وزارة المالية والقوى العاملة ووزارة العدل والتطوير الحضري بالإضافة إلى الخارجية ووزارة الصحة متمثلة في نقابة الأطباء، وأيضا وزارة التنمية الإدارية ووزارة الشباب والرياضة. كانت تقارير رقابية قد كشفت عن إهدار 200 مليار جنيه سنويا في مؤسسات الدولة، وكشف تقرير مركز "هردو" لدعم التعبير الرقمي أن الأشهر الأربعة الأولي من العام الحالي شهدت وقوع العديد من حالات الفساد المالي والإداري بمختلف قطاعات الدولة، ففي فبراير الماضي صرح هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بوجود تهرب ضريبي لبعض المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، وأن المبالغ المهدرة فى التعدي على أراضى الدولة بلغت 214 مليار جنيه -حسب تقرير اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد- مشيرا إلى أنه قدم بلاغات للنائب العام بهذا الشأن ولم يتحرك أحد، كما أن هناك مسؤولا بإدارة تعليمية بأسيوط اختلس 160 ألف جنيه، وصرفت وزراة المالية 6 مليار جنيه دون حدوث تغيير بالدين العام، وكذلك الشركات القابضة التى صرفت 23 مليار جنيه ولم تصرف سوى 15% من المبلغ على الإصلاح الفنى والإدارى" بحسب جنينة. وفي شهر مارس، كشف تقرير للجهاز المركزي للمحاسبات عن إهدار المال العام بفرع وزارة الصحة بالدقهلية بمبلغ 3مليون و280ألف جنيه، والائتمان الزراعي بمبلغ 73مليون و189ألف و316 جنيه، ورصد المركز تصريحات متضاربة لرئيس حكومة الانقلاب إبراهيم محلب، ووكيل هيئة النيابة الإدارية حول قانون الخدمة المدنية، حيث يراها الأول آلية جيدة للقضاء على الفساد، بينما يراها الثاني أداة مساعدة على الفساد. ورصد التقرير كشف الرقابة الإدارية لفساد بمستشفى فاقوس، عن غياب الأطباء وطاقم التمريض، وتعطل الأجهزة الطبية، ما يؤدي لتكدس المرضى بالمستشفى، وذكر المركز تصريحات ل"جنينة" يؤكد أن حجم الفساد المالي والإداري وصل إلى 200 مليار جنيه سنويا، وخبر عن حبس عضو مراقب بالمركزي للمحاسبات 15 يوما على ذمة التحقيقات لتزوير مستند منسوب لجهة عمله بقصد الاستيلاء على مبلغ 20 ألف جنيه من أحد البنوك الحكومية. بينما رصد المركز في "إبريل" الماضي تصريحات لرئيس هيئة الرقابة الإدارية تفيد تعديل القانون الرقابى، ورصد حالات فساد واختلاس فى شركة جنوبالقاهرة لتوزيع الكهرباء وفى بعض الشركات والمستشفيات العامة، إضافة لوقائع فساد رصدتها موسوعة "ويكي فساد" وإحالة عدد من المسؤولين إلى المحاكمة بتهمة الفساد المالي والإداري فى عدد من القطاعات، والهيئة المصرية للمعارض وللمؤتمرات والمتحف المصري واتحاد الإذاعة والتليفزيون وأيضا شركة مياه المحلة ومستشفي ملوي العام، بالإضافة إلى خبر ضبط أمين عام حزب سياسي ومدير الاتحاد العربي لمكافحة الجريمة والفساد بتقاضيهم رشوة وخبر تورط نظيف وغالي في التلاعب بالأموال العامة. وفي شهر مايو، رصد المركز استغلال بعض المسؤولين لسطلتهم الوظيفية للتلاعب بالأموال أو الحصول على رشوة ومنهم المستشار الإعلامى لوزير الزراعة، ومهندسي شركة المقاولون العرب، وهيئة الطرق والكبارى، والقبض على عدد من المتهمين فى قضايا الاختلاس والرشوة بالإضافة إلى أبرز الأخبار عن وقائع إهدار المال العام المكتشفة فى أسبوع. ويبقى السؤال الذي يطرح نفسه: إلى متى يصم القضاء آذانه عن التعامل مع الإهدار المستمر للمال العام في مؤسسات الدولة؟