عندما دخل الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان لم يكن يعلم أنها سوف تكون مقبرته وأن الحرب هناك سوف تضع نهاية تراجيدية للامبراطورية السوفيتية التي توسعت طيلة النصف الثاني من القرن العشرين. وعندما دخل المحافظون الجدد بقيادة جورج بوش ذلك البلد لم يقدروا حجم المتاعب والمشاكل التي سوف تحدث للولايات المتحدة بسبب الاستخفاف بالأوضاع السياسية والاجتماعية هناك. الآن يدور جدل عنيف داخل أروقة الإدارة الأميركية وعلى المستوى الشعبي حول جدوى استمرار الحرب في أفغانستان. فالمراجعة الاستراتيجية التي قام بها الجنرال ماك كريستال قائد القوات الأميركية في أفغانستان قبل أسابيع وضعت توصيات تطالب بضرورة زيادة القوات الأميركية هناك بحوالي 40 ألف جندي، يضافون إلى حوالي 65 ألف أميركي يرابضون في أودية وجبال أفغانستان منذ ثماني سنوات. وقد أثار طلب كريستال مخاوف الأميركيين من أن تتحول أفغانستان إلى فيتنام جديدة. فالحرب تدخل عامها التاسع دون أن تحقق أياً من أهدافها، سواء بالقبض على زعيمي تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، أو بإنهاء حالة التمرد التي تقوم بها حركة طالبان، أو بإقامة دولة مدنية حديثة في أفغانستان. ويبدو أن ثمة انقساما حقيقيا بين الإدارة الأميركية والكونجرس حول جدوى إرسال قوات جديدة لأفغانستان، فمن جهة أولى ثمة انقسام واضح داخل الكونجرس الأميركي بين المحافظين الجمهوريين والديمقراطيين حول جدوى إرسال مزيد من القوات لأفغانستان. حيث يؤيد المرشح الجمهوري السابق للرئاسة جون ماكين إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان، في حين يرفض آخرون ذلك ويطالبون بوضع جدول زمني للانسحاب من أفغانستان، ويرون أن إرسال مزيد من القوات يعني زيادة توريط الولاياتالمتحدة في حرب لا طائل من ورائها. ومن جهة ثانية يحاول الرئيس الأميركي باراك أوباما إقناع الكونجرس بجدوى إرسال قوات إضافية من أجل إنهاء حالة التمرد في أفغانستان، ويطالب الشعب الأميركي بالصبر على إنجاز المهمة في أفغانستان التي تبدو بالنسبة له قضية مصيرية قد تحدد مستقبله السياسي. ومن جهة ثالثة تبدو وزارة الدفاع الأميركية في ورطة شديدة بسبب عدم استعدادها الفني لإرسال مزيد من القوات في ضوء الوجود الأميركي في العراق، وفي ظل ضعف أداء قوات الشرطة والجيش الأفغاني، ولكنها في نفس الوقت تخشى انسحابا غير مسؤول قد يعيد طالبان إلى الحكم. وقد خرج وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس عن وقاره المعهود وهاجم كل من يطالب بوضع جدول زمني للانسحاب من أفغانستان. مشيراً إلى أنه من الخطأ تحديد مهلة زمنية لإنهاء العمليات الأميركية، ومحذرا من أن ذلك سيكون هزيمة كارثية للولايات المتحدة. ويحاول كثيرون الآن عقد مقارنات بين الوضع السوفيتي في أفغانستان خلال الثمانينات ونظيره الأميركي. فقد وصل عدد القوات السوفيتية في أفغانستان حوالي 100 ألف جندي قتل منهم ما يقرب من 14 ألف جندي وجرح 35 ألف سوفيتي، مقابل تهجير حوالي 2.5 مليون أفغاني من دياره. بيد أن الوضع مختلف تماماً، فالاتحاد السوفيتي دخل أفغانستان في وقت كانت الحرب الباردة لا تزال قائمة ما دفع الولاياتالمتحدة إلى مساعدة المجاهدين الأفغان وتزويدهم بالسلاح والدعم اللوجيستي. ومن جهة ثانية كان هناك دعم مالي وعسكري غير مسبوق من العالم العربي والإسلامي للأفغان لمواجهة الاحتلال السوفيتي وذلك على عكس ما هو موجود حالياً. ومن جهة ثالثة لم يكن هناك تحالف دولي يقاتل إلى جانب الاتحاد السوفيتي بل كانت حرباً غير شرعية. وأخيراً لم يتجاوز عدد القتلى الأميركيين في أفغانستان ألف جندي خلال السنوات الثماني الماضية، ويبدو أن الأسلحة الحديثة التي تستخدمها القوات الأميركية في أفغانستان تلعب دوراً مهماً في تقليل عدد خسائر الأميركيين. ولكن رغم ما سبق فإن على أوباما أن يعي الدرس الروسي جيداً وألا يغامر بزيادة قواته في أفغانستان لمجرد حفظ ماء الوجه، فالولاياتالمتحدة تمر بأسوأ لحظاتها على المستويين الاقتصادي والعسكري. وسيكون من غير المنطقي إرسال مزيد من القوات الأميركية إلى أفغانستان دون وجود حل سياسي للأزمة هناك. وإذا ما أراد أوباما النجاح في الاختبار الأفغاني فعليه أن يعيد قراء التاريخ السوفيتي هناك جيداً.