لم تعد مخلفات الحرب في ليبيا تهدد العسكريين وحدهم، بل طالت المدنيين أيضا، فغالبية الصحاري والمحافظات الليبية ممتلئة بالألغام وبقايا الأسلحة، خصوصاً بعد اختفاء قرابة 100,000 لغم من مخزونات القذافي في 2011، وفقًا لتصريحات أحد الخبراء الليبيين في مجال الألغام. فمنذ أن بدأ القتال، والمتناحرون في ليبيا، من كلا الجانبين، عملوا على تأمين مناطق سيطرتهم عن طريق زرع الألغام، فطبقاً لما ذكره منعم عليوان، في تقارير سابقة، مدير المركز الليبي للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام (LMAC)، فقد تم زرع عشرات الآلاف من الألغام الأرضية في العديد من المناطق في ليبيا من بينها بنغازي ومصراته والزاوية وسرت وزليتين والبريقة والجبل الغربي. الخبير العسكري والاستراتيجي اللواء، يسري عمارة، قال إن ليبيا مستنقع مميت مليء بالألغام ومخلفات الحروب، مضيفًا أن الخطر الأكبر من مخلفات الحرب يقع على عاتق المدنيين من الذخائر غير المؤمنة التي يمكن أن تشكل الأساس لصناعة العبوات الناسفة، التي تستخدمها الجماعات المسلحة. وتابع الخبير العسكري، أنّ الجماعات المسلحة استولت على مخزونات الأسلحة والذخائر، ونشرت آلاف الألغام في مناطق سيطرتها، مشيرًا إلى أن القوات الموالية للقذافي أول من استخدمت زرع الألغام لمنع تقدم الثوار. وأشار إلى أن أراضي ليبيا ستظل ملوثة بمخلفات الحرب من المتفجرات لسنوات عديدة قادمة، حتى ولو توقف النزاع المسلح بها. ولفت: أن الجيش الليبي طالب المدنيين مغادرة المناطق المليئة بالألغام التي زرعها داعش والتنظيمات المسلحة، قائلاً إن ليبيا تُعاني طيلة تاريخها من مخلفات الحروب. وبحسب المركز الليبي للأعمال المتعلقة بإزالة الألغام ومخلفات الحروب، فإن مئات الآلاف من مخلفات الحرب من المتفجرات لازلت موجودة ويصعب تحديد أماكنها، وأن هناك عشرات يلقون حتفهم بسبب تلك الألغام. وطبقاً لما ذكرته تقارير سابقة ل"منظمة هيومن رايتس ووتش"، أنه تم استخدام خمسة أنواع من الألغام الأرضية من قبل قوات القذافي وهي: تاب 1 البرازيلية، وإم 3 وإم 3 إيه 1 البلجيكية، والنوع الصيني 72 إس بي المعدني إيه تي، والنوع 84 الصيني. وقد خلفت الغارات الجوية التي شنها حلف الناتو على القوات الموالية للقذافي مخلفات حرب من المتفجرات أيضاً تشمل القنابل التي لم تنفجر وصواريخ غراد وذخائر عنقودية من القذائف الصاروخية. وحتى قبل ذلك، كانت الأراضي الليبية ملوثة بالألغام الأرضية نتيجة للحملة العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية في شمال أفريقيا، ونتيجة للصراع مع مصر عام 1977، والحرب بين ليبيا وتشاد خلال الفترة من عام 1980 إلى 1987، خاصة في المناطق التي تقع على الحدود مع تشاد ومصر وتونس. ومنذ أيام، واصلت فرقة من الجيش الليبي عملية نزع الألغام في محور الصابري بمدينة بنغازي، بهدف تسهيل عمليات تقدم الجيش. وقال الناطق الرسمي باسم وحدة الهندسة العسكرية في بنغازي، سراج الطيرة، إن آمر الوحدة العقيد يوسف اللواطي أشرف على آخر المستجدات بمنطقة الصابري بشأن تفكيك الألغام التي يتم العثور عليها لتسهيل عمليات تقدم الجيش. وأوضح الطيرة أن الهدف من الزيارة هي "دعم عناصر صف الهندسة العسكرية الموجودين في محور الصابري والإطلاع على الأضرار التي خلفتها الاشتباكات، بالإضافة إلى متابعة العمل على تفكيك الألغام هناك". من جهته، نظم الهلال الأحمر الليبي فرع طبرق وبالتعاون مع عدة مدارس بالمدينة حملة للتوعية بمخاطر مخلفات الحروب بالإضافة للتعريف بالإسعافات الأولية. وحسبما قال صالح الطيب منسق الشباب بالهلال الأحمر الليبي، أنه من ضمن أهداف حملة التوعية من مخاطر مخلفات الحروب وسبل الوقاية منها وضرورة تجنبها والإبلاغ عنها في الوقت المناسب، لتفادي الأضرار الجسدية والنفسية الهائلة التي يمكن أن تحدثها هذه المخلفات، باعتبار هذه الظاهرة طارئة على مجتمعنا فمخلفات المواد الحربية تشكل حدثاً خطيراً يُهدد سلامة الأطفال". يذكر أن اليابان، منتصف العام الماضي، أعلنت تقديمها 5.2 مليون دولار للصندوق الخاص بالمساعدة في إزالة الألغام ومخلفات الحرب من المتفجرات والذي يغذي البرنامج الذي تشرف عليه الأممالمتحدة للدعم في ليبيا. وفي نهاية مايو الماضي، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن مخلفات الحرب من الأجهزة القابلة للانفجار ما تزال تتسبب في قتل وتشويه المدنيين في ليبيا. وأعلنت اللجنة في بيان لها، أنها أطلقت حملة لإزالة تلك الذخائر التي لم تنفجر بعد في ليبيا، خصوصاً في مدينتي سرت وبني وليد حيث لا يزال مدنيون يسقطون أو يجرحون في من جراء انفجار عبواتها. وفيما أكدت اللجنة أنها قامت بتفكيك وإزالة 1400 قنبلة وقذيفة هاون وصاروخ ومتفجرات أخرى منذ (مارس) قبل الماضي في مختلف أنحاء ليبيا، حذرت من أن مثل هذه الذخائر ما تزال تمثل تهديداً جدياً للمدنيين الذين يريدون العودة إلى ديارهم. جدير بالذكر أن الكتاب الأبيض الذي أصدرته الحكومة الليبية عام 1981، أنه في كل سنة بدءاً من سنة 1939 (قبل الحرب) إلى سنة 1975 كان هناك ضحايا من انفجار مخلفات الحرب في ليبيا لكل مخلفات الحرب (ومن بينها الألغام) باستثناء عام 1969، و1970. وتحمل سنة 1945 السجل الأكثر دموية وهو 130 قتيلاً. كما أن ليبيا تواجه أيضاً تركة ثقيلة من الألغام من قبل نظام معمر القذافي، الذي زرع إبان أحداث ثورة ال17 من فبراير لعام 2011، بالألغام البلاستيكية لإعاقة تقدم الثوار.