صدام وضربات قوية يتلقاها قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي من السعودية ملخص ما كتبه اليوم الكاتب الكبير د. عبدالبارى عطوان حيث تطرق مقاله إلى غياب العاهل السعودي الملك سلمان عن مؤتمر بيع مصر . تغيب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عن مؤتمر القمة الاقتصادية الذي تعول عليه حكومة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ لتعزيز اقتصادها ومكانتها الاقليمية والدولية يعني "انقلابا" في خريطة التحالفات العربية، وتغييرا في معادلات القوة في منطقة "الشرق الاوسط". قمة شرم الشيخ التي بدأت أعمالها عصر (الجمعة) وتستمر يومين، جاءت ثمرة مبادرة سعودية للعاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي جعل القاهرة المحور الرئيسي لسياسته العربية، ووضع كل ثقله خلف الرئيس السيسي ونظامه في مواجهة الحلف التركي القطري الداعم الرئيسي لحركة "الإخوان المسلمين"، حتى أن العاهل السعودي الراحل اعتبر أن من لا يدعم مصر حاليا "خارج عن الملة" وقال بالحرف الواحد "من لا يقدم مساعدات مالية لمصر ليس منا ولا نحن منه"، في إشارة "غير مباشرة" إلى دولة قطر التي تعتبر واحدة من أغنى أربع دول عربية نفطية. *** العاهل السعودي الجديد الملك سلمان أوفد ولي عهده الأمير مقرن بن عبد العزيز؛ ليرأس وفد بلاده إلى القمة الاقتصادية هذه في إشارة واضحة بأن موقفه تجاه مصر يختلف كليا عن موقف شقيقه الراحل، وأنه ليس على القدر نفسه من الحماس لدعم الاقتصاد، وبالتالي الدور المصري وتوجهاته العربية والدولية، لأنه يعطي الأولوية لإيجاد "جبهة جديدة" في مواجهة "التمدد" الإيراني في المنطقة. هذه التوجهات السعودية الجديدة تجلت بشكل واضح أثناء الزيارتين التي قام بها كل من الرئيس السيسي ونظيره التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض، فبينما لم تستغرق زيارة الأول إلا "سويعات" معدودة، حظي الثاني بحفاوة لافتة، وأقيمت على شرفه مأدبة غداء رسمية، والأهم من ذلك أنه حظي بلقاء مغلق مع العاهل السعودي اقتصر عليهما فقط لأكثر من نصف ساعة. الرئيس السيسي عاد من الرياض "عاقد الحاجبين" ولم يدل بأي تصريح حول جولته وثمارها بعد وصوله الى القاهرة، وكان واضحا أن الزيارة لم تكن بالنجاح المأمول واتسمت بالبرود، من الجانب السعودي خاصة، وإلا لهلل لها الإعلام المصري وطبل، وأبرزت الصحف معلقات المديح للمملكة العربية السعودية وملكها الجديد. المسؤولون السعوديون يدرسون خطواتهم بشكل جيد، وكل لفتة محسوبة وتنطوي على رسالة لأكثر من جهة في الوقت نفسه، ورئاسة الأمير مقرن للوفد السعودي اختيرت بعناية فائقة، وجاءت أول ترجمة عملية لها بتغيب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر عن القمة، وتكليفه وكيل وزارة الاقتصاد، وليس الوزير نفسه، أو حتى وزير الخارجية السيد خالد العطية برئاسة الوفد القطري إلى القمة، مما يفهم من خلاله أن مساعدات قطر المالية لدعم الاقتصاد المصري في هذه القمة قد تكون محدودة جدًا إن لم تكن معدومة. الرئيس المصري سيلتقط حتما مضمون هذه الرسالة السعودية، وسيصاب بخيبة أمل كبرى، والشيء نفسه سيستنتجه معظم القادة العرب الآخرين، وقادة دول الخليج خاصة، فمن الواضح أن انخفاض مستوى التمثيل السعودي القطري في القمة الاقتصادية سينعكس بطريقة أو أخرى على القمة العربية التي ستعقد في القاهرة أيضا في أواخر الشهر الحالي. مجلس التعاون الخليجي يقف على أبواب حالة انشقاق جديدة ولكن اللاعبين مختلفون هذه المرة، فنحن أمام تحالف سعودي قطري في مواجهة تحالف إماراتي كويتي، ووصول أمير الكويت لرئاسة وفد بلاده في قمة شرم الشيخ مؤشر مهم في هذا الصدد؛ لأن الكويت لا تستطيع أن تتخلى عن مصر التي لولا دورها لما "تحررت" من "الاحتلال" العراقي عام 1991، وقمة القاهرة التي انعقدت بعد الاجتياح العراقي مباشرة، وشّرعت تواجد نصف مليون جندي أمريكي في الأراضي السعودية، ورئاسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة لوفد الإمارات تنطوي على معان كثيرة. *** وربما يفيد الإشارة بأن العلاقات السعودية الإماراتية تعيش حالة من البرود هذه الأيام في مقابل ازدياد العلاقات الإماراتية المصرية دفئا بل سخونة، فقد كان لافتا أن الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات غاب عن معظم اجتماعات وزراء خارجية دول مجلس التعاون التي عقدت أخيرا في الرياض، وأناب عنه السيد أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، مضافا إلى ذلك الاستقبال الحافل الذي حظي به الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي من قبل الرئيس السيسي قبل يومين أثناء زيارته للقاهرة، والاحتفال الكبير الذي أقامه له في القصر الجمهوري بمناسبة عيد ميلاده. تمهيد العاهل السعودي الجديد لانضمام بلاده إلى المحور التركي القطري، والانفتاح المتوقع، أو عدم العداء لحركة الإخوان المسلمين على أقل تقدير، ربما يدفع الرئيس السيسي للتوجه إلى المعسكر الإيراني السوري المقابل، خاصة أن مستشاره الأبرز الصحافي محمد حسنين هيكل كان يدفعه في هذا الاتجاه طوال العامين الماضيين، صحيح أن السلطات المصرية لم توجه الدعوة لإيران لحضور هذا المؤتمر، ولكن هذا يعود إلى أن الدعوات صدرت قبل شهر وقبل وفاة العاهل السعودي السابق، كما أنه تم استثناء إسرائيل وتركيا. الرئيس السيسي أعطى إشارات عديدة في هذا الصدد عندما توجه إلى موسكو لعقد صفقات أسلحة، ووقع صفقة أخرى مع فرنسا بخمسة مليارات دولار لشراء طائرات رافال المقاتلة كبديل للطائرات الأمريكية، وفرش السجاد الأحمر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي قام بزيارة رسمية إلى القاهرة قبل شهر، واستضافت بلاده وفورا فصائل سورية معارضة من خارج الائتلاف الوطني. خريطة تحالفات المنطقة العربية تستعد لتغييرات كبيرة، وربما جذرية، ومجلس التعاون الخليجي على أبواب انقسامات اكثر خطورة من سابقاتها، والتحالف المصري السعودي يقترب من نهايته، وإزالة حركة "الإخوان المسلمين" من قائمة "الإرهاب" السعودية باتت مسألة وقت وتوقيت، ولن يكون مفاجئا بالنسبة إلينا إذا ما شاهدنا تقاربا مصريا إيرانيا، وزيارة وشيكة للرئيس السيسي إلى طهران، فلا شيء غريب أو مستبعد في "الشرق الأوسط" هذه الأيام.