تابعت السلطة في الجزائر التحولات السياسية في الجارة تونس منذ الاستقلال بأدق تفاصيلها. ، كانت الجزائر أول من علم بالانقلاب الذي قام به الرئيس المخلوع" زين العابدين بن علي "على الزعيم "الحبيب بورقيبة " وكانت"وكالة الأنباء الجزائرية" ، أول وكالة أنباء دولية تعلن للعالم عن خبرى إبعاد "بن علي" للزعيم "بورقيبة" من سدّة الحكم. و راقبت السلطة الجزائرية التحول الديمقراطي في تونس بأهمية بالغة. وفي الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تونس، وكان واضحاً، ولو بشكل غير معلن رغبة الجزائر في صعود الباجي قائد السبسي الى رئاسة الجمهورية في تونس لعدة عوامل وتفاصيل سياسية وتاريخية.
حيث ينتمي بوتفليقة والسبسي الى الجيل السياسي نفسه، وإلى المرحلة نفسها بكل تفاعلاتها وانكساراتها ونجاحاتها عربياً وإقليمياً وبين كلا من الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة (78 عاماً) والسبسي (89 عاماً) أكثر من نقطة تلاق. ليس التقدّم في العمر وحده ما يجمع الرجلين، اللذين ينتميان الى الجيل السياسي نفسه، وإلى المرحلة نفسها بكل تفاعلاتها وانكساراتها ونجاحاتها عربياً وإقليمياً. وانما بسبب العلاقة التي تجمعهما وتعود تحديداً إلى عام 1967. في تلك السنة، شهدت الجزائر انقلاباً عسكرياً فاشلاً قاده قائد أركان الجيش آنذاك الطاهر" الزبيري"على الرئيس" هواري بومدين" وعندما فشل الانقلاب، وجد" الزبيري "نفسه مطارداً من قبل الشرطة والجيش، فاتجه شرقاً الى الحدود الجزائريةوالتونسية، وتسلّل الى عمق التراب التونسي، لكن الحرس الوطني في تونس ألقى القبض عليه، فما كان منه إلا أن كشف عن هويته، عندها تم إبلاغ وزير الداخلية حينها بالأمر. وكان وزير الداخلية حينها" الباجي قايد السبسي" الذي طلب نقل"الزبيري"الى العاصمة تونس. وهناك استقبله في مكتبه ومنحه بيتاً للإقامة وجواز سفر ومبلغاً من المال. وسمح له بمغادرة تونس الى سويسرا. والجدير بالذكر أن "الزبيري "يعلم أن "بورقيبة والسبسي" لن يقدران على مقاومة ضغوط "بومدين" لتسليمه الى الجزائر. كانت توقعاته في محلّها، وحلّ غضب الرئاسة الجزائرية على الرئيس "ورقيبة والسبسي" ولم يجد"بورقيبة "عندها خياراً سوى إرسال السبسي الى الجزائر لتقديم توضيحات الى الرئيس "بومدين" بشأن ظروف استقبال "الزبيري" على اعتبار أنه لاجئ سياسي وسُمح له بالسفر الى سويسرا. غير أنّ "بومدين"رفض استقبال السبسي، واستقبله وزير الخارجية الجزائري في حينها "عبد العزيز بوتفليقة" وكان هذا اللقاء بداية العلاقة التي توطدت لاحقاً بين الرجلين، خاصة أن السبسي ظل في دواليب الحكم في تونس حتى بداية التسعينات. فيما بقي "بوتفليقة "في دواليب الحكم حتى نهاية السبعينات. هذه العلاقة بين السبسي وبوتفليقة سمحت للأول بالتوجه الى الجزائر، مباشرة بعد تسلمه رئاسة الحكومة في فبراير 2011، بعد رفض التونسيين بقاء" محمد الغنوشي" رئيساً للحكومة، وتنفيذ اعتصامات القصبة 1 و2. وحصل السبسي على كل الدعم السياسي من "بوتفليقة" كما حصل على مساعدة مالية تقدر ب 50 مليون دولار. "
وقد دعا الرئيس بوتفليقة رئيس حركة "نداء تونس" السبسي الى الجزائر في مايو 2012، في اليوم نفسه دعا لزيارة رئيس حركة "النهضة" راشد الغنوشي، وأجرى وساطة بين الرجلين وحثهما على التوافق. ويعترف رئيس حركة "النهضة" في حوار أجراه مع صحيفة جزائرية الأسبوع الماضي أن لقاء الجزائر مع السبسي كان بداية جدية للتوافق السياسي الذي دفع المسار التونسي نحو بر الأمان. غير أنّ الجزائر التي تعترف "للغنوشي" بالحكمة، وتحفظ له إقدامه على التنازل لمصلحة تونس، ظلت تراهن على السبسي كرئيس لتونس، خاصة وأن الجزائر ضاقت ذرعاً بسياسات الرئيس "منصف المرزوقي"، الذي جرّ تونس، بحسب القراءات السياسية في الجزائر، الى سياسات الأحلاف والمحاور، وانحيازه الى محور تركيا وقطر في مواجهة محور السعودية والإمارات. إضافة إلى انحيازه الى المحور التركي الخليجي ضد سورية، وإقدامه على إغلاق سفارة سورية في تونس واحتضان مؤتمر أصدقاء سورية في فبراير 2012، متجاوزاً بذلك سياسات الجزائر المحورية إقليمياً، والمتسمة بالدعوة الى الحوار في قضايا النزاع الإقليمية والدولية. هذا إضافة الى الموقف الملتبس للمرزوقي بشأن قضية الصحراء الغربية، وهو موقف اعتبرته الجزائر في صالح الطروحات المغربية.إضافة الى ذلك انزعجت الجزائر من رغبة المرزوقي بالقفز على الحجم الجغرافي لتونس مغاربياً، ودعوته الى قمة مغاربية في أكتوبر 2013 في طبرقة التونسية. جاء رهان الجزائر على السبسي رابحاً. غير أنّ الأخير الذي تعتبره الجزائر رجلها في تونس، مدين لباريس أيضاً في صحوته السياسية وعودته الى المشهد بعد عقدين من انسحابه من الساحة السياسية. وسيكون على الجزائر مقارعة باريس لإبقاء السبسي قريباً من سياساتها الإقليمية