تنويه واجب: نشر هذا المقال عن طريق الخطأ تحت إسم المهندس عمر عزام وقد إتصل لتصحيح هذا الخطا ورد الحق إلى صاحبه.. لذا لزم التنويه. تثير أزمة " خلية حزب الله فى مصر " أكثر من قضية : أولا :. البعد الدينى لمشكلة فلسطين : واضح أن هناك محاولات متلاحقة ومتصاعدة تقوم بها الأنظمة والجماعات المرتبطة بالعالم الغربى وعلى رأسه أمريكا لفك الارتباط بين الإسلام كدين وفلسطين كوطن ، مع اصطناع تناقض سافر بين مفهوم السيادة الوطنية والقومية وبين التعامل مع الشأن الفلسطينى . ليس هذا فقط ، وإنما راحت تأجج الاختلافات الفقهية خاصة بين السنة والشيعة بهدف إضعاف وضرب المقاومة . فإن جاء الإمداد والعون من حزب الله فهى مؤامرة لتشييع السنة و كأن مصر والسعودية أصبحتا الحاميتين للمذهب السنى ! وإن جاءت المساعدة من إيران فهى إحياء للامبراطورية الفارسية وكأن العرب متحدون فعلا! ثانيا :. مفهوم الأمن القومى : تحت هذا الشعار أصبحت ترتكب أبشع الجرائم فى حق الوطن . وقد أوضحنا وأثبتنا فى مقال " ماذا لو تحالفت حماس مع إسرائيل ؟" أن الأمن القومى المصرى مرتبط بالأمن الفلسطينى ، وأنه يتحتم على مصر إيجاد مقاومة قوية فى غزة تحديداً ، فما بالك والمقاومة موجودة بالفعل ؟! هنا تصبح مساندتها وتقويتها فرض وطنى يعتبر خائنا لمصر من يحيد عنه . ثم إننا نتساءل عن ماهية الأعمال والأفعال التى تهدد الأمن القومى .. أليست هى الأعمال التى من شأنها إضعاف الدولة وتعريضها للخطر ؟ فإن كان الأمر كذلك فإننا نؤكد على أن التفاوت الطبقى الرهيب والذى لم نسمع به حتى أيام الملكية هو تهديد للأمن القومى ، وأن تزوير إرادة الشعب فى الانتخابات هو تهديد للأمن القومى ، وأن تخلفنا العلمى الناتج عن ضعف ميزانية البحث العلمى التى تكاد أن تكون صفرا بجانب ميزانية الجهات السيادية المنوط بها حماية النظام هو من قبيل التهديد للأمن القومى ، وأن السماح بالأعمال " التبشيرية" تحت سمع وموافقة الجهات الأمنية هو تهديد للأمن القومى خاصة وأنها تدعو للكاثوليكية التى لا يدين بها أقباط مصر ، وأن الحد من زراعة القمح هو تهديد للأمن القومى ، وأن التعاون الزراعى مع إسرائيل والذى أنتج محصولات أصابت أعدادا كبيرة من الشعب بالسرطان والفشل الكلوى كان تهديدا صارخا للأمن القومى، ومع ذلك فقد كوفئ المسئول عنه – الوزير يوسف والى – وأقفلت الجريدة التى فضحته – جريدة الشعب – وزج بصحفييها الشرفاء فى السجن بل وجمد حزب العمل الذى قاد حملة الدفاع عن الأمن القومى المصرى . إن من يتشنجون تنديدا بمساعدة أهلنا فى غزة ويعتبرون ذلك تهديدا للأمن القومى هم الذين ساندوا ويساندون كل فعل أصاب ويصيب الأمن القومى فى مقتل . إن المواثيق الدولية لا تجرم إمداد الشعوب المستعمرة بالسلاح ومساعدتها لتحرير أرضها ، فما الذى نخشاه إلا أن تكون هناك بنود سرية فى معاهدة السلام تمنعنا من ذلك ؟ إعلنوها صراحة حتى نعرف ما هو حاضرنا وإلى أين يتجهون بوطننا بعد زمان كنا فيه الأقوى والأعلى مكانة بالأفعال لا الأقوال! ثالثا:. مفهوم السيادة الوطنية: لا يختلف إثنان على حب الوطن – بغض النظر عن اكتفاء البعض بحبه بالاغانى والشعارات !-وصون كرامته والدفاع عن سيادته فلا داعى للمزايدة على هذا الأمر . وقد كان موقفا سخيفا أن ينبرى كتاب ومعلقى السلطة تأكيدا على حبهم للوطن ( وكيف لا يحب رئيس تحرير الأهرام ورئيس مجلس إدارته الوطن وهما يحصلان على راتب شهرى يفوق المليون جنيه فى بلد يعيش أغلبية سكانه تحت حد الفقر؟! ) أما المضحك فى الأمر فتلك النغمة التى عزفها جميع المعلقين – من حكوميين ومعارضين – فى إعلان فريد للعالم بأن " المصرى " لا يقبل أن يمس أحد سيادة وطنه ، وكأن أبناء الأوطان الأخرى يقبلون ذلك !! ثم أليس شيئا مريبا تأكيدنا على ما ليس بحاجة إلى تأكيد ؟! فإن تناولنا موضوع حزب الله من زاوية " السيادة" فإننا بداية كنا نتمنى لو أننا نعيش فى زمن كان الوطن يمتد فيه من أندونيسيا إلى المغرب ، ووقتها لم تكن لتوجه للبنانى القادم لمساعدة إخوانه فى فلسطين تهمة انتهاك السيادة المصرية . وقت أن قاد الجيش المصرى صلاح الدين الكردى فى حرب الصليبين ، وقطز المملوكى فى حرب التتار. أما وإننا نعيش فى زمن الحدود المصطنعة فلا نملك إلا أن نخضع للتفسير " الجاهلى " للوطنية التى حاربها الإسلام وأبدل بها مفهوم الوطن الواحد الذى لا حدود له غير حدوده مع الأعداء وعليه فإننا نقر بخطأ حزب الله عندما أرسل شبابه لمساعدة أهلنا فى غزة دون استئذان السلطة المصرية . ولكن - وهنا بيت القصيد – هل نعلق له المشانق عقابا له على هذا الخطأ ونعامله بأسوأ مما عاملنا ونعامل به من ينتهكون سيادتنا من الأعداء ؟! نعم. أخطأ حزب الله لأنه تعامل مع الواقع بمفهوم ما قبل سقوط الخلافة الإسلامية ، وعليه أن يتحمل تبعات هذا العمل – البطولى فى ميزان الإسلام والمجر َّم فى ميزان السيادة الوطنية – تماما كما تحمله ، وسيتحمله ، شباب مصرى دفع ضريبة مساعدته لغزة سجنا وتعذيبا منذ انحراف مصر عن مسارها التاريخى بعد إبرام معاهدة السلام مع العدو . رابعا:. الهدف من إثارة هذه القضية وبهذه الكيفية: أجزم بأن أحداَ ممن خبر أسلوب تعامل أمن الدولة مع مثل هذه القضايا يصدق ما قيل عن تخطيط حزب الله لضرب المنشآت المصرية واستباحة دماء المصريين . وقد كنت انتظر ، منذ خطاب نصر الله الشهير الذى طالب فيه بالضغط على النظام لفتح المعبر ، أن تقوم جهة " ما" بأعمال إرهابية فى مصر ونسبتها لحزب الله ، وهو ما يفسر عدم توجيه الاتهام فى تفجيرات الحسين لأية جماعة حتى الآن لتظل سيفا مسلطا على أى من حزب الله أو حماس . ويبدو أن استمرار وجود الأمل فى إخضاع حماس للمطالب الإسرائيلية الأمريكية فى مفاوضات القاهرة هو الذى يؤجل تأليب العامة ضد حماس بتنفيذ عمل إرهابى كبير يسند إليها! ومع اعترافنا بأنه – نظريا – يظل احتمال صدق الجهات الأمنية فى اتهامها لحزب الله قائما إلا أن فقدان الثقة فى التقارير الأمنية يحول دون تصديق العقلاء لهذه الاتهامات. ولطالما حذرنا من تنامى واتساع الهوة والتنافر بين الشعب – خاصة طبقاته الفقيرة – ورجال الأمن وهو ما يمثل تهديدا خطيرا للأمن القومى . ولا يجدى إنكار ذلك لأنه واقع يلمسه المواطنون فى شتى المستويات بدءا بمن تستضيفهم أمن الدولة وحتى المشجعين فى مباريات الكرة ! فإذا ما انتقلنا للتحليل العقلى لهذه الاتهامات نجد أنه لم يحدث من قبل أن أتهم حزب الله بالقيام بعمل إرهابى ضد أى بلد ، ثم أنه من يسعى لنشر مذهبه الدينى – كما تدعى جهات الأمن – لا يطلق طلقة واحدة ضد من يريد استمالتهم وإنمايمدهم بالأموال والخدمات لا بالقنابل والمفرقعات ! والثابت أن مصريا واحدا لم يتشيع فى ذروة حب الناس لحسن نصر الله ، كما لم نسمع أن أهل غزة قد تحولوا للمذهب الشيعى ولا أعتقد أن حزب الله يطلب منهم ذلك ، وأخيرا فإن الشيعة لو اختاروا بلدا ما لنشر مذهبهم فلن يكون هذا البلد هو مصر لأن فى طبيعة التدين المصرى ، إن كان فى حبه الجارف لأهل البيت أو سلوكياته الدينية البعيدة عن صحيح السنة ، ما يجعله أقرب الشعوب تعاطفاً مع الشيعة – رغم أن عامة المصريين لا يعرفون الفرق بين الشيعة والشيوعية ! فإن أضفنا لذلك إباحة زواج المتعة عند الشيعة ، وفى ظل عوائق الزواج بين الشباب فى مصر ، لأدركنا أن نشر المذهب الشيعى فى مصر لا يحتاج لقنابل ولا تفجيرات ، بل على العكس فإن هذه الأعمال الإجرامية – لو تمت – ستعرقل نشر المذهب ، وهم – أى الشيعة – ليسوا بمثل هذا الغباء حتى يقعوا فى هذه الخطيئة . أنه ليؤلمنى - كمصرى – أن ينجرف حكامنا وراء التخوفات الخليجية السعودية تجاه الشيعة – وهى مبررة عندهم باعتبار الطبيعة السكانية هناك – فيحاربون حربهم نيابة عنهم. خامسا ً:. الوعى السياسى للنظام المصرى : كنا قد أوضحنا فى مقالى َّ " هل أخطأت حماس " و "بين شموخ أردوغان .. وخنوع زعماء الأمة " ضعف مستوى أداء الدبلوماسية المصرية فى تعاملها مع أحداث حرب غزة وللأسف أثبتت الضجة التى صاحبت الإعلان عن " خلية حزب الله " استمرار هذا الضعف والتخبط. فمن ناحية قدم النظام المصرى ، من حيث لم يقصد ، الدليل للشارع العربى على صدق توجهات حزب الله فى مساندته لغزة وإمداد أهلها بالسلاح ، فى حين كان نفس النظام يشكك منذ شهور مضت فى مصداقية حزب الله كمناصر لقوى المقاومة ! ولا شك أن هذا الدليل المصرى قد أكسب حزب الله المزيد من التعاطف والتأييد ليس فى مصر فحسب وإنما فى العالم الإسلامى كله لأنه مهما انحرفت الأنظمة العربية فتظل الشعوب رافضة للوجود الإسرائيلى وداعمة للمقاومة . بل أكاد أجزم أن هذه التهمة الموجهة لحزب الله ستكون ورقته الرابحة فى سباق الانتخابات اللبنانية القادمة بعكس ما قصدته السلطة فى مصر حين أعلنت عن هذه الخلية فى هذا الوقت تحديداِ! وباعتبارى سنى المذهب فإننى أتهم النظام المصرى بمساعدة حزب الله على نشر المذهب الشيعى فى مصر بإظهار الشيعة بإنهم هم السند الحقيقى للمقاومة! ثم أنه لو كان الأمر يتعلق فقط بانتهاك السيادة المصرية لكان من الأوجب ضرورة معالجته بما يتناسب ومقدار هذا الانتهاك والذى انحصر فقط فى تقديم السلاح للإخوة فى غزة دون استئذان السلطات المصرية ، فكان يكفى العتاب أو حتى الاستنكار والشجب والإدانة – كدأب ردود أفعال الأنظمة العربية تجاه كل إنتهاك للسيادة العربية !- مع محاكمة من يثبت اشتراكه فى هذه "المؤامرة!" محاكمة علنية عادلة وبدون هذا التهويل والصخب والانفعال والتشنيع وكأن حسن نصر الله هو الذى هدد بضرب السد العالى وسب رئيس جمهوريتنا علنا . ( ترى ما هى أخبار زيارة ليبرمان لمصر ؟!!). أما مناصبة إيران العداء فلا يدل إلا على غباء سياسى من الدرجة الأولى ، اللهم إلا إذا كان تنفيذاً لأوامر سيادية من ساكنى الرياض وواشنطن ! ومن الجهل والسخف أن يقال أننا نعادى إيران لأن لها تطلعات ومطامع إقليمية لأن كل الدول تسعى لذلك بدءاً من السعودية ومروراً بتركيا وانتهاءً بأمريكا ... فهل نقطع علاقتنا بكل دول العالم؟! إن إثارة هذه القضية فى هذا الوقت وبهذه الكيفية يدل على مدى اختلال اتجاه البوصلة فى يد صاحب القرار فى مصر. وكل ما نأمله الآن أن يضع النظام القضية برمتها فى يد قضاء عادل يحكم بروح القانون قبل نصوصه ونرجو أن تتوقف وصلة "الردح" التى تصاحب مقالات وتعليقات صحفى ومعلقى السلطة وهم يتناولون علاقتنا بحزب الله . للأسف إن مثل هؤلاء كمن يحكم على مخالف لإشارة مرور بالإعدام فى حين يمنحون البراءة للقتلة والسفاحين. إسرائيل هى عدونا الوحيد، وحين ننتهى منه ونحرر أولى القبلتين يكون عندها متسع من الوقت للتراشق فيما بيننا لا بالألفاظ فقط وإنما وحتى بالسلاح لمن يريد!