تتواصل فضائح الإدارة الأميركية السابقة بعد طوي صفحتها السياسية وأعوامها العجاف. ولم تتوقف تداعياتها المشينة التي تكشف مدى الجريمة التي ارتكبت بقصد ودراية وانتهاك سافر للقوانين والاتفاقيات الدولية. وتشرح ملفات الجرائم المرتكبة في عهد جورج بوش وديك تشيني ودورهما الشخصي فيها، ازدواجية المعايير التي كانت ومازالت الإدارات الأميركية والغرب عموما يتحدث عنها لفظا ويخالفها ممارسة، ويسكت عنها إذا نفذها متعاونون مع الإدارة من الأنظمة والحكومات التابعة والحليفة لها. هذه الفضائح وصمة عار أبدية على جبين الشعارات البراقة والمشاريع الخادعة عن الكلمات المعسولة التي ترنمت بها الإدارات الأميركية خصوصا في الحقب الماضية، عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتسامح وحوار الثقافات والحضارات والعدالة الإنسانية والتدخلات الإنسانية من أجل حماية الإنسان من الاضطهاد والقمع الحكومي والرسمي والدفاع عن قيم الإنسان والأخلاق وغيرها، حيث باتت بعد ما ينشر ويعلن واضحة كالشمس لمن لا يزال مصدقا لها وداعيا مخدوعا بها. الأمثلة كثيرة. منها الذين اعتقلوا في سجون الإدارة الأميركية السابقة خارج الولاياتالمتحدة، سواء في سجون العراق أو أفغانستان أو جوانتانامو، أو السجون الطائرة أو البحرية أو المتنقلة في الغابات الأوروبية أو العواصم الأخرى المتعاونة معها، وأطلق سراحهم وبرأتهم بلدانهم أو الحكومات التي تعاونت مع الإدارة في اعتقالهم أو تعذيبهم ، كشفوا مدى المعاناة التي واجهتهم أو عانوا منها خلال فترات حجزهم واعتقالهم وأساليب التعذيب الممنوعة التي مورست معهم ووسائل القهر والانتهاكات الجسدية التي جربت بأجسادهم بهدف انتزاع اعترافات منهم بالقوة والتعذيب والقسوة الوحشية التي امتازت بها قرارات الإدارة الموقعة من قبل الرئيس أو نائبه أو من ينوب عنهما في إصدار تلك التعليمات. وصمت الإدارة والمسؤولين عن تلك الارتكابات الجسيمة التي نشرتها وسائل الإعلام في حينها ولم ترد عليها أو تعتذر عنها أو تحاول وقفها ومنعها وفق القوانين والدساتير وقواعد حقوق الإنسان. ولعل بعض محاولات من تبقى لديهم ضمير إنساني من المشرعين والشخصيات العامة أو العاملة في وسائل الإعلام في المطالبة في التحقيق وكشف صور وملفات تلك الممارسات البشعة ومحاسبة المقترفين لها يعيد شيئا من الأمل في صحوة الضمير والعدالة والمحاكمة لكل المجرمين الذين ثقلت أكفهم بدماء الأبرياء، أفرادا وشعوبا، ورد اعتبار للقانون والاتفاقيات والدساتير التي اتفقت عليها الشعوب وصادقت عليها الحكومات. ومن بين ذلك مثلا اقتراح رئيس اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الديموقراطي، باتريك ليهي،( في 9 فبراير 2009)، تأليف "لجنة أميركية لتقصي الحقائق" من أجل التحقيق في سياسات الرئيس السابق، جورج بوش، بما فيها الترويج لحرب العراق ومعاملة المعتقلين والتنصت على الاتصالات الهاتفية من دون أمر قضائي. وقارن ليهي اللجنة المقترحة باللجنة التي ألفت في جنوب أفريقيا للتحقيق في حقبة الفصل العنصري. كما يمكن اعتبار تصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ليون بانيتا، الذي عينه الرئيس باراك أوباما، خلال جلسة استماع في الكونغرس عن نيته إحداث قطيعة كاملة مع ممارسات الوكالة المثيرة للجدل في عهد الرئيس الأميركي السابق بوش بادرة وشهادة إثبات على الجرائم المرتكبة. أشار بانيتا، إلى أن سمعة ال"سي آي إيه" تضررت كثيرا، بعدما أكدت خطأ وجود أسلحة دمار شامل في العراق، وبعد الكشف عن إجراءات مثيرة للجدل على صعيدي الاعتقال والاستجواب. وأكد "أريد طيّ صفحة هذه الحقبة"، و"تولي مسؤوليتنا مع احترام القانون والدستور"، وتحقيق قرار أوباما بوقف العمل بوسائل الاستجواب التي كانت تعتمدها وكالة الاستخبارات، وبالسجون السرية. كما دان مدير الوكالة الجديد بقوة تقنية الإيهام بالغرق لاستجواب الموقوفين التي كانت تعتمدها مؤسسته في عهد بوش، واصفاً إياها بأنها "تعذيب" و"ممارسة سيئة". وليس آخر الإثباتات على تلك الجرائم لثنائي الشر الأميركي ما سيكشفه الصحفي الأميركي المعروف سيمور هيرش في كتاب له عن بعض تفاصيل تورط وكالة الاستخبارات المركزية في ملاحقة أشخاص خارج أميركا واغتيالهم، وقيام الوكالة بأعمال تجسس على الأراضي الأميركية ، وكذلك حول تورط بوش وتشيني في إصدار الأوامر بهذه العمليات. وقال هيرش انه في حقبة ثنائي الشر، أدار الدولة الأميركية حفنة مكونة من 8-9 من المحافظين الجدد، وكان يتم فيها ازدراء الكونجرس، السلطة التشريعية الأميركية. اورد ذلك في معرض حوار أمام طلاب جامعة مينسوتا عنون ب"أميركا والأزمة الدستورية". تحدث فيه عن وجود قيادة وحدة مشتركة للعمليات تنفذها فرق خاصة تم تشكيلها خارج نطاق مسؤوليات وزير الدفاع أو رئيس القيادة المشتركة، وترتبط مباشرة بتشيني وبوش. ولا تخضع كذلك إلى سيطرة الكونجرس، وتلقى رئيس هذه الوحدة، وليام ريفكين، الأوامر من الادارة بالتوقف عقب حدوث كثير من حالات الوفاة. كان أعضاء فرق الاغتيالات مثلا يقومون عادة بالتوجه مباشرة إلى هدفهم في بلدان حول العالم، ودونما أي اتصال بالسفير الأميركي أو حتى برئيس مكتب ال"سي.آي.ايه" في البلد المعني، وكانوا يتعقبون من يتهمون أو يوضع في قوائم لهم للتصفية الجسدية، بالاغتيال، ثم المغادرة. هذا الأمر، حسب هيرش، "كان مستمراً بلا انقطاع ويحدث باسمنا، أي كأميركيين". وشرح هيرش كيف تم تفسير القانون بشكل معين في حقبة ثنائي الشر بوش - تشيني، لا سيما عمليات ال "سي.آي.ايه" السرية بما يخدم مخططاتهما، دون الحاجة إلى موافقة الكونجرس عليها، وباستغلال نص الدستور الأميركي على حق الرئيس في قيادة قواته في ساحة القتال، وإصدار أوامره لهم من دون ذلك. هذه شهادات صريحة وكافية لمحاكمة ثنائي الشر الأميركي؟!.