اختار الاحتلال الصهيوني توقيتا ذا دلالة لتصعيد اجراءات تهويد القدس وتغيير الحقائق على الارض بما يفرغ اي مفاوضات محتملة من اي مضمون يذكر. فقد بدأت سلطات الاحتلال في هدم بيوت الفلسطينيين بحي البستان بسلوان جنوبالقدس مع وصول وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الى المنطقة في رسالة بالغة الاهمية تؤكد على استمرار سياسات العدوان واستمرارالدعم الاميركي المطلق لها. وامعانا في تأكيد الرسالة، أعلن عن خطط توسيع المستوطنات الصهيونية على الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ببناء اكثر من سبعين الف بيت، قدر كبير منها في اكبر مستوطنة في القدس. كما اعلن ايضا عن التخطيط لحفر نفقين جديدين تحت المسجد الاقصى، وهي الانفاق التي تهدد سلامة الاثر المقدس الذي يسعى متطرفوا الصهاينة لهدمه وإقامة هيكل سيدنا سليمان الذي يدعون انه كان في ذات المكان. طبعا لم يكن ممكنا ان تتجاهل كلينتون ذلك فأعربت عن القلق من هدم منازل الفلسطينيين ووصفت الاجراءات الإسرائيلية بانها "لا تساعد" دون ان تفسر لا تساعد ماذا او من. لكن يكفي انها عبرت عن القلق، فشكرا على القلق سيدة كلينتون. لكن ذلك القلق لا يعني ان واشنطن يمكن ان تضغط على الاحتلال ليوقف مخططاته، خاصة وان الطرف الاخر المعني بالقدس ومقدساتها مشغول بأمور كبرى مثل المصالحة بين الفصائل الفلسطينية واطلاق الاسير الصهيوني وجمع الوعود بأموال لاعادة الاعمار والآن اضيف اليها ازمة قرار المحكمة الدولية باعتقال رئيس عربي على راس عمله، في سابقة ما كان يمكن ان تحدث الا للعرب. وخبرتنا مع التصريحات والبيانات الناعمة تؤكد انها لا تعني شيئا عمليا، حتى نصائح الخبراء وبعض التقارير المحايدة لا تلقى اذنا صاغية من مؤيدي اسرائيل بالمطلقة في واشنطن ولندن وباريس. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة بريطانية فحوى تقرير، وصف بالسري ، للاتحاد الاوروبي يكشف بالوقائع سياسة تهويد القدس استنادا الى معلومات وبيانات ميدانية لفريق تقصي حقائق اوروبي. وخلص التقرير الى ان الحكومة الإسرائيلية "تستخدم التوسع الاستيطاني وهدم المنازل وسياسات التمييز فيما يتعلق بالاسكان والجدار العازل في الضفة الغربية كوسيلة لمواصلة الضم غيرالمشروع على نحو نشط للقدس الشرقية". واكد التقرير تسارع اجراءات التهويد في الاونة الاخيرة، والتي تهدف الى زيادة الوجود الاسرائيلي اليهودي في القدسالشرقية واضعاف المجتمع الفلسطيني في المدينة وعرقلة التطور الحضري الفلسطيني وعزل القدسالشرقية عن بقية الضفة الغربية. وعبر تقرير الاتحاد الاوروبي ايضا عن قلقه ، اذا يقول التقرير حسب رواية الصحيفة البريطانية ان الاتحاد الاوروبي يشعر بصفة خاصة بقلق ازاء المستوطنات داخل المدينة القديمة حيث توجد خطط لاقامة مستوطنة يهودية تضم 35 وحدة سكنية في الحي الذي يقيم فيه المسلمون بالاضافة الى خطط توسيع بشان حي سلوان الذي يقع خارج حوائط المدينة القديمة. وحسب التقرير يوجد الان نحو 470 الف مستوطن في الاراضي المحتلة منهم 190 الفا في القدسالشرقية. ومرة اخرى لا يصل هذا القلق الى حد حتى لوم اسرائيل او انتقادها على ما تفعله بحق السكان الاصليين في ظل الاحتلال ، دعك طبعا من امكانية الضغط عليها لتوقف اجراءاتها التي لا تجعل الحديث عن مفاوضات تسوية بينها وبين الفلسطينيين الا نكتة حقيقية. ربما لا يجوز للمرء هنا ان ينتقد الاميركيين والاوروبيين لان موقفهم واضح ومعلن ونحن نتعامل معهم على هذا الاساس، فلا يصح اذا ان نطالبهم بما لم يلزموا انفسهم به. انما اللوم الحقيقي علينا نحن العرب، اذ اننا لا نهتم اطلاقا بتغيير الوقائع على الارض ونستمر في "هجوم السلام" المزعوم حتى اخر شبر مما تبقى من ارض فلسطين وربما اراض عربية اخرى محتلة. والصهاينة يدركون ذلك جيدا ويتعاملون على اساسه ويواصلون ممارساتهم العمكلية على الارض حتى يصبح العرب يوما وليس هناك ما يفاوضون عليه سوى بعض الجزر العربية في عنق البحر الاحمر و"اشرطة حدودية" داخل اراضي الدول المجاورة للاحتلال الصهيوني. ونحمد الله ان الاعلام بدأ يرسخ الان هذه الحقيقة، فلم يعد الشريط الحدودي الشمالي للاحتلال وحيدا، بل ان هناك "شريطا حدوديا" جنوبيا مع مصر يتم قصفه صهيونيا بشكل يكاد يكون يوميا. وهذا امر، للاسف ، لا يدعو حتى لقلق الدول العربية المعنية طالما انها تحافظ على قنوات اتصالها بالصهاينة والاميركيين وتابعيهم الاوروبيين. حتى "القلق" الذي يعبر عنه تقرير الاتحاد الاوروبي وتصريح السيدة كلينتون لم يجسر العرب على التعبير عنه. بالله عليكم كيف يمكن للفصائل الفلسطينية ان تتجاهل ما يجري للقدس من تطهير عرقي لسكانها الفلسطينيين عبر هدم بيوتهم وطردهم ومن توسيع للاستيطان وتهديد لبقاء الاقصى وبقية المقدسات! وعلام يتناحر الفلسطينيون اذا كان الاحتلال يغير الوقائع على الارض بتلك الوتيرة، وماذا سيتبقى لفتح او حماس او غيرهما ليحكموه؟ وعلام يتصالح المعتدلون والممانعون العرب بما يشغلهم عن القدس والاشرطة الحدودية اذا كان الصهاينة لن يتركوا لهم شيئا يتفاوضون عليه. ليت الجميع على الاقل "يقلق" على ما يجري فلربما يهتم احد بهذا القلق، ولو من باب الشفقة على حال العرب!