رصد تقرير منظمة الأسكوا تراجع معدل النمو للناتج المحلى للمنطقة العربية؛ ليصل إلى 3 فى المئة فى عام 2013، بعد أن كان 7.7 فى المئة فى عام 2012. وأوضح التقرير إلى أن عدة دول عربية تشهد نزاعات مسلحة، كما أن بعضها تعمه الاضطرابات السياسية، بينما البعض الآخر فى حالة من الترقب، لما يتوقعه من التداعيات السلبية للنزاعات، والاضطرابات بدول الجوار، وفقا للتقرير الذى صدر بعنوان "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية فى المنطقة العربية 2014/2013". وأضاف التقرير أن "الوضع فى ليبيا تسبب فى تراجع المؤشر بشكل ملحوظ، وإذا تم حساب المؤشر باستبعاد ليبيا، فإن المحصلة النهائية تكون 3.2 فى المئة بعام 2013، مقارنة ب 4.1 فى المئة فى عام 2012". وحتى اقتصاديات دول الخليج التى يظن البعض أنها بمنأى عن تلك الأحداث؛ حيث رصد التقرير تراجع معدلات نمو الناتج المحلى بها، ففى عام 2013 حققت دول الخليج معدل نمو بلغ 4.3 فى المئة مقارنة ب 5.7 فى المئة فى عام 2012. وتتوقع "الأسكوا"، فى تقريرها، بلوغ معدل الناتج المحلى للمنطقة العربية 3.5 فى المئة فى عام 2014، وهو تقدير يعتمد على حالة من التفاؤل، باعتبار عدم تدهور الأحوال الأمنية والسياسية بالمنطقة عما كانت عليه فى عام 2013. إلا أن الواقع يشير إلى أن ما حدث خلال 2014 يعد الأسوأ، سواء فى ليبيا، أو فى العراق، أو سورية، أو مصر، وليست لبنان، والأردن بمنأى عما يحدث فى سورية والعراق، كما أن حالة الترقب فى مصر والجزائر ليست ببعيدة عما يحدث فى ليبيا، وتعيش دول الخليج هاجسًا أمنيًّا؛ بسبب ما يحدث من قبل "داعش" فى العراق. وإذا كانت أحداث ليبيا أثرت بشكلٍ كبيرٍ على تراجعِ معدلات النمو الإجمالى للمنطقةِ العربية، فما بالنا إذا أضيف إليها ما يحدث فى العراق، وعودة التدخل الأجنبى هناك، ودخول الأكراد كطرف جديد فى النزاعات داخل العراق، وبخاصة أن "داعش" سيطرت خلال فترة صغيرة على مقدرات مالية واقتصادية بشكل مؤثر على أداء الاقتصاد العراقى. ولذلك فإن المنطقة سوف تدفع ثمنًا غاليا لاستمرار حالة النزاع المسلحة فى بعض دولها، وكذلك استمرار حالة غياب الاستقرار السياسى والأمنى فى البعض الآخر، ونحاول فى السطور التالية رصد مظاهر وحجم هذا الثمن من خلال المؤشرات الكلية التالية: البطالة.. تسببت الأحداث التى شهدتها المنطقة العربية فى توقع عدم تحقيق معدلات النمو المتوقعة للمنطقة فى عام 2014، وبلغت نسبة النمو نحو 3.5 فى المئة، وحتى فى ظل تحقيق هذه النسبة من نمو الناتج دون تأثير للأحداث التى عاشتها المنطقة، لا يفيد لمواجهة الزيادة السكانية بالمنطقة والمقدرة بنسبة نمو سنوية 2.2 فى المئة، فضلًا عما خلفته النزاعات المسلحة، وعدم الاستقرار السياسى والأمنى من فقد لوظائف قائمة، أو منع ضخ استثمارات جديدة من الداخل، أو تدفقات استثمارية جديدة من الخارج. كما أن عددَ العاطلين فى المنطقة العربية، وفقًا لأرقام التقرير الاقتصادى العربى الموحد لعام 2013، وصل إلى 17.5 مليون عاطل، بينما تقدره منظمة الأسكوا ب 20 مليون عاطل، كما أن الناتج المحلى الإجمالى تراجع بنسبة تتراوح بين 0.5 فى المئة و1 فى المئة، وبالتالى تزايد معدلات البطالة لتصل على الأقل إلى 22 مليون عاطل. وستشهد دول (ليبيا، وسورية، والعراق، واليمن، وفلسطين) معدلات أعلى من البطالة، كما تعانى باقى الدول من ارتفاع معدلات البطالة، حتى فى منطقة الخليج، وكذلك باقى الدول العربية. وذكر التقرير أن الأحداث فى ليبيا تؤثر على العمالة فى كل من تونس ومصر؛ حيث شهدت الدولتان عودة العمالة الخاصة بهما من ليبيا بعد احتدام القتال بين الفئات المتصارعة فى ليبيا، وهو ما أدى إلى تزايد معدلات البطالة فى مصر لأكثر من 13.5 فى المئة، وفى تونس لنحو 17 فى المئة. التضخم.. وأضاف التقرير أنه بسبب تراجع معدلات النمو الاقتصادى، تزداد حركة الواردات، وتعيش الدول مشكلة ما يسمى ب "التضخم المستورد"؛ وذلك بسبب قلة المعروض من السلع والخدمات المحلية؛ نتيجة تراجع معدلات النمو، كما أن السلع الضرورية (الطعام والشراب) تشهد معدلات أكبر فى مؤشر التضخم، مما يفاقم من مشكلة التضخم أن العالم العربى دون الحاجة إلى تقييمه فى حالة وجود النزاعات الحالية، مضيفا أن الفجوة الغذائية للعالم العربى وصلت إلى نحو 40 مليار دولار، فما بالنا فى ظل الحروب، وتوقف جانب كبير من الأنشطة الاقتصادية المحلية بدول النزاع. ومن خلال توقعات "الأسكوا" لمعدل التضخم فى المنطقة العربية، نجد أن معدل التضخم المتوقع سوف يصل إلى 6 فى المئة، ولكن فى ظل مستجدات الشهور الماضية لعام 2014، ستتجاوز معدلات التضخم معدل ال 6 المئة، والدليل على ذلك تزايد حركة الواردات العربية بمتوسط 10 فى المئة على مدار السنوات 2010 – 2012، وحتى على مستوى المناطق المختلفة بالمنطقة العربية، فإن تقديرات الأسكوا تشير إلى أن الخليج يتوقع أن يرتفع به معدل التضخم ل 3 فى المئة، وفى دول المشرق العربى 14.2 فى المئة، ودول المغرب العربى 3.7 فى المئة، والدول العربية الأقل نموًا إلى 23.7 فى المئة. العبث البترولى.. تعرضت المقدرات البترولية لما يمكن تسميته بالعبث، ففى ليبيا والعراق تمت محاولات لبيع البترول خارج مؤسسات الدولة، وإن كانت المحاولة فشلت فى ليبيا، فإنها نجحت فى العراق من خلال "داعش"، التى وجدت من يشترى منها البترول عبر السوق السوداء. وساهمت النزاعات المسلحة فى كل من ليبيا والعراق إلى تعطيل إنتاج البترول، ففى ليبيا انخفض معدل الإنتاج إلى ما يقارب 220 ألف برميل يوميًّا، بعد أن وصل قبل ذلك لنحو مليون برميل يوميًّا، وتزداد معاناة هذه الدول؛ بسبب أنها تعتمد على العوائد البترولية فى تمويل الموازنة العامة للدولة، وفى تكوين ناتجها المحلى. وفى ظل استمرار أجواء النزاع بالمنطقة، وبخاصة فى الدول البترولية، سوف يؤدى ذلك إلى تراجع العوائد البترولية، بما يؤثر على احتياطيات النقد الأجنبى بهذه البلاد، وتراجع الصادرات، وزيادة معدلات الفقر والبطالة. وفى الحالة الليبية، تقدر الخسائر لتراجع الإنتاج بنحو 100 ألف برميل يوميًّا، بنحو 10 مليون دولار، وكذلك الوضع فى العراق، إلا أن الوضع فى العراق يكتسب أهمية أكبر؛ حيث النزاع بين الأكراد والحكومة العراقية على استمرار أحقية الأكراد فى تصدير النفط الخاص بهم بعيدًا عن الحكومة المركزية. تزايد الانفاق على التسلح.. تعتبر المنطقة العربية، منذ سنوات، من أكثر مناطق العالم إنفاقًا على التسلح، وحسب آخر التقديرات، فإن إنفاق المنطقة العربية بلغ نحو 170 مليار دولار فى عام 2013، ومن الطبيعى أنه فى ظل استمرار النزاعات المسلحة، أن يشهد هذا الإنفاق تزايدًا فى عام 2014. والفرصة البديلة للإنفاق على التسلح، هى الإنفاق على التنمية، بكل مكوناتها؛ لمواجهة ظاهرتى الفقر والبطالة، وبخاصة فى الدول التى تشهد هذه النزاعات، والتى أصبحت دول مصدرة للهجرة، سواء لدول الجوار أو غيرها من دول العالم، وإن كانت دول الجوار تعانى بشكل أكبر، مثل: (الأردن وتركيا). ومما يزيد من مشكلة الإنفاق على التسلح؛ أن النزاعات داخلية، وهناك حدود مفتوحة إلى حد ما، مع دول الجوار، مما يساعد على تجارة السلاح فى إطار الاقتصاد الأسود، وهى ميزانيات مجهولة المصدر، مما يضع الدول محل النزاع فريسة لمصالح آخرين، يسعون لاستمرار هذه النزاعات، ولا يعنيهم ما تجنيه البلاد من فقر وبطالة وتخلف. خسائر تقديرية من الصعب فى ظل غياب البيانات الرسمية، الوصول إلى تقدير دقيق لخسائر الدول العربية الناتجة عن النزاعات القائمة وحالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى، وإن كان بعض المؤشرات تشير إلى ما يمكن الاعتماد عليه فى هذا الشأن. فمثلًا الناتج المحلى الإجمالى للدول العربية مجتمعة، لا يزال إيجابيًّا على الرغم من تراجع معدلات نموه على مدار عامى 2012 و2013، فلقد تجاوز الناتج المحلى الإجمالى حاجز 2 تريليون دولار منذ عام 2011، ومعنى أن يتراجع نمو الناتج المحلى بنحو 1 %، فمعنى ذلك أن الاقتصاد العربى فقد ما يزيد عن 20 مليار دولار وفق مؤشر واحد، فما بالنا بالخسائر التى يصعب حصرها بشكل دقيق والناتجة عن الفقر والبطالة والتضخم.