عشية الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة , قال نتنياهو في زيارة قام بها للجولان السوري المحتل (الجولان سيبقى في أيدينا) واعتبر المفاوضات غير المباشرة التي أجرتها حكومة أولمرت مع سوريا تنازلات بلا مقابل. ودون الخوض في التفاصيل فإن الجهود لمحاولات تحقيق تسوية على الجبهة السورية منذ مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991 استندت إلى صيغة واحدة .. هي انسحاب إسرائيلي كامل من هضبة الجولان مقابل علاقات سلام كاملة مع ترتيبات أمنية تبعد الجيش السوري عن الحدود أو هذا على الأقل الفهم الإسرائيلي لعقد اتفاقية سلام مع السوريين. ومع ذلك فإن كل المساعي المبذولة فشلت ولم تحقق شيئاً طوال فترة حكم ستة رؤساء حكومة إسرائيليين أداروا المفاوضات غير المباشرة مع سوريا , إسحق شامير , إسحق رابين , شمعون بيرس, نتنياهو , إيهود باراك وايهود اولمرت , وفقط هو أرييل شارون لم يرغب في المشاركة في مثل هذه المفاوضات .. إلا أنهم كلهم وافقوا مبدئياً على الانسحاب من هضبة الجولان حتى أن هذه المفاوضات وفي عهد إيهود باراك تركز الخلاف بين الطرفين حول قطعة أرض بعرض 200 م أصر السوريون على عدم التنازل عنها لأنها تعزلهم عن الشاطئ الشمالي الشرقي لبحيرة طبريا وهي الفجوة التي يرى السوريون أنها تطيح بمبدأ الانسحاب إلى حدود 1967 فيما لم يتم إغلاقها وموافقة إسرائيل على الانسحاب حتى آخر شبر من الأراضي السورية المحتلة مقابل قبول سوريا باتفاق سلام يتيح إقامة علاقات دبلوماسية عادية بين الطرفين. ويلاحظ أن المعطيات التي كان كل طرف من الطرفين وخصوصاً الطرف السوري يعتبرها معطيات ثابتة وواضحة تتلخص فقط بضرورة الانسحاب الكامل من الأراضي السورية المحتلة إلى حدود 4 يونيو في العام 1967.. إلا أن الطرف الإسرائيلي وخصوصاً في عهد حكومة إيهود أولمرت أضاف شروطاً جديدة لإقرار السلام على الجبهة السورية حيث أن المحادثات التي أدارها مبعوثو أولمرت مع السوريين تميزت بطرح عائق جديد لم يكن قائماً من قبل.. حيث أن إسرائيل لم تعد تكتفي بشرط تجريد هضبة الجولان من السلاح إضافة إلى فرض شروط حول تقييد تحركات الجيش السوري في الجولان .. بل تركزت على العلاقات العسكرية السورية بمطالبة أولمرت بتعهد سوري يقضي على الأقل بتبريد العلاقات السورية مع إيران بالإضافة إلى رفع يد سوريا عن دعم حزب الله في لبنان وحركة حماس في غزة ما أدى ذلك بطبيعة الحال إلى رفض السوريين رفضاً قاطعاً للشروط الإسرائيلية الجديدة. ومن الواضح أنه من وجهة النظر الإسرائيلية البحتة فإن تحقيق التسوية الانتقالية ونجاحها على الجبهة السورية منوطان باستعداد سوريا بالابتعاد عن حلفائها الطبيعيين في المنطقة العربية سواءً في لبنان أو في فلسطين وبالتالي إيران ما يعني عملياً تخلي سوريا بالكامل عن دورها المركزي في معسكر المعارضة للإملاءات الإسرائيلية في المنطقة وذلك مقابل استعداد أميركي بمنح سوريا إغراءات كافية سواء اقتصادية أو سياسية كثمن لانتقالها إلى الطرف الآخر من معادلة الصراع في الشرق الأوسط. البروفسور إيال زيسر رئيس مركز دايان في جامعة تل أبيب والخبير في الشؤون السورية يعتقد بأن الرئيس بشار الأسد لن يتخلى عن التحالف مع إيران وفي أقصى الأحوال سيرغب بل وسيعمل على تحسين علاقات بلاده مع الغرب سياسياً واقتصادياً فيما يحرص في الوقت نفسه على الحفاظ على العلاقة الوثيقة مع إيران .. ويضيف زيسر .. كما أن الرئيس الأسد يعتقد جازماً أنه لا مبرر لخطوات انتقالية تخلد فقط الاحتلال الإسرائيلي للجولان. ويبقى أن سوريا تدرك جيداً أن صمودها في وجه الضغوط الهائلة التي مورست ضدها في السنوات القليلة الماضية00 لم تسفر عن شيء في أحلك الظروف السياسية والاقتصادية في عهد الإدارة الأميركية السابقة ما يعطي القيادة السورية محفزاً إضافياً في رفض أي شروط إسرائيلية جديدة في التخلي النسبي للإدارة الأميركية الجديدة في ظل إدارة تعمل على اعتماد لغة الحوار و تحسين صورة أميركا في العالم.