لم يأتى إعلان رجب طيب أردوغان، رئيس الوزراء، ورئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم فى تركيا، عن ترشح وزير الخارجية "أحمد داود أوغلو" لرئاسة الحزب، والحكومة معا، فى وقت سابق من يوم الخميس مفاجئا لكثير من المتابعين للشأن التركى سواء داخليا، أو خارجيا. فقد تولى "داود أوغلو"، العديد من المهام، والمناصب داخل الحكومة التركية، وخارجها، بخلاف مكانته فى الحياة الأكاديمية. وكان للوزير التركى بالغ الأثر فى إكساب السياسة الخارجية التركية آلية كبيرة فى خلال ال (11) عاما الماضية، وخاصة فى الفترات، التى شهدت انكسارات تاريخية كبيرة، كما أدار حركة دبلوماسية على مستوى عالمى، لحل العديد من القضايا، التى تشغل الرأى العام الدولى، ولا سيما فى منطقة الشرق الأوسط. ووفق تقرير نشرته وكالة "الأناضول" ولد "داود أوغلو" فى 26 فبراير 1959 فى بلدة "طاش كنت" التابعة لولاية قونيا وسط تركيا، أتم تعليمه الابتدائي، والمتوسط فى الولاية التى ولد بها، ثم استكمل دراسته بعد ذلك فى ثانوية للذكور بمدينة اسطنبول. عقب ذلك التحق داوود أوغلو بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة مرمرة، ليدرس بها برنامجا مزدوجا فى قسم الاقتصاد والعلوم السياسية، وتخرج عام 1984، وحصل على أطروحة الماجستير فى الإدارة العامة، من نفس القسم الذى تخرج منه، ثم حصل على الدكتوراه عقب ذلك فى قسم العلاقات الدولية. وبدأ "داود أوغلو" عام 1990، العمل فى الجامعة الإسلامية الدولية بماليزيا، بدرجة مدرس، وأسس خلال فترة عمله قسم السياسة الذى تولى رئاسته حتى عام 1993. وفى العام 1995 عاد الوزير التركى إلى الوطن، وواصل حياته الأكاديمية فى قسم العلاقات الدولية بجامعة "مرمرة". وفى الفترة من 1998 وحتى 2002 عمل أستاذا زائرا فى الأكاديمية الحربية، وأكاديمية القوات المسلحة، كما ترأس فى الفترة من 1999، وحتى 2004 قسم العلاقات الدولية بجامعة "بيك كنت" بالعاصمة أنقرة، وفى الفترة ذاتها عمل مستشارا فى رئاسة الوزراء التركية فى فترة الحكومة ال 58 برئاسة "عبد الله غل" فى ذلك الوقت. حينما عمل "داود أوغلو" مستشار لرئاسة الوزراء دخلت تركيا مرحلة الإصلاح بشكل سريع، وشهد المجالين السياسي، والاقتصادي، حراكا كبيرا، كبقية المجالات الأخرى، كما شهدت تلك السنوات أيضا اتخاذ خطوات شجاعة، وقوية، بخصوص العديد من الملفات الحساسة، مثل القضية القبرصية، والعلاقات مع أرمينيا. وكان الوزير التركى أحد الجهات الفاعلة فى الجهود الدبلوماسية التى عرضتها الحكومة التركية بعد الهجوم الذى شنته إسرائيل على قطاع غزة عام 2008. تولى داود أوغلو وزارة الخارجية التركية فى 1 مايو 2009، ولم يكن حينها نائبا فى البرلمان على غير العادة التى جرت على أن يكون الوزير نائبا فى البرلمان. وكوزير خارجية قام "داود أوغلو" بعدد من المهام والوسطات التى غيرت نظرة العالم حيال السياسة الخارجية التركية. ولقد أحدث "داود أوغلو" خلال عمله كوزير خارجية، تغييرا كبيرا فى السياسة الخارجية التركية، تغييرا أقر به الجميع، حتى سموا تلك الفترة باسمه، وذلك للجهود الكبيرة التى بذلها دبلوماسيا لإعادة اعتبار تركيا خارجيا. وكان الوزير التركى قد ذكر فى إحدى مقالاته المبادئ الخمسة التى تسير عليها السياسة الخارجية التركية وهى: "التوزان بين الأمن والديمقراطية"، و"صفر مشاكل مع الجيران"، و" دبلوماسية السلام الاستباقية والوقائية"، و"السياسة الخارجية متعددة الأبعاد"، و"الدبلوماسية الأيقاعية". مبادرات جديدة فى السياسية الخارجية طرحها "داود أوغلو" فى كتابه "العمق الاستيراتيجي": سمع الرأى العام التركى اسم "داود أوغلو" لأول مرة بشكل أكبر، بعد أن نشر كتابه "العمق الاستيراتيجي" عام 2001، والذى قدم من خلاله مبادرات جديدة دعا إلى تطبيقها فى السياسة الخارجية التركية، وترجم الكتاب إلى عدة لغات أجنبية، من بينها العربية. يتناول هذا الكتاب سبل تأمين الأمن القومى التركي، وكيفية توظيف تركيا لموروثها التاريخي، والجغرافى فى سياستها الخارجية، حيث حاول المؤلف استعمال مصطلح "العمق الإستراتيجي" فى تحديد علاقات تركيا الدولية، وذلك سعيًا منه إلى إخراج تركيا من دورها الهامشي، أثناء الحرب الباردة، ونقلها إلى بلد محورى ومؤثر دوليًا. تناول الجزء الأول من الكتاب الإطار المفاهيمي، والتاريخي، وجاء فى ثلاثة فصول، الأول: مقاييس القوة والتخطيط الاستراتيجي، أما الفصل الثانى فعرض فيه قصور النظرية الاستراتيجية، والنتائج المترتبة عليها، أما الفصل الثالث فخصصه للإرث التاريخي، ومكانة تركيا فى الساحة الدولية. وفى الجزء الثانى عرض الإطار النظري، وهو الاستراتيجية المرحلية، والسياسات المرتبطة بالمناطق الجغرافية، تناوله فى أربعة فصول: الأول منها تعرَّض للنظريات الجيوسياسية: تركيا بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، والفصل الثانى خصصه للمناطق البرية القريبة.. البلقان والشرق الأوسط والقوقاز، والفصل الثالث تناول الأحواض البحرية القريبة: البحر الأسود، وشرق المتوسط، والخليج، وبحر قزوين، والفصل الرابع عرض فيه المناطق القارِّية القريبة.. أوربا وشمال إفريقيا، وجنوب آسيا، ووسط وشرق آسيا. وتناول الجزء الثالث مجالات التطبيق، التى شملت الوسائل، والاستراتيجيات، والسياسات الإقليمية؛ وجاء فى فصول؛ الأول منها خصصه للروابط الاستراتيجية لتركية وأدوات سياستها الخارجية، والثانى تناول البلقان والتحول الاستراتيجي، وفى الفصل الثالث عرض فيه الشرق الأوسط كمفتاح للتوازنات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية، وفى الفصل الرابع تناول سياسة آسيا الوسطى فى ظل توازن القوى الأورو آسيوية، وفى الفصل الخامس ناقش الاتحاد الأوروبى من خلال تحليل لعلاقة متعددة الأبعاد والمستويات. ثم ذيل الكتاب بملحق بعنوان ما بعد العمق الاستراتيجي.. تركيا دولة مركز، تناول فيه الخلفية النظرية والتاريخية، ووضعية تركيا، وأسس السياسة الخارجية التركية الجديدة، والاتجاه المحورى للسياسة الخارجية التركية، وسياسة تركيا فى الشرق الأوسط.. العلاقات مع العراق وسوريا، والقضية الفلسطينية، وعرض لتركيا والاتحاد الأوربي، والعلاقات التركية الأميركية، والسياسات التركية فى أوراسيا، وانفتاح تركيا على العالم.