كشفت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يوم الخميس الماض أنّ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد أقامت سجنًا سريًّا على الأراضى البولندية، ممّا زاد الضغط على بولندا، التى تعتبر واحدة من أقرب حلفاء واشنطن، لكسر الصمت الطويل إزاء البرنامج العالمى لاعتقال المشتبه بهم من تنظيم القاعدة. وقالت المحكمة:" إنّه قد ثبت أن وكالة الاستخبارات المركزية تستخدم منشأة فى الغابات البولندية، تسمى "كوارتز"، كمركز لاستجواب المشتبه بهم من تنظيم القاعدة الذين اعتقلوا بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001. كانت بولندا تنفى دائمًا أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لديها سجن على أراضيها، رغم أن التسريبات من مسؤولين سابقين فى المخابرات الأمريكية، والتحقيقات فى مجلس الشيوخ، قد أظهرت المزيد والمزيد من التفاصيل عن ذلك. وتعدّ تلك هى المرة الأولى التى تعلن فيها محكمة فى أوروبا أنّ وكالة الاستخبارات المركزية تدير سجونًا سريّة (التى غالبًا ما يشار إليها باسم "المواقع السوداء" فى القارة). وقال سينغ عمريت، وهو محام يعمل لصالح مبادرة العدالة فى المجتمع، والموكل من قِبل أحد الرجال الذين رفعوا القضية أن كلًّا من بولندا والولاياتالمتحدة يجب أن تُحاط علمًا بما وصفه "حكمًا تاريخيًّا"، وأن عليهما الاعتراف بالحقيقة. كانت تلك القضية قد رفعت من قبل السعودى المولد أبو زبيدة، والسعودى الجنسية، عبد الرحيم الناشرى، وكلاهما من سجناء جوانتانامو، السجن العسكرى الأمريكى فى كوبا. وقال الرجلان:"إنّهما قد نقلا جوًّا سرًّا إلى مطار بولندى، ثم نقلتهما وكالة المخابرات المركزية إلى منشأة تقع بالقرب من قرية ستارى كياجكوتى حيث كانا يواجهان معاملة تصل إلى حد التعذيب". كما قضت المحكمة أنه على الرغم من جدار السرية المُقام حول برنامج "التسليم الاستثنائى" الذى تقوده الولاياتالمتحدة، كان هناك ما يكفى من الأدلّة الظرفية؛ لأن نقول بما لا يدع مجالًا للشكّ:"إن الراجلين قد تمّ احتجازهما فى منشأة تديرها وكالة الاستخبارات المركزية فى بولندا". وقالت:"إنّ بولندا كانت تعرف بأمر اعتقالهم، وينبغى أن تكون على علم بأنهم كانوا عرضة لسوء المعاملة". ووجدت المحكمة أنّ بولندا قد انتهكت التزاماتها بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لمنع التعذيب، وضمان الحق فى الحرية، ولم تحقّق بشكل صحيح فى الادعاءات حول الوقائع التى ارتكبت جريمة على أراضيها. وألزمت المحكمة بولندا بدفع مائة ألف يورو للناشرى، و130.000 يورو لزبيدة كتعويض عن الأضرار التى لحقت بهما.
من جانبها قالت المتحدثة باسم الرئيس البولندى، جوانا فيتسوريك، :"إن حكم المحكمة فى ستراسبورغ حول سجون وكالة الاستخبارات المركزية هو حكم مُحرِج بالنسبة لبولندا ويشكل عبئًا على ميزانية البلاد فضلًا عن صورتها". ومن المتوقّع أن يكون للحكم أيضًا آثار على دول أوروبية أخرى يُعتقد أنّها استضافت سجون وكالة الاستخبارات المركزية، حيث تمّ رفع قضايا مماثلة أمام المحكمة فى ستراسبورغ ضد رومانيا وليتوانيا. إلّا أن حكم المحكمة لا يشمل بشكل مباشر الولاياتالمتحدة، التى هى خارج اختصاصات المحكمة. كانت إدارة الرئيس الأمريكى السابق "جورج دبليو بوش" قد بدأت فى برنامج "التسليم الاستثنائى" للتعامل مع المشتبه بهم من تنظيم القاعدة، الذين اعتُقل كثيرٌ منهم فى الغزو الذى قادته الولاياتالمتحدة ضد أفغانستان. احتجاز المعتقلين على أرض أجنبية يحرمهم من الحماية الممنوحة لهم بموجب قانون الولاياتالمتحدة؛ لذا كانت تلك السجون السريّة مهمّة لإدارة بوش؛ لأنّها أعطته مجالًا أكبر لاستجواب المشتبه بهم واستخراج المعلومات التى ساعدت على تفادى هجمات عنيفة من قبل المسلحين.