بعث د. وصفي عاشور أبو زيد، المدرس بجامعة القاهرة، هذه الرسالة ، لبريد الشعب ، تذكرة لكل مصاب قد ابتلي في فقد حبيب ، أو اعتقاله خلف القضبان ، أو مطاردا من اللئام ، فهذه الرسالة التي أرسلها إليه أ. علي السيار ، الداعية الرباني والمربي الكبير، الذي كتبها لتلاميذه حيث يقبعون في سجون السفاح، وكتبها كذلك لابنيه: عبد الرحمن ومصعب (عبده ومصاعيبو) اللذين حكم عليهما بالسجن ثلاث سنوات، كتبها وهو مطارد كما يحكي هو في رسالته. والتي وصفها أبو زيد بأنها "رسالة من الرسائل الحية .. الرسائل التاريخية التي تكتب بماء العيون ومهج النفوس ودماء الأرواح ..". ومضى د. وصفي قائلا: "كتبها من رحم المعاناة، ومن عقيدة الإيمان، ومن واقع الثقة في طبيعة هذه الحياة والدار الآخرة، ومن الأمل في غد مشرق -بإذن الله- ".. وقال د. وصفي أبو زيد : "اقرءوها لتروْا طرفا من الآثار الكارثية التي خلفها الانقلاب المجرم، ولتروْا فيها فضل الله على عباده وأوليائه، ورحمته ولطفه الّذين لا ينفكا أبدا عن قدره ... حفظ الله الأستاذ الكبير علي السيار، ورد له ولديه وتلاميذه، ورد له ولنا مصر معافاة منتصرة... آمين". وهذه نص الرسالة: "لمن أكتب؟! : - بكيت اليوم عندما وصلتني رسالة من خلف القضبان من الأبطال: البرديسي مصطفى كامل، .. يريدون منى معاوده الكتابة لهم. حبيبي الغالي ... مصطفي سامحني لانقطاعي فلم أكن أدري أن حرفا واحدا منى سيسعدك أو يرضيك وإلا ما تركت قلمي سامحني فقد كنت أكتب ل "عبدو ومصاعيبو) فبيننا قصة طويلة من الحب الصامت والجمال الرائع. فهما لي أكثر من أولادي ... وكنت أكتب لهما رسائلي خلف أسوار الظلم والبهتان وارسل مع كل حرف قطعة من قلبي و مع كل كلمة دمعة من عيني حتى جفت دموعي وتوقف قلبي عن النبض. فهتفت بهتاف يعقوب "فصبر جميل" حبيبي الغالي.... سامحني فقد مسكت القلم عشرات المرات ..أكتب وأكتب وأكتب.... ثم أمزق ما أكتب... فلمن أكتب ؟ من أكتب لهم... قد استشهدوا.. أو خلف الأسوار، وبقاياهم مسجونين خارج الأسوار ... لقد قتلوا الإنسان وأحرقوه ...كما قتلوا من كان في رابعة والنهضة.. كنت من آخر من خرج من رابعة ساعة الفض ؛ كانت الطائرات والجرافات والقناصات والمدافع والرشاشات تحصد الإنسان.. لقد قتلوا فيه كل شيء .. قتلوا الرجولة والنخوة ... الطيبة والرحمة ...أصبح شخصا مشوها . وأين اكتب ؟ أين أكتب ولا مكان لي.. فعلا ليس لي مكان؛ لأني خارج المكان؛ اقتحموا شركتي عده مرات، وبحثوا عن بيتي فهجرته .. لم يعد لي بيت ... كل الأماكن الأخرى مظلمة معتمة كئيبة كوجه السفاح السيسي ... تعرف!... أول أمس جاءني رجل يريد أن يخطب ابنتي .. ولا مكان أقابله فيه فحاولت أن أذهب إلى المسجد .. مسجد كنت أحبه وأعشقه .. كانت معي مفاتيحه، وكم علمت الناس فيه كتاب الله... وكم نظفت الحمامات فيه يوم الجمعة ... وكم أحرقت أعواد البخور في ساحاته، وكم سجدت بين جنباته.. وجدته مغلقا.. نعم .. أغلقوه .. فبيوت الله عندهم ليس لها وزن .. هل تتذكر يوم أن داس العسكر مسجد النور بالأحذية البغيضة النجسة, كنت أظن أنهم غلاظ الأكباد منتزعي الضمير فقط الأن ايقنت انهم ليسوا بشر انهم لا يريدون الالتزام السلبي حتي لا يريدون مكانا واحدا طاهرا .. نعم فدور العبادة والمعابد والاديرة اماكن يسمح بها الطواغيت.. اما الشياطين فلا تسمح بها , حبيب الغالي .... عن أي شيء تريدني أن أكتب؟ عن الجو والألوان والطيور... عن اللون الأحمر ... نعم فهذا لون أمقته تماما مع أني كنت "أهلاوي". فكل شارع في مدينه نصر بلا استثناء .. كل شارع سكب فيه حبيب من أحبابي، دمه الأحمر الطاهر .. رواه قمر كنت أسهر معه وأتسامر معه وأنشر الخير معه .. فشارع في "الحي الثامن" لوَّن طرقاته أحمد عاصم السنوسي، وأحمد سنبل، وعبد الرحمن ... وشارع في "الحي السادس" سكب دمه عمار علي جابر وزملاؤه. وشارع في المنطقة التاسعة رسم جنباته دمُ محمد عبد الباسط وزملاؤه. وشارع في الحي العاشر جمَّل طرقاته أحمدُ الغريب وزملاؤه. وهناك في آخر المترو رسم بلال عبد الكريم جميع بينياته باللون الأحمر بعدد كل بسمة مشرقة من ابتساماته بعدد كل ضحكة صافية من ضحكاته .. وهناك في آخر العزبة كتب الشهيد البطل محمود عباس وصيته بالدم القاني ومعه أكثر من عشرين شابا من العزبة.. .. شوارع مدينة نصر مظلمة كوجه السيسي العفن. لا تظن السجن فقط هو المظلم لا بسب جدرانه أو مظلم لسبب قطع الكهرباء .. فاليوم في صلاة الجمعة قطعوا الكهرباء. لا تظن أنها ظلمة وتعطيل المصالح ...و...و.....إنها عنوان جباههم النجسة، وأيديهم النجسة، وقلوبهم المظلمة. لا تظن السجن به صراصير وزبالة، ففي مدينه نصر الشوارعُ كلها زبالة، والبيوت كلها زبالة، والقلوب والنفوس كذلك . نفوس لا تعرف الله ... لا تتعجب ولا تندهش ... نعم فالله عندهم شيء جميل ومقدس لكنه لا يقرب لقمتهم الحرام وسهرتهم الحرام وعيشتهم الحرام.. الله عندهم شيء جميل مقدس ... ولا تزايد فالحشاش أحمد فؤاد نجم قال: إن الله سيقابله بالأحضان، ويقول له: أهلا يا أحمد . لمن أكتب ؟ للزهور التي ذبلت وأقفرت.. أأكتب للطيور التي لم تعد تمر بسماء بلادي؟ أمس وجدت وردة ملقاة على الأرض لابد أن حبيبا ما ابتاعها لمحبوبته فقالت الوردة إنها لا تستحق فرماها... لمن تريد أن أكتب؟ عن جاري المسن وزوجته المريضة .. كيف لا يجدون الدواء.. فبلادي لم يعد فيها مستشفى للفقراء.. لمن أكتب؟.. عن أنس ابني في الصف الثاني الإعدادي هل تعرف كل يوم أخاف أن يخرج للطريق.. كل يوم أنظر اليه وأنا ادعو في قرارات نفسي أن يحفظه الله فهو يحفظ كتاب الله، وهو نسخه منكم، لكن الطريق - كما تعلم - ضاعت . الآن يفترشها جميع أنواع البلطجية ... العسكر والداخلية ومرتزقة .. إي والله! فالسيسي يحرسه مرتزقة أجانب، ويدفع له مرتزقة، ويدعمه مرتزقة ... هل تريدني أن أكتب .. إلى أساتذتي المخلصين، العلماء المجاهدين والدعاة المخلصين الصامدين. إنها كوكبة عظيمة يصعب حصرها، بل يستحيل.. هم من صناعة هذه الدعوة المباركة، بل تقاربت كل الدعوات والهيئات المخلصة، وهذه من أكبر منح المحنة. أأكتب لكم أنتم أيها الأبطال؟... بلغني أن بعضكم حزين وبعضكم محبط قليلا ... ما هذه التفاهات؟ .. أنتم؟ وأنتم محل تفاخر الله بكم ... شباب ترك الحياة جميعا وآثر ما عند الله .... ..... حبيبي الغالي في يد من أنت؟......مع الله أنت يا رجل أمامك ابن تيميه لخص الموضوع حين قال: ............ سجني خلوة، وقتلي شهادهة، ونفي سياحة، وربما نزيدها شطرا: "ومطاردتي صلاة". حبيبي الغالي.... سأواصل الكتابة ، كما ستواصل الشمس المقبلة إشراقها .. وكما ستعود الطيور المهاجرة إلى وكناتها .. وكما يكسوا اللون الأخضر زروعنا المقفرة!!.. سأكتب لك عن الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - نفديه بآبائنا وأمهاتنا وعن حبنا له حبا مَلَك شغاف قلوبنا وكيف يكرهون سيرته ....... سأكتب لك عن الأخوة التي بنيناها فما تبدلت ولا وهنت. عن جدارها الصلب المتين ودعوتنا المباركة .... عن قلوب أحبابك هنا الذين يدعون لك ليل نهار.... سأكتب لك عن الحب الذي يحسدنا عليه المبغضون ... سأكتب لك عن خطواتنا الثابتة التي تدك عروش المترفين .. .سأكتب لك عن نهاية النفاق والكذب والخداع ومصارع الظالمين .... وسأكتب لعبدو ومصاعيبوا، ولك يا بطل ولكم جميعا . سأكتب .... (*إني أحبكم في الله*). أخوكم علي السيار 21-6-2014