ما نراه من مصائب وكوارث في وطننا العربي واشتعال النيران الطائفية ودخول الأوطان في مرحلة التقسيم الفعلي هو نتاج عدة عوامل مركبة ومتراكمة، ولكن اهمها وام مشكلاتها هو غياب الهوية القومية. فالهوية القومية هي اكبر عوامل الحفاظ على الدولة القطرية بعكس ماكان يروج اعداء القومية من انها تضر بالقطر وتفقده قوته ودولته ، والحاصل ان بعد عقود من القطرية ثبت ان العكس هو الصحيح وان تفتيت الهوية هو مقدمة طبيعية لمزيد من التفتيت ونتاجه المباشر تفكيك الاقطار. ان مخططات التقسيم لاتبتدع اوضاع بقدر ما تستغل نقاطا للضعف وامراضا مجتمعية، والمستعمر لايتخلى عن مبدئه التقليدي "فرق تسد"، كما لايتخلى عن صناعة الجاني والضحية في ان واحد في اطار صناعته وهندسته للصراع. كم من منظمات ممولة تلعب على اوتار طائفية ولا تكف ولا تمل عن انماء بذور التعصب لاستغلالها في الوقت المحدد لاشعال الصراع. وكم من اهمال الدول لمؤسساتها وادوارها ترك المجتمعات فريسة للاختراق من جهة وللجهل من جهة اخرى وتخلت الدول عن ادوارها لانتماءات ماقبل الدول، فتركت الساحة للقبائل والطوائف والاعراق. المتابع لمخططات الغرب ومراكزها البحثية يجد ان اولى خطواتهم التي اتخذوها هو اعلان الحرب على الدولة القومية، بهدف نزع عوامل الوحدة والتجمع، ثم اتجهت المخططات بعد نزع القومية الى تقسيم الدولة القطرية ذاتها. وفي الوقت الذى سارت فيه المخططات بشكل متزامن ومتوازي، حيث سار التشوية والافتراء على القومية، وكذلك زراعة مفاهيم مقصودة ومنتقاه للديمقراطية وسط تعميق للطائفية، سارت خيبة الدول بشكل متوازي وكانت عاملا مساعدا للغرب بالتخلي عن المشروع القومي وبالتخلي عن دور الدولة والتفريط في السيادة والاستسهال في الحكم واشراك رأس المال فيه، مما دمر الهوية والانتماء حتى للاقطار وسارت المجتمعات في طريق التقسيم مغماة العين وكأنها قطيع يساق بل وكأنها لاتملك طريقا اخر.