فى هذا الجزء الأول : أقدم تحليلا نظريا وسياسيا للدور السلبى الذى لعبته الكنيسة ومنظمات أقباط المهجر فى الخارج ولوبيات المصالح ورجال الأعمال المسيحيين فى الداخل فى المشهد المصرى من وجهة نظر سياسية بحتة ليس لها أى علاقة بالدين أو الموقف منه . إني أفرق هنا بين هذه القوى الثلاث وبين الكتلة الأعظم من الجمهور المسيحى الكبير الذى أرى أنه وقع ضحية وفريسة لهذا الثالوث من القوى المسيحية حتى ولو بدى للوهلة الأولى أنه لا فارق كبير بين الجمهور المسيحى وثالوث القوى المسيحية أما فى الجزء الثانى (وربما الثالث) من هذا المقال والذى سوف يلحق بهذا الجزء قريبا فسوف يتضمن أدلة ووقائع ومستندات تدلل على تورط هذا الثالوث فيما سميتة بالخطايا الكبرى التى أرتكبها فى المشهد المصرى والتى سوف أقوم بعرضها وتحليلها فى هذا الجزء الذى بين يدى القارئ الكريم مقدمة طويلة ولكن مهمة لو كنت مسيحيا أثناء حكم عبدالناصر والسادات وسئلت (أيهما تفضل ؟) أعتقد أنى كنت سأجيب بأنى أفضل عبد الناصر على السادات إذا كنت فعلا متسقا مع نفسى . فعبد الناصر مثلا كان قاسيا مع الإخوان المسلمين باعتبارهم التعبير الوحيد فى ذلك الوقت عن الإسلام السياسي وكان يتحرك باستمرار نحو دولة ذات شكل مدنى (حتى ولو كان العسكر هم من يحكمونها فى واقع الأمر) وفى هذه الدولة يسعى لأن يقل تأثير ونفوذ الدين فى حكمها إلا فى حدود ضيقة بعكس السادات الذى أطلق العنان لتيارات الإسلام السياسى بشتى أشكالها ولم يقتصر فقط على إطلاق سراح الإخوان المسلمين والسماح لهم بالعمل الدعوى والسياسى (بغض النظر عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الأطلاق ودوافعه) ولكن المدهش أنك لو كنت قد سألت هذا السؤال إلى عينة عشوائية من المسيحيين المصريين قبل ثورة 25 يناير لكانت قد جاءتك الإجابه ونتيجة المسح الاحصائى مخالفة تماما لما كنت أتصوره من أجابه حيث أن الغالبية العظمى من هذه العينة تفضل السادات عن عبد الناصر وهذا ليس أفتراضا نظريا من عندى ولكنى سعيت بالفعل خلال فترات مختلفة من حكم مبارك أن أطرح هذا السؤال على أكبر عدد من المسيحيين الذين أعرفهم سواء كأصدقاء أو زملاء أو جيران أو حتى قابلتهم بالصدفة وسمحت لى الظروف أن أطرح عليهم هذا السؤال وكانت النتيجة كما ذكرت أن غالبيتهم العظمى تفضل السادات. وهذا يعنى أن هناك معيارا آخر للتفضيل لدى الجمهور المسيحى غير هذا المعيار الذى تصورته بسذاجة وأنا أطرح السؤال السابق على نفسى وعلى هذه العينة العشوائية من المسيحيين . إنه بالتأكيد معيار المصالح والمنفعة لدى قوى الثالوث المسيحى سابقة الذكر والتى لها نفوذ وتأثير كبير على الجمهور المسيحى الأوسع وهذه القوى هى التى تؤثر فى إنحيازات ورؤية هذا الجمهور حتى ولو تعارضت مع مصالحة الحقيقية طالما أن هذه الرؤية وتلك الأنحيازات تحقق مصالح هذا الثالوث وتطلعاتة الطبقية فى رأسمالية رغدة دغدغ السادات بأوهامها مشاعر الرأسماليين والطبقات الغنية بل والمتوسطة عندما أعلن عن إنفتاحة الاقتصادى الذى جاء بدون أى ضوابط أو معاير تراعى طبيعة الدولة النامية ومصالح طبقاتها الشعبية. ولكن السؤال هو كيف كان لهذه القوى المسيحية الثلاثية هذا التأثير المعاكس على الجمهور المسيحى الكبير ؟!ا - أنه النفوذ الدينى والسطوة الروحية للكنيسة ورجالها وهيكلها الذين تربطهم بالسلطة وجهاز الدولة علاقات وثيقة ومصالح قوية حتى ولو بدى أنهم مستقلون - وكذلك سطوة رأس المال وأغراءاتة ونفوذ أصحابه عندما يتلاقى مع قلة وعى سياسى وثقافى لدى جمهور مسيحى عريض وهو مايعنى (فى رأيى) أن الكتل الشعبية بشكل عام (وليست الكتلة المسيحية فقط) - وفى كثير من الأحيان - تقع تحت تأثير قوى نشطة وفاعلة ومؤثرة قد تدفع هذه الكتل لأن تأخذ موقفا متعارضا أو تتبنى رؤية مخالفة لمصالحها الحقيقية كما نرى الآن من تأثيرات ضارة للإعلام الإنقلابى على قطاع واسع من جمهور واسع ولكن محدود الوعى أو الثقافة. فالأزهر شأنه شأن الكنيسة ما هما إلا أدوات من أدوات الدولة فى يد السلطة الحاكمة التى تمسك بتلابيب هذه الدولة وأدواتها وآلياتها وتسخرها لصالحها ولصالح إدارتها للحكم تماما كما تفعل مع الإعلام والشرطة بل والقضاء أيضا . وهنا ليس بالضرورة أن تتلاقى مصالح هذه السلطة الحاكمة مع مصالح كل طبقات وفئات وقطاعات الشعب بل العكس هو الأقرب إلى المنطق بمعنى أن السلطة الحاكمة فى أى بلد (وليس مصر فقط) هى تعبير عن مصالح طبقات سائدة فى المجتمع وتعمل بإنحياز لها على حساب باقى طبقات المجتمع ولكن فى حالة من التوازن تضمن به السلام الأجتماعى بين كل طبقات ومكونات المجتمع وتتجنب به غضب وثورات باقى الطبقات أو الفئات أو القطاعات الأخرى ولكن عندما يختل هذا التوازن ويصبح إنحياز السلطة الحاكمة للطبقات السائدة مفضوحا وزائدا ومتزاوجا مع الفساد كما هو الحال فى مصر فإن هذا الوضع يؤذن بميلاد الثورات بعد فترة من الضغوط تؤدى فى النهاية إلى إنفجار بركانها. ما أريد أن أخلص إليه فى هذه المقدمة التى طالت قليلا هو أن النقد الذى يتضمنه هذا المقال للكنيسة ولوبيات المصالح ورجال الأعمال المسيحيين فى الداخل ومنظمات أقباط المهجر فى الخارج والتى أشير إليها فى باقى المقال بتعبير ثالوث القوى المسيحية لا يمتد بأى حال من الاحوال إلى الكتلة المسيحية الشعبية الكبرى التى أراها فى الحقيقة ضحية سياسات إستبدادية وأستغلالية وتهميشية تورطها حتى ولو كانت واقعة تحت تأثيرها, لماذا ينحاز ثالوث القوى المسيحى للإنقلاب وماهى مصلحته فى ذلك ولكن السؤال التالى الآن هو (ماالذى دفع هذه القوى المسيحية الآن لأن تنحاز إلى العسكر وإنقلابهم ضد الأخوان وتيار الأسلام السياسى بشكل عام؟) أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال بسيطة وسهلة الآن طالما قدمنا لهذا التشريح السابق وتتلخص فى: أن المكونين الثانى والثالث من ثالوث القوى المسيحى (لوبيات المصالح ورجال الأعمال المسيحيين بالداخل ومنظمات أقباط المهجر بالخارج) قد أرتبطت مصالحهم بمصالح النظام المصرى الجديد الذى وضع لبناته الأولى السادات كما أشرت بتوجهاته الرأسمالية نحو الغرب وبما جلبه من أنفتاح اقتصادى أستهلاكى غير منضبط أرتبط منذ أيامه الأولى بلوبيات المصالح والفساد فى الداخل من ناحية وبتزايد نفوذ الغرب والأمبريالية العالمية فى السياسة والادارة المصرية من ناحية أخرى وقد تضخم هذا الدور وهذا الارتباط بشكل ملحوظ ومضاعف وسرطانى خلال فترة حكم العميل مبارك وقد أصبح لنظامه حراسة والمدافعين عنه من أصحاب المصالح بعيدا عن الدين والذين هم مستعدون للقتال من أجل بقائه واستمراره واستمرار مصالحهم وأمتيازاتهم معه . أما المكون الأول والأساسى من مكونات ثالوث القوى المسيحى (وهى الكنيسة) فكما ذكرت من قبل هى دائما مثلها مثل الأزهر (رغم كل الأختلافات الظاهرية بينهما من حيث طبيعة التركيب الهرمى للكنيسه) هى دائما أداة من أدوات الدولة والحكم فى يد السلطة الحاكمة . فإذا ماتغير النظام السياسى وكانت السلطة البديلة لذلك النظام القديم هى سلطة نظام أسلامى أو له مرجعية إسلامية فهذا يعنى تراجعا فى دور الكنيسة بإعتبارها أداة من أدوات الحكم ومايعنية ذلك من تراجع لنفوذ ومصالح الكنيسة ورجالاتها وهيكلها هذا طبعا بالإضافة لما يثيره وصول هذه السلطة البديلة لسدة الحكم من مخاوف ويثيرة من حفيظة الجمهور المسيحى بسبب تراكم الممارسات والمواقف الخاطئة والمتعصبة من قبل بعض المتطرفين والمتعصبين الإسلاميين تجاة المسيحيين وماترتب على ذلك من خبرات سلبية لدى الجمهور المسيحى فيما يتعلق بالعيش المشترك ناهيك عن أستخدام نظام مبارك للاسلام السياسى بشكل عام وللأخوان المسلمين بشكل خاص كفزاعة لترهيب كل من المسيحيين فى الداخل والغرب فى الخارج حتى يضمن بقائة وأستمرارة وحتى يضمن دفاعهم عنة ودعمهم لة بالرغم من كل جرائمة التى أرتكبها فى حقهم وفى حق الأسلاميين على حد سواء . ومن البديهى والجلى للجميع الآن أن الإنقلاب العسكرى ماهو إلا أمتدادا طبيعيا لنظام مبارك أن لم يكن عودة لة بكل آلياتة وملامحه. المصدر: http://skyarab2000.blogspot.com