لم يكن نشر وإعلان وقائع المناورات الجوية العسكرية الإسرائيلية التي تمت غربي المتوسط بالصدفة، بعد أن اختارت الإدارة الأميركية بعد بضعة أسابيع الكشف ليس فقط عن وجود المناورات وخبر وقوعها ، بل وأيضاً عن هدفها وبشروا العالم بأن إسرائيل نفذت مناورة للهجوم على المنشآت النووية على الأرض الإيرانية ، في رسالة تقول بأنه عندما لا تؤدي دبلوماسية الضغوط الاقتصادية والسياسية على إيران إلى نتائج يتم الانتقال إلى "دبلوماسية المدافع". كما ترافق الإعلان عن قيام المناورات الجوية الإسرائيلية المشار إليها إطلاق بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية تصريحات مختلفة أعربوا فيها عن اعتقادهم بأن الرئيس جورج بوش سينهي عهده من دون تحقيق أي تغيير في ملف إيران النووي ، مشددين على عدم وجود خيارات سياسية أو عسكرية مطروحة على الطاولة لكبح طموحات طهران النووية في هذه المرحلة، بينما كشف السفير الإسرائيلي في واشنطن سالاي مريدور أن الدولة العبرية " تفضّل التعامل مع هذا التهديد (النووي الإيراني) سلماً، ومن خلال زيادة العقوبات في شكل دراماتيكي... وإبقاء كل الخيارات مطروحة "، لكنه استدرك ليقول أن " الوقت بدأ ينفد ". فقد جاءت المناورات الضخمة والنوعية للصف الأول من أحدث المقاتلات الجوية الإسرائيلية لتحقيق جملة من الأغراض دفعة واحدة في سياق الضغوط الكبيرة الأميركية والإسرائيلية والغربية عموماً الموجهة إلى إيران، ولتشكل خطوة في انتقال التهديدات اللفظية التي أصبحت عادة، إلى وقائع عسكرية، بالقوة، تشكل مرحلة جديدة مقلقة جدا في أزمة النووي الإيراني. وماهو لافت للنظر ، بأن المناورات العسكرية الجوية الإسرائيلية جاءت في الوقت الذي تقدم فيه مبعوث الاتحاد الأوروبي باقتراحات جديدة لإيران، والقاضية بمقايضة طهران بوقف إنتاج النووي مقابل امتيازات واسعة، وبدا حينها أن الإسرائيليين قد قرروا ومن خلفهم الإدارة الأميركية بالأساس، إضافة عنصر ضغط جديد عنوانه مناورات سلاح الجو الإسرائيلي، التي جرت على مسافات تتراوح بين 1.500 و 2.000 كم من فلسطينالمحتلة، حيث قام سلاح الجو الإسرائيلي بمناورة استثنائية على نحو خاص، تم فيها محاكاة ما لجأ إليه الإسرائيليون أيام حكومة ( مناحيم بيغن ) لتنفيذ الخطة ( بابل ) عندما قام الطيران الإسرائيلي في السابع من يونيو 1981 بتدمير المفاعل النووي العراقي في فترة كانت الأجواء العراقية فيها مغلقة بسبب الحرب مع إيران ، وتوقع النظام العراقي بأن يقوم الطيران الإيراني بضرب المفاعل!! والمناورات الجوية الأخيرة جاءت أيضاً كتمرين لعملية مماثلة لقصف المفاعل النووي الإيراني في منطقة (نطنز)، وك "مراجعة عامة" لسلاح الجو قبل الهجوم على إيران ، وأخذ فيها بعين الاعتبار التزويد الجوي بالوقود، وديمومة وسائل الاتصال ، والتنسيق مع قوات اخرى ، ومع دول يتم الطيران فوقها جيئة وذهابا ومع أسلحة الجو الصديقة ، ذلك أنه على هذه المسافة قد تقع نقاط خلل وهبوط في مطارات طوارئ ، وبالفعل، حسب وسائل إعلام قبرصية فقد هبطت مروحيتان من طراز بلاك هوك إسرائيليتان تحملان عشرة جنود هبوطا طارئا في بابوس في قبرص بسبب خلل أصابها. وحسب المصادر الإسرائيلية، وبعد إصلاح الخلل واصلت المروحيتان طريقهما إلى ريكليون في كريت. ويدرك الجميع بأن اسرائيل ، لايمكن لها أن تخرج في حملة مناورات جوية كهذه وحدها في محاكاة قصف المفاعل النووي الإيراني، دون غطاء أميركي سياسي وعسكري ، ودون استعانة بحلفاء مقربين، ولما لم تعد إسرائيل قادرة على التدرب في سيناء، وبالتأكيد ليس فوق الأردن، فإنها تخرج حسب التقارير غرباً، ابتداءً من نهاية التسعينيات من القرن الماضي، حين حلق سلاح الجو إلى مسافات بعيدة في ظل التنسيق مع دول مختلفة ومتنوعة، في عهد الجنرال الإسرائيلي ايتان بن الياهو قائد سلاح الجو السابق، وتوسعت دائرة المناورات والعمليات الجوية بدءا بالتدريبات في القارة الأميركية، عبر مالطا، صقليا، تركيا، رومانيا، ألمانيا، وفوق الأراضي اليونانية في المناورات الأخيرة، في الوقت الذي تبدي فيه بعض التقارير تأكيداتها بأن الطيران الإسرائيلي لا يحتاج أبدا لقطع مسافة (3000 كيلومتر) الفاصلة بين فلسطينالمحتلةوإيران، فالقواعد الأميركية في العراق و الخليج العربي تفي بإنهاء الموضوع، فالميدان العملياتي متوفر بالكامل. ومع هذا، يبدو للمراقبين بأن المواقف الدولية لم تكن مرتاحة بشكل عام للمناورات الجوية الإسرائيلية، بل واعتبرت بعض المنظومات الدولية بأن المناورات إياها تشكل شكلاً استفزازياً لايخدم الطريق والحلول الدبلوماسية الجارية مع إيران، فقد جددت موسكو رفضها اللجوء إلى " سيناريوهات القوة " مع إيران، فيما حذر خبراء روس من أن أي ضربة للمنشآت النووية الإيرانية قد تطلق حرباً واسعة نتائجها كارثية. وهو ما أكد عليه أيضاً مندوب روسيا لدى مجلس الأمن فيتالي تشوركين من أن المناورات قد تمهد لتطور خطر، وتنسف جهود التسوية الديبلوماسية للأزمة الإيرانية. وعليه، فان أي حماقة إسرائيلية تحت الغطاء الأميركي، حيث لا تستطيع إسرائيل رمي صخرة على أحد دون الموافقة المسبقة من الجانب الأميركي، ستشعل فتيل حرب واسعة في المنطقة، وعندها لن يكون أحدٌ بعيدا عن ألسنتها، كما من المؤكد بأن إيران سترد بالفعل، ولكن ردها سيكون على ساحات متعددة، منها الساحتين العراقية واللبنانية، انه سيناريو رهيب ومرعب. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن العملية الاستعراضية الجوية الإسرائيلية الأخيرة تندرج في إطار شد الأعصاب والتلويح بالعصا، في الوقت الذي تدرك فيه الولاياتالمتحدة وإسرائيل ذاتها معنى توسيع دائرة العمليات إلى إيران في ظل أزمات تلاحق الإدارة الأميركية في كل مكان من العراق إلى لبنان إلى فلسطين إلى أفغانستان.