من مميزات سياسة جورج بوش تمتعها الكبير بثقافة الخداع والكذب. ورغم أن هذه الحقيقة كانت معروفة للكثيرين، لكنها مع ذلك كانت تفتقر إلى وجود مصدر من داخل الإدارة كي يسقط القناع عنها. وجاء كتاب سكوت ماكليلن المتحدث الرسمي السابق باسم البيت الأبيض، وأحد الذين واكب حياة جورج بوش السياسية منذ كان حاكماً لولاية تكساس، والذي كان عنوانه: “ماذا حدث في بيت بوش الأبيض وثقافة الخداع في واشنطن”، ليتحمل مسؤولية إسقاط هذا القناع. وبالفعل أشار الكاتب إلى الخداع الذي مارسه بوش وزمرته التي تربعت في البيت الأبيض لمدة ثماني سنوات. قال ماكليلن إن عصابة البيت الأبيض التي كانت تضمن المستشارين السياسيين لبوش، من بينهم كارل روف ولويس ليبي وأيضاً نائبه ديك تشيني، كانت تعقد اجتماعات سرية في البيت الأبيض كي تنسق المعلومات التي يريدون تسريبها إلى وسائل الإعلام، والتي تهدف إلى تشويه الحقائق للوصول إلى أهداف سياسية وعسكرية، وبالتالي تخدع هذه المعلومات وسائل الإعلام، ومنها يتم خداع الشعب الأمريكي. والكتاب مملوء بمثل هذه القصص. من بينها على سبيل المثال، بث صورة جورج بوش في الطائرة يتفحص كارثة إعصار كاترينا في حين كانت الصورة من مشهد آخر. وكما هو معروف فإن البيت الأبيض تجاهل ما حدث في نيو أورليانز لمدة أسبوع كامل إلى أن أثيرت حملات إعلامية ضدّ هذا السكوت. ولكن الذي يهمنا، أن أسلوب الخداع الذي مارسته إدارة بوش بالنسبة لغزو العراق، أخذ شكل المؤامرة، ليس فقط على العراق، بل على المنطقة كلها، وحملة خداع وتشويه ضدّ الإسلام والمسلمين. يقول مؤلف الكتاب إن بوش انجر وراء مستشاريه ما أدى به إلى قبول مواقفهم بالنسبة لغزو العراق والدخول في حرب لم يكن مخططاً لها. وها هي أمريكا تدفع ثمن ثقافة الخداع عشرات الآلاف من القتلى والجرحى وخسارة موقعها كقائدة عالمية، وتدهور وضعها الاقتصادي وانهيار قيمة الدولار أمام العملات الأخرى. صحيح أن الحرب خدعة، ولكنها خدعة استراتيجية يحاول فيها جانب السيطرة أو الانتصار فيها على عدوه. أما ثقافة الخداع فإنها عبارة عن أسلوب يندمج فيه الشعور بالتعالي والاحتقار للآخرين والتقليل من مقدرتهم الفكرية، ونشر هذا التفكير بشكل مخادع على الجماهير سعياً للحصول على تأييد لمواقف وخطوات سياسية وعسكرية. وعندما يتبنى نظام ما ثقافة الخداع، يتفاقم الخداع لدرجة يصعب فيها على النظام التخلص منه، وهذا ما يحدث اليوم مع إدارة بوش. بدأت مسيرة خداع الشعب الأمريكي ولا تزال مستمرة. بوش وزمرته يقولون صبيحة وعشية إن القوات الأمريكية تنتصر في العراق وإن الأمور تسير من حسن إلى الأحسن. ومن ثم تؤكد هذه الإدارة أنها تحارب القاعدة، وأن المقاومة العراقية هي القاعدة وأما القتال الآخر فهو بين السنة والشيعة أو بين الشيعة والشيعة. وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية لا تزال بمعظمها تتبنى هذه المعلومات. ولكن المتابع لما يحدث هناك يعرف أن هذا الكلام غير دقيق. ففي لقاءاتي مع بعض أعضاء الوفد العراقي القادم من بغداد والذي شارك في “المؤتمر القومي العربي” التاسع عشر في العاصمة اليمنية صنعاء والذي شاركت فيه، تبين أن منظمة القاعدة منبوذة شعبياً في العراق ولا تلعب دوراً رئيسياً في المقاومة العراقية، بل إن المقاومة نابعة من صلب الشعب العراقي وموجهة ضدّ الاحتلال الأجنبي للعراق وفي مقدمته الاحتلال الأمريكي. وسمعنا من أعضاء هذا الوفد قصصاً تقشعر لها الأبدان عن تصرفات جنود الاحتلال ضدّ المواطنين، وعن الأسلوب الذي يتبعه الاحتلال بالنسبة لتزويد السكان بالكهرباء والماء والوقود والغذاء. هذا كله لا تتطرق إليه وسائل الإعلام العالمية بسبب ثقافة الخداع التي تتبناها واشنطن، وبسبب تعاون بعض المأجورين من العراقيين الذين تستغلهم إدارة بوش لتسويق ثقافتها هذه. ولكن هذه الأمور لا يمكن أن تبقى مستترة، وها هو كتاب سكوت ماكليلن يعلن بداية فضيحة تاريخية كبرى تأتي من داخل إدارة جورج بوش نفسها.