محافظ دمياط يوافق على النزول بسن القبول بالصف الأول الابتدائي    بصيص من الضوء.. هل تشهد قضية سد النهضة تحولا حاسما بعد البريكس؟    وزير الإسكان يدعو المطورين الصناعيين الأتراك للتواجد في مصر    بوتين: مصر تعمل بنشاط في إطار البريكس    إعلامي إماراتي يكشف مفاجأة كبرى بشأن أزمة ثلاثي الزمالك    القنوات الناقلة لمباراة نيس وفرينكفاروزي في الدوري الأوروبي    ليس فرد أمن.. إعلامي إماراتي يكشف مفاجأة عن هوية صاحب التيشيرت الأحمر    سقوط 19 عنصرا إجراميا بحوزتهم مخدرات ب 30 مليون جنيه    السجن المشدد 5 سنوات لعاطلين في الشروع بقتل سائق توك توك وسرقته بالمطرية    محمد محمود عبدالعزيز وزوجته سارة وشيماء سيف ضيوف «صاحبة السعادة»    فريق طبي ينقذ مريضا توقف قلبه بالمنوفية    مدير تعليم القاهرة يوجه بضرورة تسجيل الغياب أولًا بأول    "المشاط" تلتقي مجموعة جيفرز وبنك جي بي مورجان وممثلي الشركة العالمية لعرض نتائج الإصلاح الاقتصادي    ضبط تشكيل عصابي لسرقة الأسلاك الكهربائية من الشقق بمدينة 15 مايو    محافظ أسيوط: استمرار تنظيم حملات النظافة ورفع المخلفات من شوارع مركز منفلوط    ندوات توعية حول ترشيد المياه في إطار مبادرة (بداية) بمطروح    لمواليد برج العذراء.. اعرف حظك في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر 2024    أسقف المنيا يشارك في فاعليات افتتاح مركز "ترينيتي" بالزمالك    بدء تشغيل معامل جديدة بجامعة الإسماعيلية الأهلية (صور)    تعاون مع الأمم المتحدة لمواجهة الجرائم البيئية    تعليق شوبير على تصريحات عامر حسين بشأن تغيير شكل كأس مصر    كولر يعقد محاضرة للاعبين قبل التوجه لملعب مباراة السوبر    تداول 55 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحرالأحمر    وزير الصحة يتابع استراتيجيات تحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الشامل في مؤتمر السكان 2024    جامعة المنوفية تحتل المركز التاسع محليا و28 إفريقيا في تصنيف ليدن الهولندي    صعق كهربائى ينهى حياة شاب وإصابة آخر فى الصف    حزب الله يدك قاعدة زوفولون للصناعات العسكرية شمال مدينة حيفا    ألمانيا تقدم 96 مليون يورو مساعدات للشعب اللبناني    موعد عرض Arabs Got Talent الموسم السابع 2024 والقنوات الناقلة    اليوم ختام الدورة ال 32 لمهرجان الموسيقي العربية وسهرة طربية لمي فاروق    29 أكتوبر.. عرض مسرحية «قلبي وأشباحه» بموسم الرياض    الأمم المتحدة: تضاعف عدد القتلى من النساء فى النزاعات المسلحة خلال 2023    الدكتور خالد عبدالغفار يستقبل وزير الصحة السودانى لبحث التعاون المشترك    مستشار بصندوق الأمم المتحدة للسكان: شيخوخة السكان مستمرة بوصفها ظاهرة عالمية    التأمين الصحي بالقليوبية يحتفل باليوم العالمي لنظافة الأيدي بمستشفى بنها النموذجي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت الحوفيين ضمن مبادرة "بداية".. صور    تكليف 350 معلمًا للعمل كمديري مدارس بالمحافظات    تحرير 125 محضرًا خلال حملات على المخابز والأسواق    بالأرقام.. كيف ساهمت «البيئة» في تنفيذ المبادرة الرئاسية 100 مليون شجرة؟    محافظ أسيوط يتفقد مدرسة النيل الدولية    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الرياض في دوري روشن السعودي    اعتقال 200 فلسطيني من مخيم جباليا شمالي قطاع غزة    نيقولا معوض يخدع ياسمين صبري في ضل حيطة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 24 أكتوبر 2024 في المنيا    هل يجوز الكذب عند الضرورة وهل له كفارة؟.. أمين الإفتاء يوضح    بدائل الشبكة الذهب للمقبلين على الزواج.. خيارات مشروعة لتيسير الزواج    ألمانيا تزيد شحنات الأسلحة إلى إسرائيل لتتجاوز التقديرات السابقة    الأحد.. هاني عادل ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    سول: قمامة حملها منطاد كوري شمالي سقطت على المجمع الرئاسي    تجديد حبس فني تركيب أسنان قام بقتل زوجته وألقى بجثتها في الصحراء بالجيزة    فصائل عراقية مسلحة تعلن استهداف موقع عسكري بشمال إسرائيل    خالد الجندى: سيدنا النبى كان يضع التدابير الاحترازية لأى قضية    أول إجراء من الزمالك ضد مؤسسات إعلامية بسبب أزمة الإمارات    حملات أمنية مكثفة لمداهمة المصانع غير المرخصة بجميع المحافظات    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    فيديو مرعب.. لحظة سرقة قرط طفلة في وضح النهار بالشرقية    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الذكرى الستين!!
نشر في الشعب يوم 11 - 05 - 2008


بقلم: د. بثينة شعبان

افتتحت إسرائيل عطلة الأسبوع الفائت لسكان بيت لاهيا شمالي غزة باغتيال الطفلة الفلسطينية مريم طلعت معروف (14) عاماً، قرّة عين والدها، طلعت معروف، الذي اعتقلته قوات الاحتلال بعد غياب ابنته كي لا يتمكن حتى من وداع جثمانها والبكاء والحزن عليها بعد أن فُجع بفقدانها إلى الأبد. كما جرح ثلاثة من أفراد عائلتها جروحاً بليغة بعد أن استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلهم بشكل مباشر بالذرائع الإسرائيلية المعروفة، التي تتلخص في إصرار الفلسطينيين على مقاومة احتلال أجنبي بغيض والتمسك بمقاومتهم من أجل تحرير أنفسهم وأرضهم وبلدهم من براثنه. وحين قرأت عن هذه الجريمة النكراء اعتقدت أنّ هذا أقسى ما يمكن أن ترتكبه الآلة الإجرامية الإسرائيلية بحق شعب أعزل. ولكنّ الإسرائيليين يتفوقون دائماً على أنفسهم بارتكاب أعمال الإبادة ضدّ شعب آمن فأتت كلّ جريمة لتجعل سابقتها تبدو أخفّ وطأة من التي تلتها. فلم ألحق بعد أن أكتب عن مريم طلعت معروف ووالدها، وعلى كل والد مولع بابنته أن يتخيّل ماذا حدث لطلعت معروف حين قتلوا ابنته وساقوه إلى السجن فور استشهادها، إلى أن فجعتُ بجريمة يجب ألا تمرّ مرور خبر عاجل على مسامع ومرأى العالم العربي والدولي. إذ شاهدت الأم العربية ميسر أبو معتق في عزبة في بيت حانون والتي كانت تتناول طعام الإفطار مع أطفالها الأربعة مسعد (عام واحد) وهناء (ثلاثة أعوام) و دينة (أربعة أعوام) وصالح (خمسة أعوام) حين قصفهم جيش الاحتلال بقذيفة إسرائيلية فاختلط الحليب بدماء الأم وأطفالها، والتي أرسلت زوجها للتوّ ليتناول غرضاً آخر لمائدة الإفطار من محل قريب من المنزل فعاد الأب، أحمد أبو معتق، ليجد أسرته قد أبيدت تماماً وليرى زوجته وأطفاله الأربعة أشلاء متناثرة في داره، ولتقلب هذه الساعة السوداء حياته رأساً على عقب، فلا زوجة ولا أطفال، ولا حديث، ولا ابتسامة، ولا دعابة، بعد اليوم، بل الموت الإسرائيلي الأسود بأشكاله المختلفة الذي سيعيشه أحمد أبو معتق كل يوم إلى أن يلحق بأسرته بعد أن دمّر العدوان والاحتلال قلبه وروحه. وقد سقط شهيد آخر يبلغ من العمر سبعة عشر ربيعاً لأن مروره صودف قرب المنزل لدى سقوط صاروخ الإبادة، كما استشهد معاذ الأخرس (22) عاماً في اليوم ذاته، صباح الاثنين الماضي، برصاص قنّاص إسرائيلي فيما استشهد أيضاً الشاب إبراهيم حجوج (23) عاماً. كل هذا خلال ثمان وأربعين ساعة في بيت لاهيا وبيت حانون، والسؤال هو: إذا لم تكن هذه حرب إبادة ضد المدنيين الفلسطينيين فما عساها أن تكون حرب الإبادة؟ وإذا لم يكن هذا تطبيقا حرفيا لأسلوب العقوبات الجماعية ضدّ شعب بأسره فكيف يمكن أن تكون العقوبات الجماعيّة؟ والسؤال الآخر هو كيف يمكن أن يعامل العالم "الديمقراطي" و"المتحضّر" تدمير حياة النساء والأطفال والشباب الذين لا ذنب لهم سوى أنّهم ولدوا عرباً على أرض فلسطينيّة محتلّة بعد أن هجّروا لأول مرّة عام 1948 وأصبحوا لاجئين في غزة فلاحقتهم آلة الموت الإسرائيلية إلى قراهم ومخيماتهم كي تبيدهم في الوقت الذي يتشدّق بعض حكامها بالتهدئة أو التفاوض على جثث الأطفال الأبرياء؟ وكالعادة لم يجد الإعلام الغربيّ نفسه معنيّاً بنقل الخبر أو الصورة وكأنّ حياة هؤلاء ليست أثمن شيء وهبه الله لهم، فمن يحمل قضيّتهم ويتابعها، كما حملت عائلة جيمس ميللر قضيّته لسنوات خمس طوال إلى أن أرغمت إسرائيل على الاعتراف بقتلها المتعمّد له؟

في محاولة لفهم العوامل التي تمكّن إسرائيل من ارتكاب كلّ هذه المجازر البشعة وهي تستعدّ للاحتفال "بعيدها" الستين كدولة "ديمقراطية" سيتحدّث عن "مآثرها" قادة من العالم يستعدّون للمشاركة بهذا الحدث، لم أجد أقرب من وصف علاء الأسواني في روايته "شيكاغو" لما حدث للهنود الحمر وتفسيره له والذي ربما يساعد البعض على فهم العوامل التي تمكّن إسرائيل من الاستمرار بارتكاب مجازرها مطمئنّة إلى صمت دولي مطبق وصمت رسمي عربي مريب غير مفهوم.

يقول علاء الأسواني: خلال المائة عام التي تلت عام 1673 حين وصل إلى منطقة شيكاغو رحّالة أبيض يرافقه راهب فرنسي توافد بعدها آلاف المستعمرين على أمريكا، «شن المستعمرون البيض حروب إبادة مروّعة قتلوا خلالها ما بين 5 و12 مليون من الهنود الحمر في كل أنحاء أمريكا مع أن المستعمرين البيض الذين قتلوا ملايين الهنود الحمر واستولوا على أراضيهم ونهبوا ثرواتهم من الذهب.. كانوا في نفس الوقت مسيحيين متدينين للغاية» لكنّ هذا التناقض يصبح مفهوما حين نستذكر الآراء التي كانت شائعة في تلك الفترة. فقد ذهب كثير من المستعمرين البيض إلى أنّ «الهنود الحمر، بالرغم من كونهم ضمن مخلوقات الله على نحو ما، فإنهم لم يُخلقوا بروح المسيح، وإنما خُلقوا بروح أخرى ناقصة شريرة» كما أكد آخرون بثقة أن الهنود الحمر مثل الحيوانات «مخلوقات بلا روح ولا ضمير وبالتالي فهم لا يحملون القيمة الإنسانية التي يحملها الرجل الأبيض» وبفضل هذه النظريات تمكن المستعمرون من قتل من شاؤوا من الهنود دون ندم أو شعور بالذنب «ومهما بلغت بشاعة المذابح التي يرتكبونها طوال النهار، لم يكن ذلك ليفسد نقاء القدّاس الذي يقيمونه كل ليلة قبل النوم !» (علاء الأسواني - شيكاغو - ص 7-8).

ولقد لجأت "إسرائيل" ومازالت إلى بث نظريات مشابهة عن العرب الذين، كما تزعم، «يرغبون لأطفالهم أن يستشهدوا فيرمون بهم إلى التهلكة كي يذهبوا إلى الجنة!» كما شنّت "إسرائيل" ومنذ سنوات حملة عنصرية في الإعلام العالمي مفادها أن النساء الفلسطينيات «هنّ اللواتي يدفعن أطفالهن إلى الموت» لأن المسلمين يفضلون الموت على الحياة لأن «الشهادة تكافئهم بحوريات في الجنة» والذي يراد الغمز منه إلى شبق المسلمين أو غرابة دينهم ومعتقداتهم. وها هو ايهود باراك بعد جريمة إبادة عائلة أبو معتق في بيت حانون يقول: «إن حماس مسؤولة عن كلّ ما يحدث هناك وكلّ الإصابات، فهي تنشط داخل تجمعات سكنية وحتى أنها تضع عبوات ناسفة بين سكان مدنيين، مسؤولة أيضاً عن قسم من المصابين الفلسطينيين». هذا بالإضافة إلى افتراءات الجيش الإسرائيلي اليومية والتي تتهم كلّ من تغتاله بأنه «كان يحمل حقيبة تحتوي على عبوة ناسفة» أو أنه «كان في طريقة إلى زرع عبوة ناسفة»، أو أنه «في طريقه لتنفيذ عملية ضد الجنود الإسرائيليين». المنطق الإسرائيلي هنا هو أن "الشبهة" بمقاومة الاحتلال تعتبر بحد ذاتها جريمة يُعاقَب عليها بالقتل الفوري، هذا إذا افترضنا أن ما يدعونه يحمل أي أثر لواقع أو حقائق، والأمر ليس كذلك طبعاً.

فإلى متى يردّد العالم والإعلام الدولي والعربي أكاذيب الاحتلال هذه والتي تقدّم مبررات لحرب الإبادة التي تقودها إسرائيل ضدّ الفلسطينيين كل يوم؟ إن آلاف الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل بحق الأطفال والنساء والشباب والأسر الآمنة هي جرائم بحق الإنسانية ويحاسب عليها القانون الدولي الإنساني وهي خرق فاضح لاتفاقيات جنيف الرابعة فلماذا يصمت زعماء العرب ويصمت العالم "المتحضّر" ويَمرّ خبر إبادة العوائل وتدمير حياة آلاف البشر وكأنه خبر لحظي لا يتذكره أحد بعد لحظة إذاعته، هذا إذا أتيح له أن يُذاع أو يُبث؟ ثمّ إن استهانة إسرائيل بحياة أسرة أبو معتق، كغيرها من آلاف الأسر التي أبيدت والتي دمرت حياتها كأسرة الطفلة غالية وأسرة الطفلة مريم طلعت معروف هي استهانة بحياة العربيّ في كلّ أقطاره وبكرامة هذا العربي وقيمة حياته لأن النظريات العنصرية التي تبثّها إسرائيل عن حياة العرب والمسلمين تشمل الجميع، تماماً كما كانت الشائعات عن حياة وروح ومشاعر الهندي الأحمر تشمل جميع الهنود الحمر إلى أن أبيدوا جميعاً. فهل نستيقظ اليوم لنواجه المبرّرات العنصريّة المعادية للعرب التي تضعها آلة الكيان الاستعماري الصهيوني لتبرير حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟ والتي هي مستمرة بزخم وبشكل مدروس وممنهج منذ ستين عاماً، وهل ستعمل القوى العربية لاستغلال مناسبة الذكرى الستين لقيام هذا الكيان الغاشم، لفضح الوجه الحقيقيّ له أمام الرأي العام العالمي؟

لقد أصدر مائة أكاديمي بريطاني يهودي بياناً يدعون العالم فيه إلى مقاطعة احتفالات الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل لأنها تقوم بأعمال إبادة وتطهير عرقي ضد الفلسطينيين، فأين اختفت أصوات المثقفين والأكاديميين والمحامين العرب والمجتمعات الأهلية على طول الوطن العربي وعرضه؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.