العلمانيون العرب بعد شعار «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة»: لا علم فى الدين ولا دين فى العلم مواقع اللادينيين العرب لمحاربة الإعجاز العلمى تضم صبية وجهلاء يمارسون الفكاهات اللغوية والعلمية يمر العالم الإسلامى بحالة من التراجع الحضارى والتخلف التقنى بشكل عام باستثناء عدة دول بدأت تضع أقدامها على الطريق الصحيح والطويل والذى يتطلب تغييرا فى البنية المعرفية للعقل المسلم بحيث يتحول من حالة التلقى السلبى إلى الفاعلية والمشاركة الإيجابية فى البناء الحضارى العالمى، وهو الدور الذى قام به أجدادنا العظام حين أرسوا قواعد النهضة ووضعوا منهج البحث العلمى والتجريبى فأحدث ذلك ثورة علمية وفكرية فى العالم الغربى تأثر بها رواد حركة الإصلاح الدينى وحركة التنوير فى أوروبا. لكن خارطة المشهد الحضارى الآن اختلفت بشكل دراماتيكى، حتى صار العالم الإسلامى عند الكثيرين بقعة مظلمة وبؤرة للرجعية والفوضى. صحيح أن ذلك كان بفعل الاستعمار الغربى الهمجى ثم حكم العسكر الفاشى والاستبدادى، لكن ذلك لا يعنى تبرئة المسلمين من تحمل مسئولياتهم التاريخية والأخلاقية مما حدث، فالعالم الإسلامى تقمص دور الضحية وصدقه فى كثير من الأحيان لكى يبرئ نفسه من تهمة التقصير. وفى حقيقة الأمر فإن جهاز المناعة الفكرى والمعرفى لدى العالم الإسلامى كان يتسم بقدر كبير من الهشاشة والضعف جعلته بتعبير «مالك بن نبى» قابلا للاستعمار، وهذه القابلية للاستعمار يسأل عنها مفكرو ومنظرو المسلمين خلال القرون المنصرمة، فلم تفلح محاولاتهم ولا كتاباتهم فى تحقيق أى قدر من التصالح بين تيار التغريب وتيار المحافظين على المستوى الثقافى والسياسى. لقد أصبحت الحاجة ملحة الآن لكى نراجع أنفسنا ونمارس فضيلة النقد الذاتى وتصوراتنا عن المنهج الإسلامى وعلاقته بالأفراد والمجتمعات، فربما نفاجأ بأن تصورنا -إسلاميين وعلمانيين- هو نوع من المثالية واليوتوبيا الحالمة البعيدة عن الواقع بكل مشاكله وتعقيداته.ولأننا ما زلنا لا نستطيع أن نقدم النموذج الذى يمكنه جذب الآخر إلى الإسلام -ليس على المستوى التكنولوجى فحسب- بل وعلى المستوى الاجتماعى والأخلاقى أيضا، فلقد أصيبت المجتمعات الإسلامية بأمراض كثيرة من الفوضى والتسيب والثرثرة والانحلال ما يتجاوز مشكلات وأمراض العالم الغربى ذاته. ومرة ثانية أؤكد أن حكم العسكر الاستبدادى والمتخلف والعميل هو أحد أهم الأسباب لهذا الانهيار الذى أصاب العالم الإسلامى، لكن كان من الممكن أن تسير الأمور بشكل مختلف لو كان لدينا من الكتاب والمفكرين من استطاعوا تقديم الإسلام بشكل أكثر واقعية ومرونة بعيدا عن الصراع السياسى والاستنزاف المجتمعى حول جزئيات وتفاصيل كان يمكن تأجيلها. لم نعد نمتلك إذا رصيدا مقنعا للآخر سوى النص القرآنى الذى بهر الكثيرين ليس فقط ببلاغته، ولكن بتشريعه المتسق مع الفطرة السليمة بدءا من قضية التوحيد ومرورا بتشريعه الفردى والمجتمعى المتفرد ثم ما حواه من معارف وعلوم باتت تعرف فى الأدبيات العربية بل والعالمية أيضا بالإعجاز العلمى فى القرآن أو the scientific miracles in Quran ، والتى ربما زاد بسببها عدد المعتنقين للإسلام على مستوى العالم، لكن المدهش أن هناك فريقا من المسلمين يتحفظ بل ويرفض مفهوم الإعجاز العلمى وبخاصة أن كثيرا من النظريات العلمية تتغير بمرور الوقت مع ظهور معطيات علمية جديدة، وقد يؤثر ذلك سلبا على قداسة النص القرآنى، وعلى الرغم من أن هذا التحفظ قد يبدو مقبولا فى بعض الأحيان غير أنه لا يرتكز على أسس علمية، وقضية التخوف هذه ربما تكون قناعا يستترون به فى مواجهة المؤيدين للإعجاز العلمى، كما أن الجميع يدرك أن تفسير القرآن عمل بشرى يحتمل الصواب والخطأ ليس فقط فى الجانب العلمى بل والتشريعى أيضا، وقد تأول كثير من الصحابة آيات ثم تبين لهم فيما بعد خطأ ما ذهبوا إليه.لكن الفريق الأكثر خطورة هم أولئك العلمانيون الذين لا يكتفون بإقصاء الدين عن السياسية، بل ويسعون إلى إقصائه عن العلم والحياة أيضا، فلم يعد شعار «لا سياسية فى الدين ولا دين فى السياسة» مقنعا لهم، فأصبحوا يرددون شعارات أخرى منها «لا علم فى الدين ولا دين فى العلم»، حتى خرج علينا واحد من صبيتهم بكتاب يتهكم فيه ويتهجم على قضية الإعجاز العلمى فى القرآن والداعمين لها بطريقة هيستيرية منحطة، ورغم أنه كاتب تافه لا علاقة له باللغة التى هى المفتاح الوحيد للولوج إلى النص القرآنى، فإنه يحاول أن يبدو بمظهر العارف بأسرارها وهو الذى يخطئ فى الإملاء، كما أنه ليس له أى منجز أدبى أو لغوى، وبعيدا عن ضحالته تلك فإنه يدعى أن أى كتاب قديم وحتى أشعار المتنبى يمكن أن تحتوى على إعجاز علمى لمن أراد أن يتعسف فى التأويل، ويستشهد ببيت المتنبى عن الحمى: وزائرتى كأن بها حياء ** فليس تزور إلا فى الظلام فيقول إننا يمكن أن ندعى أن المتنبى قد توصل إلى معجزة علمية وهى أن الحمى تزيد ليلا! ولأنه علاقته باللغة ليست شريفة، فهو يستطيع أن يزعم ذلك لكننا لن نتركه بالفعل لأن المتنبى يتحدث عن الحمى التى تصيبه هو، ولا يتحدث عن الحمى بشكل عام، كما أنه يستخدم تعبيرا مجازيا فى قوله: «كأن بها»، فهو ليس على سبيل الحقيقة. وعلى أية حال فهذا النوع من المتطفلين على العلم واللغة لا يستحق الرد أو التعليق، فكتاباته وثائق إدانته التى تفضح جهله وركاكاته وتناقضاته وخاصة أنه ينتمى إلى فصيل علمانى يتخذ موقفا ضد الدين ذاته وليس المتدينين، وهو يستشهد فى كلامه ومقالاته بالملاحدة فقط أمثال «ريتشارد دوكنز»، على الرغم من أن هناك فريقا آخر من المتدينين مثل «ويلسون» E.O.Wilson. لكن هذه هى خياراته وهو حر فيها، لكن نريده فقط أن لا يحاول أن يقنعنا بأنه موضوعى وعلمى، فكتاباته كلها تطفح بالانتقائية والكراهية إضافة إلى أنها مجرد فقاعات يمارس فيها كثيرا من الكذب والتزوير والتدليس مثل غيره من المتطرفين العلمانيين حتى وصل الحال ببعضهم إلى إنشاء مواقع على الإنترنت تحمل عنوان (اللادينيون العرب) لا هم لها إلا محاربة الإعجاز العلمى فى القرآن، رغم أنهم من يكتب فيها مجموعة من الصبية ولامرضى النفسيين والجهلاء الذين يمكن أن نستمتع بفكاهاتهم اللغوية والعلمية، وأن ندخل إلى مواقعهم بدافع التسلى والبحث عن فكاهاتهم العلمية واللغوية. العجيب أن الجدل حول قضية الإعجاز العلمى فى القرآن انتقلت إلى العالم الغربى بشدة بعد أن أدرك أنها باتت تهدد عقيدته وخاصة بعد كتاب الطبيب الفرنسى «موريس بوكاى» Maurice Bucailleالذى ألف كتابا شهيرا يحوى دراسة مقارنة للتوراة والإنجيل والقرآن فى ضوء العلم والمعارف الحديثة وعنوان الكتاب بالفرنسية هو La Bible، le Coran et la science Les Ecritures saintes examinées à la lumière des connaissances modernes. ثم كتاب أستاذ التشريح الكندى «كيث مور» Keith Moore، عن تطور حياة الجنين وفق القرآن والسنة the Developing human.. with Islamic additions، وغير ذلك من الكتابات ما أدى إلى تحول الإنترنت إلى تسونامى مؤيدين ومعارضين، لكن من الواضح أن التعصب ليس داء عربيا فقط، بل هو داء إنسانى متأصل، فكتابات المعارضين فى العالم الغربى أيضا ليست إلا مجرد كذب وتزوير فاضح، لكنها تعطى انطباعا مهما وهو أن الإعجاز العلمى فى القرآن حقيقة مؤكدة رغم أنف الرافضين بل وربما تساهم دون قصد فى اعتناق الكثيرين للإسلام. لكن لماذا تعتبر قضية الإعجاز العلمى فى القرآن حقيقة مؤكدة؟ لقد كانت إجابات المؤيدين للفكرة على الرغم من وجاهتها ومنطقيتها، فإنها عاطفية بعض الشىء دون تقديم مقاربة علمية حقيقية، والمدخل الذى ربما يكون أكثر مناسبة لفكرة الإعجاز العلمى هو أن العرب كان لديهم تصورات عن الحياة والموت والكون، هذه التصورات كان بعضها عربيا خالصا، وكان البعض الآخر نتيجة احتكاكهم بثقافات وعقائد الآخرين، فلما نزل القرآن، كان لا بد أن يكون له موقف من تلك التصورات، فأقر القرآن ما كان صحيحا منها، وأبطل الفاسد منها بل وقدم (التصور) الصحيح عن الكون والوجود، أما الذين يرفضون الإعجاز العلمى فى القرآن فعليهم أن يثبتوا أن بعض ما قدمه القرآن عن الكون يتعارض مع النتائج التى توصل إليها العلم الحديث – ولن يستطيعوا. لكن بقى سؤال ينبغى أن يطرح، وهو: هل نستطيع من خلال آيات القرآن تقديم نظريات لم يتوصل إليها العلم؟ أو بطريقة أخرى: لماذا ينتظر المسلمون ما ينتجه العقل الغربى كى يبحثوا عنه فى القرآن؟ الجواب فى العدد القادم إن شاء الله.