لقد أصبحت للجالية اليهودية (بنى إسرائيل) مكانة كبيرة فى مصر، خاصة بعدما كبر عددها وأصبح لها حضور حقيقى فى شرق الدلتا فى تلك الفترة من تاريخ مصر القديمة؛ فلقد اتفقنا أن بنى إسرائيل فى عهد الدولة الحديثة كان لهم شأن؛ وذلك لميلاد سيدنا موسى عليه السلام؛ فمن المعلوم أن سيدنا موسى ولد فى العام الذى حدد فيه فرعون مصر رمسيس الثانى قتل الذكور من بنى إسرائيل، وأوضحنا ذلك فى الحلقة الماضية رقم 3؛ فلما خافت أمه عليه وضعته فى اليم فيقول تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فِإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِى الْيَمِّ وَلاَ تَخَافِى وَلاَ تَحْزَنِى إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ)؛ فاليم هنا كلمة عبرية معناها النهر أو البحر وهو المعنى نفسه فى اللغة المصرية القديمة منذ الأسرة ال18 فى الدولة الحديثة 1550-1069ق.م. وكلمة «يم» ذكرت فى القرآن الكريم 8 مرات؛ وذلك حين خص القرآن الكريم مصر دون غيرها. وذُكرت كلمة «اليم» بمعنى النيل 3 مرات، وأطلقت على البحر الذى غرق فيه الفرعون 5 مرات؛ فالإشارة هنا إلى أم سيدنا موسى عليه السلام أن تضع ابنها فى التابوت المصرى القديم، وهو شىء معروف لحفظ الجسد من رمال الصحراء، فيختلف شكل التابوت لاختلاف العهد الموجود فيه؛ ففى الدولة القديمة مثلا كان على شكل حوض كبير من الحجر ذى جوانب مستقيمة، وفى الدولة الحديثة كانت التوابيت على هيئة المومياء المزودة بقناع يصور ملامح الوجه وعليه بعض فقرات كتاب الموتى. فأخذت أم سيدنا موسى الغلام ووضعته فى التابوت ووضعت التابوت فى اليم؛ وذلك امتثالا لأمر الله عز وجل، وأدركت أمه أن ابنها ليس له بقاء معها؛ لأنه سوف يقتله الفرعون؛ لهذا كان لا بد أن تدفعه إلى من يتولاه ويمنحه الحب والرعاية، وهى لا تنسى حب المصريين القدماء للأطفال والأولاد.