تستعد السفارات الأمريكية والغربية حول العالم لاحتمالية رد فعل عنيف في أعقاب نشر تقرير خاص بعمليات التعذيب التي اتبعتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية سي اي ايه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر 2001. ورفعت البعثات الدبلوماسية الأمريكية في العديد من البلدان خاصة في الشرق الأوسط من اجراءاتها الأمنية تحسبا لوقوع هجمات محتملة جراء ''الفظائع'' التي يحتويها التقرير الذي لن ينشر كله بل خلاصة تقل عن 500 صفحة بحسب مسؤول أمريكي. وقال المسؤول إن التقرير سينشر منه 480 صفحة فقط، بعد ثلاث سنوات من التحقيق من قبل لجنة من الكونغرس ترأستها السيناتور الديمقراطية دايان فاينشتاين. والتقرير يقع في ستة آلاف صفحة، ويحتوي على الوسائل التي اتبعتها سي اي ايه في استنطاق واستجواب ''الإرهابيين المشتبهين''، وتشمل تلك الوسائل الترحيل غير العادي والاستجواب باستخدام الايهام بالغرق وغيرها من الأساليب التي ترتقي إلى جرائم تعذيب، بحسب توصيف الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقال المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن ''هناك حالة من الرعب تنتاب الإدارة الأمريكية'' خوفا من وقوع هجمات خاصة في منطقة الشرق الأوسط في ظل الأوضاع الأمنية غير المستقرة في بعض البلدان وانتشار أفرع لتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في العديد من المناطق. وكان أوباما قد قال في خطاب ''لقد عذبنا بعض الناس''، مضيفا أن ذلك لا يتسق مع القيم الأمريكية بحسب قوله. وقال جوش إرنست المتحدث باسم البيت الأبيض إن أوباما يعتقد أنه لم يكن هناك مبررا لاستخدام تلك الوسائل التي لم تجعل الأمريكيين أكثر أمنا. وأضاف في مؤتمر صحفي في البيت الأبيض الاثنين إن ''هناك مؤشرات على أن إصدار التقرير يمكن أن يؤدي إلى خطر أكبر تواجهه المنشآت والأفراد الأمريكيين في جميع أنحاء العالم''. وأكد أن الإدارة الأمريكية اتخذت الخطوات اللازمة للتأكد من اتخاذ الاحتياطات الأمنية المناسبة الصحيحة في منشآت الولاياتالمتحدة في جميع أنحاء العالم. وقال المسؤول إن هناك مخاوف من تهديدات أمنية محتملة قد تعقب نشر التقرير، الذي يكشف عن بعض الممارسات التي قامت بها سي اي ايه تمت خارج الولاياتالمتحدة خاصة في عدة سجون سرية في أوروبا وأسيا والعالم العربي. وأشار إلى أنه تم التواصل مع حكومات بعض الدول التي ''من المحتمل أن تتعرض مصالحنا فيها لأي هجمات''. كما قال الكولونيل ستيف وارن، وهو متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ''هناك بالتأكيد احتمالية بأن يتسبب إصدار هذا التقرير في حدوث اضطرابات'' ولذلك تم توجيه القيادات القتالية باتخاذ إجراءات وقائية. في مصر، قال مصدر أمني إنه تم تشديد الإجراءات الأمنية في محيط السفارة الأمريكية بتم تغيير بعض الضباط بآخرين مدربين على أعلى مستوى بناء على طلب من السفارة نفسها. وأضاف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه أن اجراءات أمنية مشددة فرضت على عدد من البعثات الأجنبية الموجودة في مصر، بعد ورود معلومات استخباراتية بشأن احتمالية شن هجمات على مصالح حكومية وسفارات ومكاتب أجنبية في البلاد. وكان وزير الخارجية جون كيري طالب يوم الجمعية فاينشتاين أن ''تدرس'' توقيت إصدار التقرير. وانتقد الجمهوريون نشر التقرير وحذروا من ردات فعل عنيفة جراء نشره. ودافع نائب الرئيس السابق ديك تشيني من ادارة الرئيس جورج بوش بقوة عن تقنيات الاستجواب المشددة هذه معتبرا انها ''مبررة تماما''. وقال لصحيفة نيويورك تايمز انه ''تم السماح بالبرنامج.. والتدقيق فيه من وجهة نظر قانونية من قبل وزارة العدل'' معتبرا ان عناصر السي اي ايه الذين نفذوا هذا البرنامج ''ينبغي تقليدهم اوسمة عوضا عن انتقادهم''. ورأى السناتور الجمهوري ماركو روبيو الذي يرد اسمه كمرشح للانتخابات الرئاسية عام 2016 ان نشر التقرير الذي وصفه ب''غير جدي وغير بناء'' هو امر ''متهور ولا مسؤول''. ولم تتوقف تلك المخاوف على الولاياتالمتحدة فقط بل امتدت لتشمل دول أوروبية على رأسها بريطانيا التي علقت سفارتها في القاهرة الخدمات العامة لآجل غير مسمى، وشددت من احتياطاتها الأمنية في مختلف سفاراتها حول العالم خوفا من احتمالية وقوع هجمات على مصالحها نظرا لتورطها في برامج التعذيب الخاصة بسي اي ايه. ورفض مصدر في الخارجية البريطاني الرد على سؤال مصراوي حول ما إن كان تعليق الخدمات العامة مرتبط بنشر التقرير والخوف من احتمالية تعرض السفارة أو الرعايا البريطانيين لهجمات. ويثير هذا البرنامج السري جدلا أساسيا لمعرفة ما إذا كان أتاح فعليا الحصول على معلومات جوهرية قادت إلى تحديد موقع زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الذي قتل عام 2011 في باكستان في عملية شنتها وحدة كوماندوز أمريكية. وكان تقريرا غير رسمي صدر في واشنطن العام الماضي اكد تعاون 54 دولة على مستوى العالم في استضافة انشطة الاحتجاز والتعذيب غير القانونية والتي تنتهك حقوق الإنسان منها 25 دولة في أوروبا. قالت صحيفة الجارديان البريطانية إن بريطانية خائفة من فضائح التورط في برنامج الترحيل غير العادي للمعتقلين. وأضافت الجارديان إن عدة دول كانت متحالفة مع واشنطن بينها بريطانيا تشعر بالقلق من فضح دورها في هذه الممارسات الممنهجة. وتقول الجارديان إن بريطانيا التي لم تسمح باي تحقيق في صحة مشاركتها في هذه الانتهاكات لديها كل الاسباب لتشعر بالقلق مما قد يكشفه التقرير المنتظر. وتشير الجارديان إلى أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قضت في يوليو الماضي أن الحكومة البولندية سمحت لسي آي ايه بإدارة سجنا سريا شمال البلاد حيث تم تعذيب اثنين من ''الإرهابين المشتبهين''. ووجدت المحكمة والتحقيقات والاستجوابات أن إيطاليا والسويد ومقدونيا متورطة في برنامج الترحيل غير العادي التابع لسي آي ايه، فيما تواجه ليتوانيا ورومانيا اجراءات أمام المحكمة الأوروبية.