أزمة جديدة انتشرت في الشارع المصري خلال الفترة الراهنة، وهي اختفاء عبوات ألبان الأطفال المدعمة من الصيدليات والأسواق بأغلب محافظات الجمهورية، لتتبقي بالصيدليات عبوات الألبان غير المدعمة والتي تباع بأسعار باهظة الثمن لا يستطيع محدود الدخل شراءها . وتباينت الآراء بين الخبراء والمواطنين حول هذه الأزمة، إذ أرجع البعض أن عبوات الألبان المدعمة يتم تهريبها ليتم بيعها بالسوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها، إذ إن ثمنها الحقيقي ثلاثة جنيهات في حين يتم بيعها بالسوق السوداء بأسعار تتراوح من 20 إلى 45 جنيها، بينما أكد البعض أن أصحاب الصيدليات يقومون ببيع هذه الألبان لمصانع الحلويات من أجل تحقيق هامش ربح كبير خاصة وأن ربح الألبان المدعمة يعد ضئيلا للغاية. لذا استطلعت « النهار» آراء عدد من الاقتصاديين والمواطنين حول هذه الأزمة؟، وما هي الأسباب الحقيقية وراءها؟، وأين دور الرقابة الفعلية على الصيدليات ؟. في البداية أكد الدكتور كمال القزاز، الخبيرالاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، أن أزمة اختفاء ألبان الأطفال المدعمة، ليست بجديدة، إلا أن إهمال وزارة الصحة في الرقابة على الصيدليات أدى إلى تفاقم هذه الأزمة، خاصة وأن الصيادلة طرف أساسي في هذه القضية إذ إنهم يلجأون لبيع الألبان لمصانع الحلويات من أجل تحقيق ربح هائل من ورائها خاصة وأن هامش الربح من بيع هذه الألبان المدعمة يعد ضئيلا للغاية، بجانب أن تقصير الصيادلة في بيع الألبان المدعمة للمواطنين دون أي روشتة من الطبيب يجعل دعم هذه الألبان لا يصل لمستحقيه، خاصة وأن المواطنين يقومون بشرائها وهم ليسوا في حاجة لها، ليقوموا ببيعها في السوق السوداء بأثمان باهظة الثمن. وأوضح القزاز أن الآباء والأمهات يلجأون لشراء الألبان المدعمة من السوق السوداء لسبب رئيسي وهو أن مكاتب الصحة بجميع المحافظات لا تمنح الطفل حتى عمر تسعة أشهر سوي علبة واحدة شهرياً، وبالتالي فهذه العلبة لا تكفيه سوي ثلاثة أيام فقط، ونظراً لاختفاء وجوده بالصيدليات لا يكون أمام أي أسرة سوي شراء هذه الألبان من السوق السوداء. في حين أكدت الدكتورة يمن الحماقي، أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، أن نقص الألبان المدعمة بالصيدليات أمر طبيعي للغاية، خاصة في ظل تقليص عدد العبوات المخصصة لكل صيدلية والمقدرة ب18 علبة شهرياً، بعدما كانت 65 علبة شهرياً، إذ إنه تم تقليص هذه الكمية جراء إغلاق عدد من مصانع الألبان نتيجة سوء التعبئة والتخزين ولعل أبرزها المصانع المنتجة لعبوات ألبان « بيبي زان» ، فضلاً عن أن الدولة رفعت الدعم نهائيا عن عبوات ألبان « لاكتوجين، ليصل سعر العبوة الواحدة 40 جنيها، ومن ثم لم يكن أمام وزارة الصحة سوي أن تقوم باستيراد كميات كبيرة من الخارج والتي تعد أسعارها مرتفعة وذلك من أجل سد احتياجات الأطفال الرضع. وأضافت «يمن» ، أن هذه الأمور خلقت زيادة على طلب الألبان المدعمة، والتي يبلغ سعرها ثلاثة جنيهات، الأمر الذي وضع الآباء والأمهات في مأزق حقيقي، فإذا قامت وزارة الصحة برفع أسعار الألبان المدعمة لتصبح بنحو 15 جنيها بدلاً من ثلاثة جنيهات، سيؤدي لمنع استيراد لبن الأطفال، فضلاً عن أن هذا المبلغ سيكفي تكلفته تماماً، ومن ثم سيقضي على أي محاولات لتهريبه والتخلص نهائياً من السوق السوداء له. في حين أكد الدكتور عادل عبدالمقصود، رئيس شعبة الصيادلة، بغرفة القاهرة التجارية، أن بيع الألبان المدعمة بالصيدليات لايتم إلا بالواسطة والمحسوبية، فضلاً عن أن هناك تلاعبا من قبل مندوبي توزيع العبوات على الصيدليات في حصص الألبان، فهذه الأمور هي السبب الرئيسي وراء النقص الحاد في عبوات الألبان بالصيدليات والأسواق. وأضاف عبد المقصود أن مصانع الحلويات تلجأ لشراء ألبان الأطفال المدعمة كبديل للألبان البودرة، خاصة بعدما ارتفعت أسعارها بشكل لا تستطيع مصانع الحلوي عليه، خاصة وأنها إذا اعتمدت على ألبان البودرة فإن هامش ربحها سينخفض بشكل كبير. كما اتهم عبد المقصود محال الحلويات بالاستيلاء على حصة الصيدليات من الألبان المدعمة، ليضعوا الأطفال الرضع تحت رحمة أباطرة الاحتكار ومافيا التهريب في السوق السوداء، الذين باتوا يتلاعبون ويتاجرون بأرواح هؤلاء الأطفال الرضع، لذا طالب وزارة الصحة بسرعة حل أزمة اختفاء الألبان فى أقرب وقت ممكن. في حين أكد معتز السيد، مدرس، أن زوجته أنجبت له طفلاً لديه الآن أربعة أشهر ونصف، وبعد مرور شهرين من ولادته انقطع اللبن تماماً لدي زوجته وعندما ذهبنا للطبيب، كتب لنا في الروشتة أحد أنواع الألبان المدعمة وهو «بيوميل 1» والذي يبلغ ثمنه ثلاثة جنيهات، ومررت على عدد كبير من الصيدليات ولم أجده نهائياً، إذ أكد لي الصيادلة بأنه غير متوافر على الإطلاق ولا توجد سوي الألبان المستوردة والتي يبلغ ثمنها ثلاثين جنيهاً، إلى أن أخبرني أحد جيراني بأنه يمكن شراء الألبان المدعمة من السوق السوداء ولكن بعشرين جنيهاً، وبالفعل ذهبت للسوق السوداء واشتريت منها، الأمر الذي وفر لى نحو عشرة جنيهات في العبوة الواحده مقارنة بالألبان المستوردة، ورغم كل ذلك راتبي لا يكفي لشراء هذه الألبان خاصة وأن العبوة تنتهي بعد ثلاثة أيام على الأكثر. وطالب معتز، وزارة الصحة بتشديد الرقابة على الصيدليات خاصة وأن الصيادلة لهم دور كبير في تهريب الألبان المدعمة وبيعها في السوق السوداء، ليضعوا الأطفال الرضع تحت رحمتهم، خاصة وأن عدم توافر الألبان المدعمة يجعل الآباء دائماً في رحلة البحث عنها من أجل إطعام أطفالهم الرضع. في حين أكدت ثريا عبد السلام، ربة منزل، أنه منذ أن رزقها الله عز وجل بتوأمها الجديد، حتى فوجئت أن لبنها الطبيعي قليل لإرضاع الاثنين، فاتجهت لشراء الألبان المدعمة، وبالفعل أول شهر وجدت هذه الألبان إلى أن اختفت تماماً من الصيدليات والأسواق دون معرفة السبب وراء ذلك، وكأن أيادي خفية تعبث بحياة الأطفال الرضع. وأضافت ثريا أن زوجها يعمل سائقا، ومن ثم لم يعد قادراً على شراء نحو 20 علبة للطفلين، خاصة وأن اختفاء الألبان المدعمة من الصيدليات والأسواق دفعها إلي اللجوء لشراء الألبان غير المدعمة رغم أسعارها المرتفعة، إذ يبلغ سعر العلبة الواحدة نحو 28 جنيها، فبات شراء ألبان الأطفال عبئا كبيرا على كاهل محدودي الدخل والفقراء.