تنظر من بلكونتها فى الدور الرابع، تتأكد من عدم مرور سيارة أو مار، ترفع يديها لتقذف شنطة بكل ما أوتيت من قوة، ترتطم الشنطة بالرصيف فتتطاير محتوياتها لتغرقه بمزيد من قمامة فاضت عنه ووصلت إلى منتصف الشارع، لدى السيدة مبررات عدة لفعلتها: «الدنيا عيد وأجازات ومفيش زبالين وحتى البواب أجازة، فلازم أتصرف وارمى الزبالة، وكل سكان العمارة بيعملوا كده». بدا المشهد متكرراً، لا فرق بين المعادى والمهندسين والسيدة زينب، الكل سواء فى تصريف القمامة بهذه الطريقة، إلا من رحم ربى وقرر أن يرميها فى الصناديق المخصصة لها، التى فاضت أيضاً حمولتها لتغرق الرصيف ونهر الطريق، لتنتهى الإجازات ويعود كلٌّ إلى عمله؛ مواطن ومواطنة فرحين بأطول إجازة عيد، يتمنيان لو أن تطول أياماً أخرى، وعامل نظافة مكتئب بسبب الإجازة التى سيدفع ثمنها غالياً بعد أن تحولت الشوارع إلى مقلب قمامة عظيم. «خدنا إيه من العيد غير الزبالة؟!» قالها الرجل لنفسه، وهو يحمل مقشته ويواصل عمله الذى لم ينقطع بفعل إجازة العيد، واصل «جابر» عمله وهو يقدم رِجلاً ويؤخر الثانية، يعلم جيداً ما ينتظره؛ فالشوارع فى الأعياد تتحول إلى كارثة: «العيال فى الشارع قالبينه مزبلة، إشى أكل وبمب وصواريخ، والستات فى البيوت أسهل حاجة عليها ترمى من البلكونة، واحنا اللى بنطفح الدم». لو أن الأمر بيديه لاختار الإجازة فى أعقاب العيد، لكنها تقسيمة مديره، يرى زملاءه العاملين منذ بداية العيد محظوظين عنه؛ «بيقعدوا ويسترزقوا إشى بعلبة كحك أو عيدية، واللى بيشتغل فى آخر العيد هو اللى بيشوف القرف كله»، قالها جابر محمد عبدالعليم، لا يضايقه سوى سلوكيات المواطنين التى لا تتغير من عام للثانى: «الواحد من دول يبقى راكب العربية وييجى عند صندوق الزبالة يحدف الكيس بره، طب ما ييجى على نفسه شوية وينزل من عربيته ويحط الكيس فى الصندوق»، يحتقن الرجل الستينى كثيراً من المشهد، ومن السيدات اللائى يتخلصن من القمامة رمياً من البلكونات: «دى أكتر حاجة بتبهدل الشوارع، وخصوصاً لو فى الأكياس دى أكل، القطط والكلاب والذباب بيبهدلوا الدنيا، واحنا مش بس بنتعب لأ كمان صحتنا بتتأثر»، لم يسلم الرجل من أذى الشباب والأطفال منذ نزوله إلى العمل؛ «بيحطولى الصواريخ فى الصندوق بتاعى، حرام عليهم وعلى اللى بيستورد اللعب دى، أنا محرم على عيالى أحمد ومحمود ومحمد إنهم يشتروها». سوء حظ «جابر» هو أن ما يجعل ورديته عرضة لضغط العمل أنه يبدأ من «5 الفجر لحد 1 الظهر»، وفق قوله، الساعات الأولى من صباح أيام العيد تعتبر شاقة ومجهدة عليه؛ «العيال والشباب بيفضلوا صاحيين ماليين الشوارع يرموا وياكلوا، وكان ناقص يحولوا الشارع لحمامات، مش عاملين حرمة للسيدات والبنات اللى بتعدى»! لا يصبره على المعاملة «المهينة» التى يتلقاها سوى كشف الحوافز المدرج به أسماء المشتغلين أيام العيد: «النهارده آخر يوم وهسافر مع عيالى لأهلنا فى الفيوم، وهابعد عن الدوشة والتعب وأقضى الإجازة وسط ولادى».