ما زالت جماعة الإخوان المسلمين تحاول أن تجد لنفسها فضاءً أوسع من حجمها الطبيعي في المجتمع المصري، ففي كل يوم تخرج علينا بتصريحات تريد من خلالها أن لها قاعدة شعبية عريضة؛ لكن أحد قاداتها وهو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح يخرج علينا ليقرر حقيقة مهمة وهي أن الإخوان بكل فصائلهم والمنشقين عنهم لا يشكلون 20% من الشعب المصري، وأنه إذا تمت انتخابات حرة ونزيهة فلن تفوز الإخوان بأكثر من تلك النسبة. يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه الدكتور حلمي الجزار عضو لجنة تعديل برنامج حزب "الحرية والعدالة" بجماعة الإخوان، أن عدد التوكيلات التي تم جمعها وصل إلى 10 آلاف مؤسس، وقال: وهي تزيد 3 آلاف عما كان مستهدفا سابقًا، مع أن المستهدف في البداية كان 20 ألف توقيع، بل وصل به البعض إلى 30 ألف. كل هذا يمكن التغاضي عنه طالما أن الجماعة استكملت النصاب القانوني لإقامة حزب سياسي، أما ما لا يمكن التغاضي عنه، فهو علاقة الحزب الوليد "الحرية والعدالة"، فمثلما ولد الحزب الوطني من رحم السلطة على يد مؤسسه الرئيس الراحل محمد أنور السادات، فوصل إلى السلطة منذ يوم ميلاده، فها هو حزب الإخوان سيولد من رحم جماعة تعتبر هي الفصيل الوحيد المنظم على الساحة المصرية، في مواجهة أحزاب ظلت منتفعة لفترة طويلة من السلطة، فلم تبنِ لنفسها أي قاعدة شعبية. ومن الممكن أن يعترض معترض بأن الفساد السياسي والإداري والمالي الذي شهده عصر النظام البائد لن يتكرر بعد ثورة 25 يناير، لكن إذا حدث مرة أخرى مع جماعة الإخوان الإسلامية الإصلاحية فسيكون من منظور شرعي، وبالتالي سيدخل الدين كخصم مع المجتمع، وهو ما ينذر بكارثة على مصر والعالم الإسلامي، لأن ذلك معناه فشل النموذج الإسلامي في قيادة مجتمع مدني لتحقيق مصالح الشعوب الإسلامية. الخطأ الذي نقصده هو كيف يتم إنشاء حزب سياسي منفصل عن الجماعة، ومجلس شورى الجماعة هول الذي يناقش مدى علاقتها بالحزب، وبالتالي فسيكون لمكتب الإرشاد الوصاية على الحزب حتى لو ادعت الجماعة غير ذلك. وإذا كان الأمر غير ذلك، فدعنا نتساءل لماذا سينعقد مجلس شورى الجماعة بعد غد لإعلان الملامح النهائية لبرنامج الحزب ولائحته العامة، وكذلك شكل العلاقة بين الحزب والجماعة، والمفترض أن يجتمع الحزب ومؤسسوه ليحددوا شكل علاقتهم بالجماعة لا العكس، فهل تريد أن تقنعنا جماعة الإخوان بأنها سترفع وصايتها عن الحزب بمجرد إنشائه وأنه سيحدد مصيره السياسي بعيدا عن المؤثرات الداخلية لمجلس الشورى، هيهات أن يحدث ذلك. ولعل هذا التخوف هو ما دفع رموز المجتمع في المناطق المختلفة للاستفسار عن شكل العلاقة بين الحزب والجماعة عندما دعتهم الجماعة للانضمام للحزب، بل إن العديد من الرموز الإخوانية أعلنت انشقاقها عن الجماعة وخرجت لتكوين أحزاب سياسية مستقلة، مثل الدكتور إبراهيم الزعفرانى المستقيل من الجماعة ويؤسس حاليًا حزب "النهضة" على مبادئ ومرجعية إسلامية، والذي تمارس عليه ضغوط من أجل إثنائه عن تلك الخطوة، وهو ما لم يفلح. علاوة على أبو العلا ماضي، الذي يشكل الآن حزب الوسط ذا المرجعية الإسلامية أيضا، والذي انشق عن الجماعة منذ فترة طويلة. بل كانت الضربة القاسمة للجماعة هي خروج الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، مخالفا بذلك ما أعلنته الجماعة عقب تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، وهو ما رأى فيه البعض التفافا على ما أعلنته الجماعة، متخيلين سيناريو جديدا من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة، حيث سيتم الإعلان عن دعم مرشح آخر غير أبو الفتوح إلا أن الدعوة السرية ستكون لصالح مرشح الجماعة. قضية أخرى لا تقل خطورة عن السابقة، وهي التغير في مواقف الجماعة وتذبذبها، بخاصة بشأن حذف النصوص الخاصة بالأقباط والمرأة وما يتعلق بالاستثناءات من برنامج الحزب، ومنها كذلك نص لجنة العلماء، كل ذلك من أجل اكتساب أكبر قدر من المؤيدين داخل الشارع المصري، تحت زعم أن مناخ الحرية الحالي لا يحتاج إلى قيود ولكن يحتاج تنظيم. وهذا ما دفع الدكتور محمد بديع، المرشد العام لجماعة الإخوان، للترحيب بالتحالف مع جميع القوى الوطنية، بما فيها الأقباط خلال انتخابات مجلس الشعب المقبلة"، وقال: "ليس لدينا أي مشكلة في المحافظة على عقيدة الإخوة الأقباط، كما أنه ليس لدينا أي مشكلة أيضًا في احتكامهم إلى شريعتهم، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية الخاصة بهم"، معتبرًا ذلك من الحقوق الأصيلة للأقباط في الإسلام. كل هذا يعكس التذبذب في مواقف الجماعة، بل إن الأخطر من ذلك هو مغازلة الجماعة لإسرائيل، بعد تصريح أحد قادتها محمد غانم بأنه من الخطأ الحديث عن ضرورة أن تبادر مصر بقطع علاقتها مع إسرائيل عقب نجاح الثورة. مشددا على عدم صحة الأصوات المطالبة بإنهاء علاقات مصر مع إسرائيل، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة ستعود بمصر إلى الوراء كما كان الوضع من قبل، معتبرا أن تلك الدعوة هي مجرد شعارات. وإذا كانت الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل مجرد شعارات، فلماذا كانت الجماعة ترفعها في يوم من الأيام لمواجهة نظام مبارك، أم أن ذلك الموقف الجديد هو مناورة سياسية من الجماعة لكسب ثقة الغرب المفقودة جراء فترة طويلة من التشويه المتعمد لكل ما هو إسلامي لأكثر من 30 عاما من النظام السابق. إن الحقيقة التي لا يجب أن تغيب عن الأذهان هي أن الجماعة تفعل أي شيء من أجل الوصول إلى السلطة، وهذا ليس عيبا، لكنها إذا كانت ملائكية إلى هذه الدرجة ولا تريد السلطة فعليها أن لا ترشح أعضاءها للانتخابات البرلمانية القادمة، فهذه هي الحقيقة، لكن أن تمن على القوى السياسية المتهالكة بأنها ستقوم بترشيح نسبة لم تحددها الجماعة، مرة تقول إنها 30% أو 40%، حتى وصلت إلى 70%، فهذا ما لا يليق بجماعة لها من التاريخ النضالي ما لها. فهل ستشهد الأيام القادمة تحولات جديدة للجماعة من أجل تحقيق مكاسب سياسية وأرض جديدة، أم ستكتفي بما حققته من مكاسب لم تكن تتخيلها، على أكتاف الثورة التي لم تدعُ لها، بل إنها ركبت الموجة وتفاوضت مع النظام السابق أيام الثورة من أجل الاعتراف بها كفصيل شرعي في الشارع المصري؟! هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.